الأديان قد تنقرض كلما ازداد سكان العالم ثراءً

18 مايو، 2016

دراسة مثيرة للجدل قام بها علماء التطور تقول ببساطة «كلما أصبح سكان العالم أكثر ثراءً فإن هذا يمكن أن يعني نهاية الدين على كوكب الأرض».

فقد أشار مجموعة من الأكاديميين إلى أن الديانات الرئيسية في العالم والتي تتضمن المسيحية والإسلام واليهودية والهندوسية والبوذية، قد نشأت وظهرت ردَّ فعلٍ واستجابةً تطورية للاختلافات الموجودة في نمط الحياة بين النخب الأكثر ثراءً وبين عامة الناس الأكثر فقرًا.

وبغض النظر عن دقة هذا الاستنتاج الذي يمكن أن يبدو غريبًا على الكثير من الناس، فإن الجملة السابقة تحمل الكثير من الصحة بشكل عام وليس طبقًا لما أشارت إليه الدراسة تحديدًا. فبغض النظر عما إذا كانت نشأة دين ما هي نشأة بشرية بحتة مثل البوذية والهندوسية، أو هي ديانة مرسلة من السماء (مثل اليهودية والمسيحية والإسلام) فإن الانفصال الناتج بين الأغنياء (الذين غالبًا ما يكونون فاسدين وجشعين واستغلاليين) والفقراء الذين يعانون من ويلات الفقر وضيق المعيشة واستغلال الأغنياء والنخب لهم.

فإذا ما تحدثنا عن غالبية الرسل في الأديان المختلفة على مر العصور، فإن غالبيتهم جاؤوا للمطالبة بالعدل والمساواة بين البشر وعدم طغيان بعضهم على بعض. حتى الأديان البشرية المستحدثة كالبوذية جاءت لتساوي بين البشر وتطالب بالعدالة بينهم دون استثناءات.

لكن يبدو أن هذا ليس هو ما يقصده الباحثون خلف هذه الدراسة، فقد كان لهم تفسير آخر لفكرة ظهور الأديان وارتباطها بفكرة الفقراء والأغنياء.

الفرق بين الأغنياء والفقراء

وقد ذكر عالم النفس التطوري المشارك في الدراسة، نيكولا بومارد، أن الترف والثروة تتسبب في نمط حياة أبطأ بالنسبة للبشر، وهو ما يشير إلى أن النخب الغنية منذ 2500 عام كانوا أقل نشاطًا من الناحية الجنسية، وحياتهم أكثر استرخاءً وأقل عدوانية.

وذكر بومارد في الدراسة أن الثراء المطلق له تأثيراته التي يمكن التنبؤ بها بالنسبة للحافز الإنساني وأنظمة المكافأة والحوافز. وأن من بين أبرز هذه التأثيرات هو أن تصبح حياة الأثرياء أقل سرعة ويعتمدون إستراتيجيات حياتية أقل سرعة، والتي تتمثل في تقنيات التحكم في النفس والتفاعلات المعتمدة على التعاون. بينما الآخرون يعتمدون إستراتيجيات أشد قسوة، والتي تتمثل في محاولات الحصول على الموارد اللازمة للحياة والتفاعلات القسرية المفروضة في سبيل الوصول لهذه الموارد.

وتقول الدراسة إن العيش في حياة بطيئة يتسبب في وضع هذه النخبة الغنية في وضع تطوري غير جيد، فنجد أنهم ينجبون عددًا أقل من الأطفال، كما أنهم يتناولون الطعام بصورة أقل نتيجة لأنهم أقل عدوانية وتنافسية فيما يخص البحث عن الطعام، فهو متوفر في أي وقت وكل وقت، كما أن عملية الإنجاب عندهم غالبًا ما تكون متأخرة.

ومن أجل تعويض هذه العيوب والنواقص، يعتقد بومارد أن الأغنياء قدموا الأديان الوعظية للفقراء وسيلةً لإدخال هؤلاء الفقراء إلى إستراتيجيات نمط الحياة البطيء هذا، وبالتالي التعويض عن العيوب الخاصة بعملية التطور التي تواجهها طبقة النخبة والتي تتمثل في قلة الحافز تجاه الاستحواذ والجشع والإنجاب.

الشعائر الدينية

وقالت الدراسة إن ممارسة الشعائر الدينية نفسها كانت موجودة في مرحلة ما قبل الانقسام الواضح في تقسيم الثروة وظهور طبقات فاحشة الثراء وأخرى معدمة، لكن هذه الشعائر كانت تفتقر إلى التركيز على الأخلاق ومفهوم الوفاء التي أصبحت واضحة جدًا في الديانات الرئيسية في عالمنا الآن.

وطبقًا لما ذكره بومان، فإن الدين يستند إلى فكرة الوفاء أو الوصول إلى الكمال الروحي، وليس الوفاء المادي أو الجسدي. وكتب الباحثون في هذه النقطة قائلين إنه بالنسبة لمعظم الناس سواء كانوا مؤمنين أو غير مؤمنين، يبدو واضحًا أن الدين ينحاز إلى الجانب الروحي بدلًا من العالم المادي، كما أنه يعزز الانضباط الذاتي ونكران الذات بدلًا من الجشع والترخيص للأفعال السيئة.

وتقول الدراسة أيضًا إن فكرة أن الخلاص الحقيقي لا يمكن ألا توجد إلا في السلوك الأخلاقي وليس في الحصول على الكثير من الحاجات المادية كالطعام والشراب والملبس وحتى الجنس، قد تكون بمثابة إلهاء للناس العادية بعيدًا عن النخبة الغنية، والغرض من زرع هذه الفكرة في رؤوسهم هو قيادتهم نحو إستراتيجيات النمط الحياتي البطيء.

السؤال هنا: ما هي النتيجة التي ستؤول إليها الأمور إذا ما زادت أعداد الطبقة الغنية أكثر وأكثر؟

هذه الدراسة تخبرنا أن الدين يرتبط به الناس العاديون وليس طبقات النخبة الغنية، فالأغنياء هم من أوجدوه من أجل عامة الناس. وبالتالي فإن هناك تناسبًا عكسيًا بين انتشار الدين وبين زيادة أعداد الطبقة الغنية، فكلما زاد الأغنياء نقص الدين. هنا يقول بومان إنه كلما انتشر الثراء بشكل كبير فهذا يعني أن الأديان ستكون في طريقها للفناء.

وأشار بومان إلى أن أسلوب الحياة البطيئة هذا أصبح أكثر شيوعًا بين عامة الناس في مجتمعاتنا الحالية، فهؤلاء جرى تحفيزهم باتجاه التعاون مع بعضهم البعض، كما جرى دفعهم للتركيز على فكرة الوفاء الروحي في مجالات الحياة التي لا تتميز فقط بكونها مادية، وهذا الأمر – في نظره – يعني أن الحاجة للأديان الوعظية أصبحت أقل من أجل السيطرة على سلوك الأعداد الكبيرة الفقيرة من السكان.

بمعنى آخر فإنه طالما تحقق الهدف من جعل الناس جميعها تعيش نمط الحياة البطيء هذا، فما هي الحاجة إلى هذه الأديان الوعظية الآن؟ ويقول بومان إنه كلما أصبح الناس أكثر ثراءً وكلما أصبح الناس أكثر اعتمادًا لإستراتيجيات الحياة البطيئة، فإن الحاجة لإدانة إستراتيجيات الحياة السريعة أخلاقيًا أصبحت غير مطلوبة ولم نعد بحاجة لها، وبالتالي فلم نعد بحاجة لتوفير المبررات الدينية التي تبرر هذه الإدانة.

وإذا كان هذا الأمر صحيحًا، وإذا ما استمرت البيئة من حولنا في التحسن تجاه الظروف المعيشية والمستوى الاقتصادي، فإنه من الممكن بسهولة أن تختفي الديانات مثلما اختفت الديانات القديمة الإغريقية والرومانية، على حد وصف بومان.

 

الإلحاد يزداد

وفي تقرير سابق نشره موقع بي بي سي البريطاني في شهر ديسمبر (كانون الأول) 2014، تساءل عن إمكانية أن تختفي الأديان في يوم من الأيام في ظل تصاعد موجة الإلحاد حول العالم. التقرير أشار إلى أن هناك عددًا متزايدًا من الناس، ملايين حول العالم، يقولون بأنهم يعتقدون أن الحياة تنتهي نهائيًا مع الموت، هم يقولون صراحةً أنه لا يوجد إله ولا آخرة ولا خطة إلهية أو برنامج إلهي مقدس.

أشار التقرير إلى أن وجهة النظر هذه أصبحت تكتسب زخمًا على الرغم من افتقارها لمن يهتف باسمها عاليًا، خصوصًا وأنه في بعض الدول فإن الذين يعترفون بإلحادهم لا يحظون بشعبية كبيرة نتيجة معتقداتهم هذه.

وكان أستاذ علم الاجتماع والدراسات العلمانية في كلية بيتزر بولاية كاليفورنيا الأمريكية، فيل زوكرمان، قد ذكر أن عدد الملحدين في العالم الآن هو الأكبر من أي وقت مضى سواء من حيث الأرقام المطلقة أو من حيث نسبة الملحدين المئوية مقارنةً ببقية البشر. ووفقًا لمسح أجرته مؤسسة غالوب الدولية لأكثر من 50 ألف شخص في 57 بلدًا، فقد ظهر أن عدد الأفراد الذين ينتمون لمعتقد ديني معين انخفض من 77% إلى 68% في الفترة بين عامي 2005 و2011.

وأشار البحث أيضًا إلى أن أولئك الذين توجهوا نحو الإلحاد قد زادت نسبتهم بمقدار 3% لتصبح نسبتهم الإجمالية 13% خلال نفس الفترة الزمنية.

 

18 مايو، 2016