مخلفات الحرب… حربٌ أخرى يعيشها أهالي ريف إدلب
8 مايو، 2016
رزق العبي: المصدر
تجاوز عدد ضحايا القنابل العنقودية في ريف إدلب خلال الأسبوع الفائت خمسة أشخاص بينهم طفلين، حيث انفجرت قنبلة عنقودية يوم السبت الفائت في أرض زراعية في مدينة سراقب، ما تسبب بمقتل طفلة في الثامنة من عمرها، ومساء ذات اليوم قضى راعٍ للأغنام في بلدة ابو الظهور جراء انفجار لغم أرض، في محيط مطارها العسكري الخاضع لسيطرة الثوار.
وتعتبر مخلفات الحرب من أخطر أنواع التلوث البيئي، فهي تقتل كل سنة أعداداً كبيرة من المدنيين أو تصيبهم بجروح، وهذه المخلفات هي الأسلحة غير المنفجرة التي تترك بعد نزاع مسلح، مثل قذائف المدفعية والهاون والقنابل اليدوية والصواريخ، وقد اعتمد المجتمع الدولي عام 2003 معاهدة للمساعدة على الحد من المعاناة الإنسانية الناجمة عن مخلفات الحرب القابلة للانفجار، وتقديم مساعدة سريعة إلى المجتمعات المتضررة، ولعل سورية أصبحت مرتعاً لتلك المخلفات مع ازدياد إلحاق الثوار الهزائم بجيش النظام وميليشياته، الأمر الذي يترك مخاوف بدء ظهور تلك المخلفات، وخاصة في ريفي إدلب وحلب.
ضحايا أطفال
“أحمد” ابن العشر سنوات، لم يكن يعلم أن الجسم الغريب الذي عثر عليه بالقرب من منزله سيودي بحياته، حيث انفجرت القنبلة العنقودية التي ظنها لعبة، في بلدة خان السبل ما أدى لمقتله على الفور.
وإلى جبل الزاوية سُجل قبل أشهر مقتل طفل يرعى الأغنام مع والده نتيجة مروره فوق لغم أرضي في إحدى الأراضي،
“إنها لحظات صعبة لم أصدق ما حدث مع ابني” يقول والد أحمد الذي شاهد بأم العين كيف بترت إحدى الألغام ساق ابنه، في حديث لـ “كانا شركاء”، وهي واحدة من الألغام التي تركتها قوات النظام قبل خروجها من جبل الزاوية في ريف إدلب.
أحمد الذي غدا دون ساق ليس حالة نادرة، إنما قصة ألم تتكرر بين الحين والآخر في مختلف أرجاء سورية، خاصة بعد تحرير الثوار لمنطقة كان جيش النظام وميليشيات حزب الله قد سيطروا عليها، أحمد نصر لاجئ سوري في الأردن، بُترت قدمه إثر انفجار لغم أرضي، كان مزروعا في بستان زيتون، أثناء هروب المدنيين من مدينة نوى في درعا بعد اشتداد المعارك فيها، وقال أحمد إن مدينته، كما المدن الأخرى في جنوب سوريا، مزروعة بعدد كبير من الألغام في البساتين والأراضي المحيطة، زرعت لتشكل حماية للأطراف المتصارعة في البلاد.
وأضاف أحمد الذي أدى انفجار قنبلة عنقودية في أرضه الزراعية إلى فقدان يده، ومن ثم بترها: “مخلفات القنابل العنقودية منتشرة كثيراً في مدينتي، تنفجر بشكل مستمر وتقتل وتصيب عشوائياً من يضعه حظه العاثر في طريقها من سكان المنطقة باستمرار، مما يؤدي لإعاقات دائمة لديهم”.
معاناة لعقود قادمة
يقول الخبير العسكري “إياد حمود” إن السوريين سيعانون من مخلفات الحرب الدائرة لعقود قادمة، مضيفاً في حديث لـ “المصدر” بأن المعاناة لن تطال المواطنين فحسب، إنما ستطال البيئة أيضاً، فالذخائر لدى انفجارها تخلف بقايا كيميائية تسبب تلوثاً للأرض والماء والهواء.
وأشار إلى أن الكلفة اللازمة لإزالة مخلفات الحرب هذه لا يمكن احتسابها، بسبب انتشارها في كل مكان وإلقائها من قبل جميع الأطراف، منوها إلى أن الأمر لن يقتصر على إزالة الألغام المزروعة في الأرض فقط، بل على كم كبير من الأسلحة ومخلفاتها.
وفي عام 2012 قامت (هيومن رايتس ووتش) بمحاولة توثيق لأعداد المصابين بسبب الألغام والقذائف غير المنفجرة في سورية، وكانت المهمة صعبة جداً على حد وصف المنظمة.
30 في المئة من اللاجئين السوريين لديهم حالات بتر
وحول الإحصائيات الدقيقة لعدد المصابين، قالت منظمة أطباء بلا حدود في وقت سابق إن المنظمة لا تملك ولا تقوم بأي إحصاءات لأعداد المصابين بسبب مخلفات الحروب، كون البروتوكول الخاص بالمنظمة يجبرها على معالجة الجميع دون السؤال عن سبب الإصابة.
ووفقاً لدراسة نشرت من قبل المنظمة الدولية للمعوقين ومنظمة مساعدة المسنين الدولية، فإن الضحايا المخفيون للأزمة السورية، من المعوقين والجرحى وكبار السن، وصلت نسبتهم إلى 30 في المئة من اللاجئين السوريين في الأردن ولبنان، ممن لديهم احتياجات خاصة بسبب إعاقة جسدية أو حسية أو فكرية أو مرض مزمن أو إصابة.
وهكذا فإن واحداً من بين كل 20 شخص يعاني من جرح أو جروح تؤثر مباشرة في حركة التنقل، وفي الأردن، تم تحديد 90 في المئة من هذه الإصابات، والتي لها علاقة مباشرة بالصراع، وهذا يعني أن لاجئاً سورياً واحداً من بين 15 ممن فروا إلى الأردن أصيب نتيجة الحرب، وأسباب هذه الإصابات متنوعة، فهناك 25 في المئة إصابة بسبب القصف، و25 في المئة جراء الحوادث، و18 في المئة بسبب رصاصة، و15 في المئة تضرروا من الشظايا، و 2 في المئة من التعذيب، و15 في المئة من أمور أخرى، وتظهر الدراسة أيضاً أن نسبة عدد اللاجئين السوريين الذين لديهم إصابات هي الأعلى في الأردن، حيث وصلت لـ 8 في المئة، مقارنة بلبنان التي وصل عدد اللاجئين المصابين فيها إلى 4.5 في المئة.
ولا يوجد حالياً أي أرقام رسمية دقيقة بالنسبة لإجمالي عدد المصابين من جراء الألغام أو المتفجرات من مخلفات الحرب أو الذخائر غير المنفجرة نتيجة للصراع السوري، ويرجع هذا جزئياً إلى سياق الحرب مما يجعل الحصول على المعلومات أمراً صعباً.
مناطق الخطر
تعتبر منطقة أبو الظهور من أخطر مناطق ريف إدلب لما تحتويه من ألغام وقنابل عنقودية نتيجة موقعها العسكري بحكم وجود مطار فيها، حيث ترك النظام فيها مئات الألغام التي لم تعمل أية جهة على تفكيكها، وتسجل تلك المنطقة شهرياً مقتل شخص على الأقل نتيجة لغم أرضي أو قنبلة عنقودية، كما تعتبر الأراضي الزراعية على امتداد المحافظة مناطق خطيرة لكونها مليئة بالألغام والقنابل العنقودية.