شكيب خليل المحسوب على واشنطن يحث الخطى للتربع على عرش المرادية

16 مايو، 2016

أعاد وزير الداخلية الأسبق، ورئيس المجلس الدستوري الفرنسي جون لويس ديبري، ملف صحة الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة، إلى الواجهة، من خلال الكتاب الذي صدر له حديثا في باريس، بعنوان “ما لم أستطع قوله”، تناول فيه تفاصيل اللقاء الذي جمعه به العام 2015.

وتزامن صدور الكتاب مع الأزمة الديبلوماسية غير المعلنة بين فرنسا والجزائر، وإبقائه على هامش للأسرار التي لم يتطرق لها، سيفتح المجال مجددا حول تحول ملف صحة بوتفليقة إلى ورقة مزايدة في يد باريس، وخفايا صفقة العهدة الرئاسية الرابعة المبرمة بين رموز السلطة الجزائرية في مشفى فال دوغراس برعاية فرنسية.

وتوقع وزير الداخلية الأسبق ورئيس المجلس الدستوري الفرنسي (2012- 2016)، جون لويس ديبري، أن يثير كتابه الصادر مؤخرا بباريس، بعنوان “ما لم أستطع قوله”، نقاط استفهام كبرى حول حقيقة الوضع الصحي للرئيس بوتفليقة، ومدى قدرته على إدارة شؤون البلاد، وذلك من خلال الشهادة التي سردها حول مضمون اللقاء الذي جمعه به في التاسع من ديسمبر 2015.

وبغض النظر عن الجانب الأخلاقي في سرد جون لويس ديبري، لتفاصيل وخفايا لقاء رسمي، يتعلق بالمؤسسة الرسمية الأولى في الدولة الجزائرية، فإن المسألة ستعمق الأزمة الديبلوماسية غير المعلنة بين البلدين، فهي إلى جانب أنها ستنضاف إلى الخرجات المتتالية لدوائر رسمية وإعلامية في باريس تجاه ملف صحة بوتفليقة، ستتقاطع مع مطالب قطاع عريض من المعارضة السياسية.

إن تسلسل حلقات الاهتمام الفرنسي بصحة الرئيس بوتفليقة، ابتداء من نشر رئيس الوزراء مانويل فالس صورة معه خلال زيارته مؤخرا إلى الجزائر، إلى تصريحات السفير بيرنار إيمي، ومرورا بتسجيلات فضائيات محلية، ثم كتاب وزير الداخلية الأسبق، يوحي بأن الملف صار ورقة مزايدة بيد الفرنسيين، لا سيما مع إمكانية احتفاظهم بخفايا وأسرار قد توظف للضغط على الجانب الجزائري، وأن صفقة فال دوغراس غير المعلنة حول العهدة الرابعة، تكون قد فقدت صلاحيتها، خاصة في ظل الإشارات الداخلية والخارجية إلى حالة شغور غير معلنة في مؤسسة الرئاسة.

ويقول جون لويس ديبري في كتابه “إن بوتفليقة يعيش في قصره بضاحية خارج العاصمة، حيث يحظى القصر بحراسة أمنية مشددة، ويحتوي إمكانيات تطبيب ضخمة، وهو مستقر في كرسيه، ويعاني صعوبة في التنفس، ومن صوت خافت، اضطر القائمون على شؤونه لتركيب جهاز ميكروفون صغير لإسماع صوته بشكل أفضل، ورغم ذلك يعاني من صعوبة في الكلام، ويجب على الضيف أن يكون حذرا من أجل فهم ما يقول”.

بوتفليقة يعتبر التدخل الأميركي في العراق في العام 2003، هو الذي زعزع استقرار المنطقة، وأثار كل الأزمات التي أعقبت ذلك، ويأسف لتدهور علاقات بلده بالجار المغربي

وأضاف ” قال لي بأنه يكنّ احتراما كبيرا لجدّي ووالدي أيضا، رغم ما نقل حول الأمر من خلافات كثيرة، وإنه يحترم رجل القناعات والولاء، وهو نفس الكلام الذي ردده لي خلال لقائنا العام 2007″.

وتابع جون لويس ديبري في كتابه “سألني عن جاك شيراك، وأكد لي أن علاقته معه كانت شاملة، ودية وإيجابية، وهو ما مكننا جنبا إلى جنب، من فتح صفحة جديدة من العلاقات بين الجزائر وفرنسا، وأما بشأن فرانسوا هولاند، فقد أكد أنه لم يكن يعرفه قبل انتخابه رئيسا لفرنسا، ولكن كانت مفاجأة سارة جدا، بالنظر لما أبداه من رغبة في الانفتاح والصداقة، واستعداده لتعزيز العلاقات الفرنسية الجزائرية”.

وأشار المتحدث إلى أن بوتفليقة أبلغه بأن “الجنرال ديغول كان كبيرا في عينيه لأنه قدم فائدة كبيرة للجزائر، وأن الرئيسين جاك شيراك وفرانسوا هولاند، يعتبرهما الأكثر إسهاما في تطوير العلاقات بين البلدين”.

ومع استمرار التعتيم في الجزائر، على ملف صحة بوتفليقة، وتحول الدوائر الفرنسية إلى مصادر للجزائريين لمعرفة وضع رئيسهم، تتواصل المواقف والردود العشوائية من معسكر الموالاة السياسية، في انتظار حسم الخيار النهائي للسلطة على الشخصية التي تخلف الرجل في قصر المرادية، لا سيما وأن التطمينات المروّج لها هنا وهناك، لم تعد مقنعة أمام هذا السيل من الحقائق.

وبغض النظر عن مصداقيتها، وإمكانيات توظيف الفرنسيين لملف صحة الرئيس بوتفليقة للابتزاز والضغط، فإن غموض وضع محيط الرئيس، وعدم وضوح المشهد أمام الرأي العام، سيعزز حالة الانسداد السياسي في الجزائر، ويدفع بالانزعاج الفرنسي من الوضع المبهم لدى أكبر شريك له في الضفة الجنوبية للمتوسط إلى التفاقم، خاصة مع الحديث الدائر حول استعداد ذراع أميركية لتقلد المأمورية في قصر المرادية، ويتعلق الأمر بوزير النفط السابق شكيب خليل، الذي يخوض حملة تأهيل واسعة تحسبا لخلافة بوتفليقة.

وحسب لويس ديبري، فإن “بوتفليقة يعتبر التدخل العسكري الفرنسي في مالي عملا مفيدا، وأنه أكد للفرنسيين دعم الجزائر لهم في عملية التدخل ما دام يتعلق بالحرب على الإرهاب، وأنه كان يدرك أن الحل في مالي لن يكون إلا بتدخل فرنسي، ورغم أنه كان يعلم بحملة الانتقادات التي طالت السلطات الجزائرية، جراء فتح مجالها الجوي للطيران الفرنسي، إلا أنه كان يعلم بأن مردود العملية لا يمس دولة مالي فقط، بل كل دول الجوار”.

وأضاف “على العكس من مالي، بوتفليقة يرى أنه لا حل عسكريا في سوريا لإنهاء الأزمة، وقد نصح الفرنسيين من مغبة التورط في أيّ تدخل عسكري في سوريا، وأن فرنسا لا يمكن أن تتحمل ارتدادات وتبعات أيّ تدخل برّي، ويصرّ على أنه لا يوجد بديل للحل السياسي في سوريا، وأيّ حل يجب أن يشمل بشار الأسد، وبالطبع إيران”.

ويرى صاحب كتاب “ما لم أستطع قوله” أن بوتفليقة يعتبر أن التدخل الأميركي في العراق في العام 2003، هو الذي زعزع استقرار المنطقة، وأثار كلّ الأزمات التي أعقبت ذلك، ثم يأسف لتدهور علاقات بلده بالجار المغربي، وفي خضم ذلك ينقطع الحوار بسبب صعوبات الكلام والتنفس والإرهاق.

ويتابع ديبري قائلا “في ذلك المساء كان السؤال يراودني بحدة، هل بإمكان بوتفليقة الاستمرار في إدارة شؤون الجزائر؟ وهو السؤال الذي تردد عليّ كثيرا ذلك المساء، فهو من جهة على دراية واطّلاع واسع على الشؤون الدولية والإقليمية، لكن هذا الرجل الذي ستغادره بعد أقل من ساعة من الإرهاق وثقل اللسان، هو واجهة لرجال ومجموعات في الخفاء حريصة على الاحتفاظ بالسلطة بواسطته لأطول فترة ممكنة”.