حراقات تكرير النفط في إدلب بين الحاجة والأخطاء القاتلة
4 مايو، 2016
رزق العبي: المصدر
انتشرت في مناطق متفرقة من محافظة إدلب (حراقات لتكرير النفط)، وهي معامل بدائية يعمل أصحابها على تكرير النفط من خلال عدة طرق، لطرح منتوجاتها في الأسواق، ولاقت هذه الحراقات رواجاً وانتشاراً واسعاً في المحافظة، خصوصاً مع قطع طرق النفط من حلب وغيرها.
وباتت تشكل تلك الحراقات الخزان الرئيس الذي يمد الكثير من التجار بالمحروقات وأهمها المازوت.
تكرير النفط محلياً
وللحديث عن هذه الحراقات التقت “المصدر” بالسيد “أبو محمود”، وهو صاحب حراقة في مدينة سراقب بريف إدلب، والذي قال: “الآلات تصنيعها يدوي وبسيط، وجاءت الفكرة من حاجتنا الملحة للمحروقات، فكل فترة يُقطع طريق المازوت عبر حلب، ويرتفع سعر المازوت عندنا، نحن هنا نقوم بكرير النفط، ويتحول الفيول إلى مازوت، ويباع في الأسواق للتجار”.
وأضاف “أبو محمود”: “أنا لا أبيع بالليتر إنما بالبرميل، وفي أكثر الأحيان لستُ التاجر، إنما صاحب معمل لتكرير النفط، حيث يأتي الشخص ومعه (الفيول) أصنع منه مازوت، وأرده لصاحب الفيول، وأتقاضى عن كل برميل ألف ليرة سورية، وأحياناً ألفي ليرة، حسب ارتفاع وانخفاض الدولار الذي يعتبر مقياساً لكل شيء عندنا”.
يتألف الجهاز الذي يقوم بالعمل من عدة قطع معدنية والتي تُصنع محلياً، ويختلف سعرها من منطقة لأخرى، وهنا يقول “مهند” الذي اشترى حراقاً قبل أشهر: “يتألف الحراق من خزان وأنابيب معدنية وساقية لتمرير النفط، وساقية أخرى لتبريده بالماء، وكل قطعة لها سعرها، فالخزان يُحسب سعره بالكيلو غرام الذي يبلغ (275 ليرة سورية)، وأصغر خزان وزنه قرابة 2 طن و300 كيلو غرام، وهو مكلف جداً ويعتبر أكثر الأدوات غلاءً من بين جميع القطع في الحراق”.
ويتحدث “مهند” عن الأرباح بالقول: “يختلف ربح الحراق حسب خبرة العاملين فيه، وغالباً ما يقوم أصحاب الحراقات بتأجير حراقاتهم لأصحاب الفيول مقابل 1500 ليرة سورية لكل برميل، وهذه الطريقة جاءت من مبدأ الأجر الثابت، بغض النظر عن الإنتاج، خصوصاً وأن العمل في هذه المهنة يعتمد على الحظ، فمرة تربح في البرميل الواحد خمسة آلاف، ومرة ألفي ليرة، ومرات تخسر”.
مخاطر وأخطاء قاتلة:
لهذه الحراقات مخاطر عديدة، والتي أودت بحياة الكثير من العاملين فيها، خصوصاً وأنها تحتاج حذراً شديداً في التعامل مع آلاتها، ما يتطلب التنظيم بشكل جيد، تلافياً لوقع أخطاء تؤدي لحدوث انفجارات ضخمة.
يقول “أبو وائل” وهو صاحب حراق، في حديث لـ “المصدر”: “عندما نطبخ الفيول في الخزان تُصبح درجة الحرارة مرتفعة جداً، وبالتالي عندما يصبح جاهزاً يتطلب وقتاً طويلاً لكي نتمكن من فتح الخزان لتبريده بالماء، وهنا يقع الكثير من أصحاب المهنة في فخ الانفجار، فبعضهم لا يتركون البرميل يبرد، ويفتحون الفوهة، مما يدفعه للانفجار لمجرد سكب الماء عليه للتبريد”.
ولا يخفي “أبو وائل” ذكر حوادث مروعة، والتي كان آخرها مقتل اثنين في بلدة “حاس” بريف معرة النعمان، عندما حدث نفس الخطأ آنف الذكر، وانفجر الخزان، فقتل العاملين وأصيب ثلاثة عمال آخرين بحروق خطيرة.
يتابع: “يجب أن يُترك الخزان مدة خمسة ساعات كحد أدنى بعد انتهاء التكرير، لأن درجة حرارته تكون مرتفعة، ولا يجب فتحه أو الاقتراب منه، لأن ذلك يؤدي في كثير من الأحيان لحدوث كارثة حقيقية تقتل القريب من الخزان، ويجب هنا ألا يستغل القائم بالعمل الوقت لكسب المال مقابل إزهاق أرواح العمال، وبالتالي يجب أن يكون العامل أكثر دراية في معرفة طرائق العمل بدقة، لكي يضمن سلامته”.
حراقات قريبة من البيوت
ولا يخفي الأهالي انزعاجهم من تلك الحراقات التي هي بالأساس جاءت لخدمتهم، فيقول “أبو يوسف” الذي كان يسكن في منزل قريب من ورشة لتكرير النفط لـ “المصدر”: “جاؤوا بالحراقات ووضعوها جانب مزرعتي التي أربي بها الأغنام، وأخبرتهم أنها خطيرة ليس من قبيل الشعور بحدوث انفجار لها، إنما لأنها ستصبح عرضة للطائرات، وفعلاً بعد أقل من شهرين قصفت الطائرات منطقة الحراق، وخسرتُ المزرعة وعدداً كبيراً من قطعان الغنم التي كنتُ أربيها فيها”.
ويتخذ الكثير من أصحاب تلك المهنة من أراضي الأملاك العامة مكاناً لوضع حراقات تكرير النفط، كونها تؤدي إلى عدم صلاحية الأرض مستقبلاً للعمل بالزراعة، مما يدفعهم للتعدي على الأملاك العامة، وتركهم لأراضيهم تنعم بالخضار والوفرة الزراعية.