ما الخطوة القادمة لحزب العدالة والتنمية بعد استقالة داود أوغلو؟

8 مايو، 2016

المونيتور –

في تركيا، عادة ما يفقد الوزراء مناصبهم عندما يخسرون في الانتخابات، أو يخسرون أغلبية المقاعد في البرلمان بسبب تراجع حزبهم. لكن هذه المشاكل لا تنطبق على حالة رئيس الوزراء الحالي أحمد داود أوغلو. لقد حقق فوزًا كاسحًا في الانتخابات قبل ستة أشهر وحزبه أكثر قوة من أي وقت مضى. ومع ذلك، استقال داود أوغلو من منصبه، وأعلن أنه سيكون هناك اجتماع مفاجئ للحزب في غضون 17 يومًا لاختيار زعيم جديد للحزب، ولكنه لن يترشح. وقال: “هذا ليس قراري، بل إنّا الضرورة.”

كل مَن في تركيا يعرفون ما هي الضرورة: الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي رشح داود أوغلو لمنصب رئيس الوزراء في شهر أغسطس عام 2014، غيّر رأيه في الآونة الأخيرة. وفي غضون 20 شهرًا انقضت منذ ذلك الحين، برز خلاف عميق بين الرجلين، وانتشرت الشائعات في أنقرة خلال الأشهر القليلة الماضية أنَّ داود أوغلو سيرحل في وقت قريب. قبل أربعة أيام فقط من استقالة أوغلو، مدونة جديدة من قِبل مجهول متشدد من أنصار أردوغان كشف كل التفاصيل، كما ورد في صحيفة المونيتور في 3 مايو. وبناءً على ذلك، “خان” داود أوغلو أردوغان من خلال التعاون مع القوى الغربية و”وكلائهم” الذين يتآمرون ضد “الرئيس”.

في الواقع، السبيل الوحيد لخيانة داود أوغلو لأردوغان كانت محاولته أن يكون أكثر اعتدالًا وأقل سلطوية. على عكس أردوغان، على سبيل المثال، فكّر داود أوغلو بجديّة في تشكيل حكومة ائتلافية مع حزب المعارضة الرئيسي بعد انتخابات 7 يونيو/حزيران 2015، عندما خسر حزب العدالة والتنمية الأغلبية في البرلمان. وعلى عكس أردوغان، عارض داود أوغلو حبس الصحفيين والأكاديميين الذين تمّ تقديمهم للمحاكمة. وعلى عكس أردوغان، حاول بناء توافق مع المتظاهرين من أنصار البيئة بدلًا من تشويه صورهم واعتبارهم محرضين سياسيين. ولهذه الأسباب، مقارنة مع أردوغان، أصبح داود أوغلو شخصية أقل سلبية نسبيًا في نظر دوائر المعارضة. ومع ذلك، بالنسبة لأنصار أردوغان، كل هذا يُترجم إلى “الخيانة”.

وهذا شيء يدعو للسخرية: في أغسطس عام 2014، فضّل أردوغان داود أوغلو على عبد الله جول، الذي انتهت رئاسته والذي كان يخطط لترشيح نفسه لقيادة حزب العدالة والتنمية. كان جول معتدلًا وليبراليًا للغاية، ومن ثمّ فهو لا يصلح للقتال بشراسة ضد المؤامرات التي لا تنتهي ضد تركيا. جول باعتباره مؤسس حزب العدالة والتنمية، كان لديه شخصيته السياسية الخاصة وكاريزما مميزة وبالتالي لن يكون “مخلصًَا” لأردوغان.

الآن، وبعد مرور أقل من عامين، تحوّل داود أوغلو أيضًا إلى مشكلة لعدم ولائه بدرجة كافية لأردوغان. ولهذا السبب يتوقع كل مراقب سياسي في تركيا بأنه سيحلّ محله شخص يكون مخلصًا للرئيس. وفيما يلي نذكر أهم ثلاثة أسماء متوقعة في الوقت الحالي:

  • بيرات البيرق: وزير الطاقة. ما الذي يجعل البيرق (38 عامًا) أكثر من مجرد وزير هو حقيقة أنه صِهر أردوغان، ويُعرف أيضًا بأنه عنصر أساسي في دائرته الداخلية. وبالتالي، أولئك الذين على دراية بالأعمال الداخلية لحزب العدالة والتنمية يعتقدون أن البيرق سيكون المرشح الأمثل لرئاسة الوزراء. والمشكلة الوحيدة هي أنه صغير في السن وعديم الخبرة.
  • بينالي يلدريم: يشغل يلدريم، 61 عامًا، منصب وزير النقل منذ فترة طويلة، وربما يكون المرشح الأوفر حظًا. لا يمتلك الكاريزما، ولكن لديه سُمعة جيدة كمدير ناجح لمشاريع النقل الكبرى في تركيا، وهو أحد المقربين من الرئيس.
  • بكير بوزداج: شغل منصب وزير العدل منذ أواخر عام 2013، يُعرف بوزداج (51 عامًا) بأنّه الرجل المثالي لأردوغان، وحقق كل “الإصلاحات” التي دمّرت الكثير من استقلال القضاء في السنوات الثلاث الماضية. لا يمتلك الكاريزما، ولا الشهرة، ولكنه يحظى بثقة كاملة من أردوغان.

الهدف هو أن يكون رئيس الوزراء الجديد “شخصية بعيدة عن الأضواء”، كما صرّح مستشار أردوغان بعد رحيل داود أوغلو. يقول بعض الكتَّاب المؤيدين لأردوغان إنَّ هذا سيخلق “الانسجام” بين الرئيس ورئيس الوزراء. ولكن المصطلح الأدق لهذه العلاقة هي “الطاعة”: سيتحقق الانسجام المثالي فقط مع رئيس وزراء مطيع تمامًا لأردوغان.

أما بالنسبة لتقويم الأحداث، نستعرض ما سيحدث: في 22 مايو القادم في قاعة كبيرة في أنقرة، سيجتمع الآلاف من ممثلي حزب العدالة والتنمية لاختيار رئيس الحزب الجديد. قبل بضعة أيام، سيوضح أردوغان مَن يفضل لهذا المنصب. وسيترشح هذا الشخص باعتباره المرشح الوحيد، وسيحصل على جميع الأصوات، وعلى كرسي حزب العدالة والتنمية الجديد. وفي الوقت نفسه، سيواصل داود أوغلو حياته، في الوقت الحاضر، باعتبارها واحد من أكثر من 300 برلماني من حزب العدالة والتنمية.

وعلى الفور سيتم تعيين زعيم حزب العدالة والتنمية الجديد من قِبل أردوغان في منصب رئيس الوزراء الجديد. وسيقوم بعمل قائمة بأعضاء مجلس الوزراء، والحصول على موافقة أردوغان وبدء العمل. في هذه الحكومة الجديدة، من المرجح أن تتم إقالة “المقربين من داود أوغلو” في الحكومة السابقة. يمكن أن يكون من بينهم طفي إيلفان، نائب رئيس مجلس الوزراء، ويمكن أن يكون الآخر محمد شيمشك، نائب رئيس الوزراء الآخر المسؤول عن الاقتصاد وهو أحد الشخصيات القليلة المتبقية التي تحظي بثقة المستثمرين الدوليين.

هل كل هذا سيحلّ مشكلة أردوغان لعدم امتلاكه ما يكفي من السلطة؟ ليس تمامًا، لنظرًا لأنَّ أردوغان يريد أن يحوّل سلطته إلى واقع دستوري. وهذا هو السبب في أنه لا يزال يريد “النظام الرئاسي” مع رئاسة تمتلك كل الصلاحيات. ولهذا فهو بحاجة إلى تغيير الدستور كله، ولكن حزب العدالة والتنمية لم يكن لديه ما يكفي من المقاعد لفعل ذلك.

لذلك، فإنَّ أردوغان إما سيحاول الحصول على المزيد من المقاعد في البرلمان الحالي، أو سيدعو إلى إجراء انتخابات جديدة عندما يشعر أنّه الوقت المناسب. الخيار الأول يمكن أن يتطور من التعاون مع حزب العمل القومي، بقيادة دولت بهجلي الذي كان يغازل حزب العدالة والتنمية في الآونة الأخيرة، إلى قمع المتمردين السياسيين في حزبه. أو يمكن أن يتطور من اعتقال بضع عشرات من نواب حزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد“، بسبب ارتباطهم بالعمليات الإرهابية وإجراء انتخابات مصغرة للمقاعد الفارغة، والتي من المرجح أن يفوز بها حزب العدالة والتنمية.

الخيار الثاني هو ما يعتقد المسؤولون في أنقرة أنّه ممكن. ووفقًا لذلك، إجراء انتخابات مبكرة في الوقت المناسب – ربما هذا الخريف – يمكن أن تؤدي إلى عدم تجاوز حزب الشعوب الديمقراطي وحزب العمل القومي عتبة الحصول على 10٪ من الأصوات، وبالتالي إعطاء حزب العدالة والتنمية أكثر مما يكفي من المقاعد لتشكيل دستور جديد، و “نظام رئاسي، “بين عشية وضحاها.

ونتيجة لذلك، فإنَّ سعي أردوغان نحو السلطة المطلقة لا يزال مستمرًا. ربما كان داود أوغلو مجرد إزعاج بسيط على هذا الطريق. لكن أردوغان لم التسامح مع مثل هذا الإزعاج؛ إنّه يريد كل القوى السياسية جنبًا إلى جنب مع القدرة على السيطرة على القضاء والإعلام. وهو يقترب من تحقيق ذلك.

8 مايو، 2016