هل هذه نهاية منظمة أوبك؟

17 مايو، 2016

جلوبال ريسك إنسايتس –

قرار المملكة العربية السعودية لتقليل اعتمادها على النفط هو اعتراف نهائي بأنَّ دور المملكة كمنتج عالمي للنفط قد شارف على نهايته. وهذا القرار سيكون له عواقب طويلة الأمد على منظمة “أوبك” وأسواق النفط.

لم يكن الأمر سهلًا على منظمة “أوبك” في العامين الماضيين. لقد كان لانخفاض أسعار النفط الذي ضرب الأسواق في يونيو عام 2014 أثر مدمّر على ميزانيات أعضاء المنظمة، وخلق صعوبات وتحديات لصناعة النفط بشكل عام. الأزمة الحالية ليست مجرد انعكاس لتقلبات العرض والطلب، ولكن للتحوّل الهيكلي الذي جاء مع ثورة الصخر الزيتي الأمريكي. ارتفاع إنتاج النفط الأمريكي غير التقليدي باغت العالم على حين غرة، وسرعان ما تحوّل إلى أسواق النفط التي تهيمن عليها أوبك.

وفرة النفط

يمكن مقارنة هذه العملية بالاكتشافات التي حدثت في بحر الشمال والتي تسببت في وفرة نفط مماثلة في فترة الثمانينات. ومع ذلك، فإنَّ الوضع السابق والحالي ورد فعل “أوبك” مختلف هذه المرة. وخلافًا لما حدث قبل 30 عامًا، مع الأخذ في الاعتبار تجربة عام 1980، قررت “أوبك” والمملكة العربية السعودية عدم الحدّ من الإنتاج، وبدلا من ذلك سعت إلى التركيز على الحفاظ على حصتها في السوق.

كان المنطق وراء هذه الخطوة أن المنتجين أصحاب التكلفة العالية، وفي مقدمتهم قطاع الصخر الزيتي الأمريكي، لن يكونوا قادرين على الصمود في فترة انخفاض أسعار النفط لفترة طويلة. وأثبت المنطق صحته، ولكنَّ الرياض تقلّل بشكل كبير من قدرة صناعة النفط الأمريكية.

بعد مرور عامين على الأزمة، يمرّ قطاع النفط الصخري الأمريكي بفترة صعبة من إعادة الهيكلة، مع إعلان 59 شركة نفطية إفلاسها. ومع ذلك، انخفض إنتاج على نحو طفيف حتى الآن، نتيجة لتحسن الإنتاجية وخفض التكاليف. وسيستمر الانخفاض، وربما بوتيرة أسرع، الأمر الذي سيساهم في إعادة التوازن بين العرض والطلب العالمي في النهاية، وارتفاع أسعار النفط، ربما في بداية عام 2017.

ولكن على الرغم من الأزمة الاقتصادية الحالية، فإنَّ القطاع الصخري الأمريكي لديه إمكانيات قوية. تطوير صناعة الصخري الزيتي، حتى بأسعار مشابهة للمشاريع الخارجية، يستغرق أقل من عام، والصخر الزيتي في أمريكا الشمالية لديه أقصر وقت للعودة في كل تطورات النفط العالمية. وفي مثل هذه الظروف، فإنَّ صناعة النفط الأمريكية لديها القدرة على إعادة الإنتاج بمجرد ارتفاع الطلب والأسعار.

مستقبل منظمة أوبك

ستكون الضحية الرئيسية لتراجع النفط الحالي هي المشاريع الخارجية في المياه العميقة، والتي تستغرق سبع سنوات في المتوسط للتطوير. وفقًا لمؤسسة “أي إتش إس” للمراقبة والتحليل الاقتصادي، تراجعت اكتشافات الاحتياطيات النفطية الجديدة إلى أدنى مستوياتها منذ أكثر من 60 عامًا، وإذا لم يتحسن معدل الاكتشافات الجديدة، قد يواجه العالم عجزًا قدره نحو 4.5 مليون برميل يوميًا بحلول عام 2035.

ماذا يعني هذا بالنسبة لمستقبل منظمة “أوبك” وأسواق النفط؟ على الرغم من أعضاء المنظمة سيظلون، بشكل فردي، من اللاعبين المهمين في أسواق النفط العالمية، إلّا أنَّ المنظمة فقدت قدرتها المتميزة بالسيطرة على أسعار النفط العالمية. وهذا بلا شك يُضعف تماسكها، ومن المحتمل أن يؤثر على الديناميكيات السياسية في الشرق الأوسط.

وفق مصطلحات الجغرافيا السياسية، ومع صعود الزيت الصخري الأمريكي، تحوّل العالم من النفط أحادي القطب الذي يسيطر عليه منظمة أوبك إلى التعددية القطبية، حيث المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة وروسيا، جنبًا إلى جنب مع صغار المنتجين الآخرين، يتنافسون على حصة في السوق العالمي.

على المدى القصير والمتوسط، فإنَّ مثل هذا السيناريو سيدعم أسعار النفط في نهاية المطاف حيث سيستمر إنتاج النفط في الانخفاض. ولكن مع زيادة المنافسة، من الصعب التوقع أن تصل الأسعار إلى مستويات ما قبل عام 2014 في أي وقت قريب. وعلى المدى الطويل، فإنَّ عدم وجود جهد منظم للسيطرة على الأسعار قد يجلب المزيد من التقلبات في أسواق النفط. وبالإضافة إلى ذلك، فإنَّ التحرك العالمي نحو اقتصاد إزالة الكربنة يضع المزيد من الضغوط على الدول المنتجة للنفط.

هناك شيء إيجابي قد ينبثق من هذه الاتجاهات؛ وهو إدراك الاقتصاديات المعتمدة على النفط أنَّ التنويع الاقتصادي هو الحل لتحقيق الاستدامة الاقتصادية المستقبلية في بيئة أسعار النفط المنخفضة. المملكة العربية السعودية في وضع جيد لتحقيق هذا بنجاح. ولكن الغالبية العظمى من أعضاء المنظمة سوف يضطرون إلى خوض فترة مؤلمة من المرحلة الانتقالية.