روسيا في سوريا.. باقية وتتمدد
12 مايو، 2016
فوجئ الصحافيون الغربيون في موسكو الأسبوع الماضي بدعوة عاجلة من وزارة الخارجية للاستعداد للتوجه إلى سوريا. هدف الرحلة ظلّ سراً، ولم يُبلغ الصحافيون بأي تفاصيل باستثناء أن ثمة لباساً “رسمياً” للزيارة، هو سترة واقية من الرصاص، كما حُذر الصحافيون الأميركيون تحديداً من أنهم إذا جاءت كتاباتهم سلبية “تكون رحلتهم الأولى والأخيرة”.
منذ انطلاقتها، شهدت المغامرة الروسية في سوريا كثيراً من الحيل والعروض، بدءاً من شعارها المعلن محاربة الإرهاب، وصولاً إلى إعلان انجاز المهمة، إلا أن دعوة الصحافيين للاستماع إلى أوركسترا مسرح ماريينسكي تؤدي مقطوعات لباخ وبروكوفييف في مسرح أثري بتدمر حرر للتو من “داعش”، تشكل ولا شك إحدى أكثر الألاعيب الروسية غرابة.
بدأت رحلة كسب العقول والقلوب والآذان أيضاً، استناداً إلى مراسل صحيفة “النيويورك تايمز”، من اللاذقية، حيث حطت الطائرة التي نقلت نحو مئة صحافي أجنبي من موسكو. هناك، رفع الستار عن فصل جديد من المسرحية الروسية استمر 56 ساعة، بما فيها أكثر من 12 ساعة مسافة الطريق ذهاباً وإياباً من اللاذقية إلى تدمر.
لا أحد يشكك في أهمية الموسيقى الكلاسيكية في الثقافة الروسية، إلا أن العملية اللوجيستية والأمنية الضخمة التي تطلبها نقل هذا العدد من الصحافيين من اللاذقية إلى وسط سوريا الذي كان حتى وقت قريب منطقة حرب، أظهر تجربة متطورة في “البروباغندا” التي تخلط الإرث الثقافي الغني لموسكو بطموحاتها العسكرية غير المحدودة.
وتطلب نقل الصحافيين خمسة حافلات كبيرة واكبتها ثمانية آليات مدرعة مجهزة برشاشات آلية وآليتان قتاليتان مع مرافقة دائمة من طائرتي هليكوبتر هجوميتين طوال الرحلة.
وعلى الطريق، مر الصحافيون بقواعد عدة تضم طائرات هليكوبتر روسية قرب حمص وتدمر وغيرهما. إلا أن أكثر ما فاجأهم، كما قال مراسل شبكة “سي أن أن” الأميركية، هو رؤية هذا العدد من الجنود الروس في مواقع عدة من سوريا.
وأثار انتباه الصحافيين الموقع الجديد الذي بناه الجيش قرب تدمر الأثرية. ومع أن الموقع نظرياً هو قاعدة للفريق الذي أزال آلاف الألغام من تدمر وضواحيها في الأسابيع الأخيرة، لاحظ الصحافيون أن العتاد المنتشر فيها يتجاوز كاسحات الألغام إلى عشرات الآليات القتالية وناقلات الجند المدرعة، وصولاً إلى نظام للدفاع الجوي من طراز “بانتسير- س 1” القادر على إطلاق صواريخ وقذائف على طائرات.
اختلفت مشاهدات الصحافيين عن الرحلة السورية. فثمة من ركز على محاولات الروس إظهار دورهم في “مصالحات” يديرونها في سوريا، وإن يكن البعض لم يفهم من كان أطراف تلك المصالحات. وأكثر ما أشغل آخرين الأسلحة الروسية المتطورة.
لكن الخلاصة التي أجمعوا عليها هي أن التعزيزات الروسية في سوريا أكبر بكثير مما يعتقد، وأن لا شيء في القواعد الروسية يوحي بأن بوتين ينوي ترك البلاد في أي وقت قريب.