هل يتولى رئاسة بلدية “لندن” مسلم لأول مرة رغم التحريض الصهيوني؟
3 مايو، 2016
فوزه رسالة دعم لـ “كوربن” المؤيد للعرب وتحذير لـ “ترامب” العنصري
محمد جمال –
في أجواء عنصرية على غرار ما يجري في حملة المرشح الرئاسي الأمريكي ترامب، جنبا الي جانب مع اللوبي الصهيوني، ووسط هستيريا “الاسلاموفوبيا”، تجري يوم الخميس 5 مايو الجاري، انتخابات شرسة على منصب عمدة لندن، بين مرشح باكستاني مسلم -لأول مرة- ومرشح أخر “يهودي”، هو شقيق “جميمه سميث خان” الزوجة السابقة للاعب الكريكيت الباكستاني الشهير عمران خان والتي لا تزال تحتفظ بلقبه في اسمها.
Meanwhile people keep wishing me luck for the Mayoral campaign of my brother… Sadiq khan
— Jemima Goldsmith (@Jemima_Khan) March 23, 2016
وتوقع كثيرون أن تصطف “جميمه” خلف المرشح العمالي الذي تشاركه التوجهات السياسية والحقوقية نفسها، لكنها خالفت هذه التوقعات، وأعلنت تأييدها لأخيها زاك، والأمر نفسه فعله طليقها عمران خان، ذو الشعبية الكبيرة في بريطانيا وباكستان، حيث أعلن دعمه لجولد سميث في مواجهة صادق خان ذي الأصول الباكستانية.
وفقا لتقرير نشرته وكالة “رويترز” تُظهر استطلاعات الرأي أن خان يتفوق بفارق 20٪ على منافسه المحافظ، زاك جولد سميث، في السباق لرئاسة البلدية.
وبحسب صحف بريطانية، فإن المرشح المسلم “صادق خان”، وهو مسلم وأبن سائق حافلة، ونائب في البرلمان عن حزب العمال، هو الأقرب للمنصب من “زاك جولدسميث” برغم التوترات الدينية واسعة والاتهامات بالعنصرية.
وفي حالة فوز “خان” فإنه سيكون خليفة للعمدة المحافظ الحالي، “بوريس جونسون”، كما أنه سيصبح أول مسلم يتولى منصب عمدة عاصمة غربية كبرى.
وعلى الرغم من أن المرشح المنافس “جولد سميث” يحظى بدعم كبير من رئيس الوزراء البريطاني الحالي، ديفيد كاميرون، ورغم الهجوم الذي يشنه جولد سميث على خان بسبب دينه الاسلامي، ونشر شائعات في صحف لندن عن علاقته بمتطرفين، إلا أن هذا لم يؤثر على تقدم خان في استطلاعات الرأي.
من هو صادق خان؟
ولد صادق خان عام 1970 في جنوب لندن من أبوين باكستانيين، حيث كان والده يعمل سائق حافلة، وعمل بعد تخرجه كمحامي، وتخصص في مجال حقوق الإنسان، واستطاع التدرج سريعا في حزب العمال حتى تم اختياره للمنافسة على منصب عمودية العاصمة، بعد تفوقه في الانتخابات الداخلية للحزب للترشح لهذا المنصب، على رئيس الحزب الحالي “جيرمي كوربين”، إذ حصد خان نسبة 58.9 من أصوات الحزب، بعد تلقيه دعم النقابات.
ويركز خان برنامجه الانتخابي للترشح لمنصب عمودية لندن على نقطتين رئيستين وهما، السكن والمواصلات العامة، مؤكدا: “ينبغي أن تعود لندن مدينة يمكن للجميع أن يحققوا فيها كل ما في استطاعتهم”.
ويعتبر السكن والمواصلات العامة من الملفات الشائكة في لندن، ومصدر غضب واسع بين سكان العاصمة نظرا لارتفاع أسعارهما، وهو ما يجعل في المدينة تأتي على رأس أغلى المدن في العالم من حيث المعيشة.
حملات عنصرية وصهيونية تزعم علاقته بمتطرفين
ويشترك المتطرفون المسيحيون واللوبي الصهيوني في لندن في حملات اعلانية مشتركة لتشويه صورة “خان” تركز بعنصرية على أنه “مسلم” ولا يجب أن يتولى هذا المنصب، ويروجون مع المحافظين البريطانيين لصور له تزعم بأنه على علاقة بمتطرفين، وأنه حضر كثيرا معهم ندوات.
إذ يتهمه المحافظين بالمشاركة في مؤتمر عقده “متطرفون”، بحسب زعمهم، منهم عزام تميمي، وسليمان جاني، واسماعيل آدم، وحاول “خان” الدفاع عن نفسه مؤكدا أن مشاركته كانت كمحامي حقوق إنسان، وأنه بالفعل يندم على مشاركته في هذا المؤتمر، وأنه ظل طوال حياته يحارب ضد التطرف.
وهو ما دفع “خان” للرد على اتهامات منافسه بالقول إنه (جولد سميث) يشبه “دونالد ترامب” من حيث الأفكار، وأنه يستخدم نفس استراتيجية رجل الأعمال الأمريكي العنصري لتقسيم اللندنيين لاسيما باستغلال الدين.
وركز جولد سميث، لأسابيع طويلة على معتقدات خان الدينية وعلى كونه شوهد مع خطباء مسلمين متطرفين. وهذه خطوة غير عادية في السياسة البريطانية، والتي غالبا لا تُدخل قضية هوية وأصل المرشحين.
مكاسب فوز “خان”
قالت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية إن يبدو أن مرشح حزب العمال البريطاني لمنصب عمدة لندن صادق خان من بين الأوفر حظا للفوز بالمنصب، وإنه في حال فوزه يعتبر أول مسلم يقود العاصمة البريطانية.
وأضافت أنه في حال فوز النائب ووزير النقل السابق صادق خان (45 عاما) فإنه سيخلف عمدة لندن الحالي بوريس جونسون من حزب المحافظين الذي شغل هذا المنصب منذ 2008، والذي يعد أيضا من أوائل الداعمين لحملة انسحاب بريطانيا من عضوية الاتحاد الأوروبي.
وأضافت أن فوز خان سيجعل منه أول مسلم يتولى زمام الأمور بالمدينة، في وقت تحاول فيه المملكة المتحدة العمل على دمج الأقليات ومحاربة “التطرف”.
وقالت الصحيفة إن انتصار خان في الانتخابات من شأنه أيضا أن يعطي دعما لحزب العمال في فترة يشهد فيه حزب المحافظين انقسامات بشأن الاستفتاء القادم على بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي من عدمه.
كما سيقوي فوزه موقف القائد اليساري لحزب العمال “جيرمي كوربن”، الذي يعتبر صديقا للعرب ويؤيد الفلسطينيين، والذي يواجه اتهامات بمعاداة السامية، ويعاني جراء مشاكل مع العديد من صناع القرار في حزبه.
وأضافت نيويورك تايمز أن منافس خان على منصب العمدة زاك غولد سميث يخاطر باستحضار مسائل حساسة تتعلق بالعرق والدين في الانتخابات البلدية.
وقال خان إن غولد سميث يدير حملة يائسة ومسببة للانقسام، وإنه استهدف الناخبين على أسس دينية أو عرقية، وإنه لا يملك سجلا يؤهله ليكون رئيسا لبلدية لندن.
ألاعيب اللوبي الصهيوني
وسعي اللوبي الصهيوني لشن حملات كراهية ضد المرشح المسلم لمنصب العمدة، وضد حزب العمال، وحاول اللوبي استغلال اتهامات وجهها “كين ليفنجستون”، عمدة لندن السابق، لجماعات الضغط الإسرائيلية بتنظيم حملة لتشويه منتقديها على أنهم معادين للسامية.
وأضطر “ليفنجستون”، وهو حليف مقرب من زعيم حزب العمال جيرمى كوربين، لتقديم استقالته بعدما اتهم إسرائيل بتدبير حملة لتشويه منتقديها، ليصبح هو الضحية الثاني لهذا اللوبي الصهيوني، في أعقاب تعليق عضوية النائبة العمالية “ناز شاه” بسبب قيامها بكتابة عبارات على فيس بوك تدعو فيها إسرائيل للانتقال إلى الولايات المتحدة.
وخلال مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية قال ليفينجستون “دعونا نتذكر عندما فاز هتلر في الانتخابات عام 1932، قامت سياسته على ضرورة انتقال اليهود إلى إسرائيل، مؤكد ان “هتلر كان حينئذ يدعم الصهيونية، قبل أن يجن وينتهي به الحال لقتل 6 مليون يهودي”.
وأضاف أن الحقيقة البسيطة في هذا كله أن “ناز” أدلت بتصريحاتها في الوقت الذي تقوم فيه إسرائيل بهجوم وحشي على الفلسطينيين، منتقدا ما اسماه “حملة منظمة جدا من قبل اللوبي الإسرائيلي لتشويه سمعة أي شخص ينتقد السياسة الإسرائيلية ووصف بأنه معاد للسامية”.
واضطر صادق خان، عضو حزب العمال المرشح لمنصب عمدة، لوصف تصريحات ليفنجستون بانها “مروعة وغير مبررة” ويجب ألا يكون هناك مكان لهذا في الحزب.
ويدخل اللوبي الصهيوني هذه المعركة لاستدرار العطف على الدولة الصهيونية ضمن محاولة واضحة منه لفوز مرشحه جاك غولدسميث (يهودي بريطاني من عائلة ثرية متزوج من عائلة روتشيلد) برئاسة بلدية لندن في الانتخابات البلدية المقررة الخميس المقبل.
والمقصود من الحملة الصهيونية (ضد اللاسامية) في حزب العمال إفشال خان المسلم ومنعه من استلام هذا المنصب المهم، وفهم خان جيداً أنه هو المقصود بهذه الحملة والأجواء المسمومة، ولذلك سارع، إلى النأي بنفسه عن لفينغستون وشاه ناز، علماً أنهما من أشد المؤيدين له في حزب العمال، وساهما في دعم حملته الانتخابية بقوة.
وضمن الحملة الصهيونية اعترض النائب العمالي جون مان، المحسوب على أصدقاء إسرائيل والحائز على جوائز تقديرية من يهود أميركا لدعمه إسرائيل، طريق ليفنغستون وهو في الطريق إلى استوديو التلفزيون في ويستمنستر وأهانه وكاد يعتدي عليه بالضرب، ما اضطر قيادة الحزب إلى استدعاء مان وتوبيخه على تصرفه الفظ.
بالإضافة إلى كل ذلك تظاهر عدد من اليهود البريطانيين أمام منزل لفينغستون في شمال غربي لندن وعلقوا علم إسرائيل على باب منزله.
ومؤخرا، تم تعليق عضوية اثنين بحزب العمال في البرلمان البريطاني «ناز شاه، كين ليفينجستون»؛ على خلفية تصريحات وصفت بأنها «معادية لإسرائيل»، حيث بدأت القضية بعاصفة في أعقاب نشر شاه على موقع التواصل الاجتماعي، اقتراحا لحل الصراع في الشرق الأوسط؛ من خلال نقل إسرائيل إلى الولايات المتحدة.
ونشرت “ناز شاه” المسلمة، على صفحتها بموقع التواصل الاجتماعي فیس بوك صورة عام 2014 تظهر فیها “إسرائيل” محفورة على خریطة للولایات المتحدة تحت عنوان: “حل للصراع الإسرائيلي – الفلسطيني”.. انقلوا إسرائيل إلى الولايات المتحدة، مع تعلق تقول فيه: حُلت المشكلة”، ولكن اللوبي الصهيوني أعاد نشر التغريده لاحراج حزب العمال والمرشح لمسلم لمنصب العمدة.
ورغم إعلان حزب العمال تجميد عضوية شاه، إلا أن القضية لم تنته، وشن اللوبي حملة ثانية علي العضو كين ليفينجستون؛ حتى جمد الحزب عضويته أيضا، والضحية الثالث لهم حاليا هو المرشح المسلم “صادق خان”.
وتعيش بريطانيا معركة شرسة بين المدافعين عن الحقوق العربية المغتصبة في فلسطين، والمتصدين للمجازر الاسرائيلية، والاعدامات الميدانية، وجرائم الحرب، وبين اللوبي الصهيوني الذي بات مسيطرا بالكامل على معظم الحكومات الاوروبية، وليس بريطانيا فقط.
ومعروف عن كثيرين من أعضاء حزب العمال من اليساريين دفاعهم عن قضية الشعب الفلسطيني، وانتقاداتهم الصريحة للممارسات الإسرائيلية المقيتة، فيما يخص احتلال الأراضي الفلسطينية.
ورد رئيس الحزب، كوربن، إنه “لا يوجد أزمة في داخل الحزب حول اللاسامية، وإن تضخيم ذلك يأتي من قبيل الخشية من قوة الحزب على المستوى المحلي”.
كاميرون يصطاد في الماء العكر
وقد استغل رئيس الحكومة البريطانية، ديفيد كاميرون، الفرصة بدوره، وهاجم حزب العمال، مدعيا أن «اللاسامية متأصله في حزب العمال»، وأنه يستغرب من بقاء “شاه” ضمن أعضاء حزب العمال، وذلك قبل وقت قصير من اتفاق بين كوربن وشاه على تجميد عضوية الأولى.
ولم يفوّت المحافظون فرصة تعميق الازمة قبل اسبوع من انتخابات رئيس بلدية لندن الاستراتيجي واعضاء برلمانات اسكتلندا وويلز وايرلندا الشمالية، وقال ديفيد كاميرون: “من الواضح أن لدى حزب العمال مشكلة مع معاداة السامية”.
وعلى الرغم من تصاعد الجدل، لا يواجه الحزب أزمة، وفق تأكيد زعيمه جيريمي كوربن، الذي حقق فوزًا كبيرًا في انتخابات سبتمبر الماضي، لكنه يواجه معارضة من قبل عدد من كوادر الحزب، واللوبي الصهيوني.
وهاجمت هيئة النواب البريطانيين اليهود (بورد اوف ديبيوتيز بريتش جوزس)، أكبر منظمة لليهود في المملكة المتحدة، ايضا رئيس حزب العمال.
وصرح رئيس الهيئة جوناثان اركوش “اريد أن يعترف جيريمي كوربن بأن لقاءاته السابقة مع معادين للسامية قبل أن يصبح رئيسًا للحزب، لم تكن لائقة”، وقد اعترف كوربن بأنه التقى اعضاء في حزب الله وحركة حماس خلال مؤتمر في لبنان، للبحث في عملية السلام في الشرق الاوسط. وقال حينذاك: “هل هذا يعني انني متفق مع حماس وافعالها؟، مجيبا “لا”، و”هل هذا يعني انني متفق مع حزب الله وافعاله؟”، مؤكدا: “لا”.