النكبة في خطاب الرئيس المصري
18 مايو، 2016
من كام يوم كان فيه ناس بتحتفل بالانتصار والاستقلال، وناس بتحتفل بالانكسار والانهزام.
بهذه الكلمات افتتح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي حديثه غير المتوقع اليوم 17 مايو/أيار 2016 عن القضية الفلسطينية، وذلك ضمن خطابه الذي ألقاه أثناء حضوره افتتاح عدد من المشروعات الجديدة في محافظة أسيوط.
وقد جاء هذا الخطاب، مُضافاً إلى خطاباته السابقة حول القضية الفلسطينية، ليضع إطارًا واضحًا لرؤية السيسي نحو القضية، وليفتح الباب أمام لغةً جديدةً لم يستخدمها قبله أي زعيم عربي للحديث عن فلسطين.
الارتجال
أنا ماكونتش مجهز حاجة، لكن أنا هتكلم بتجربتنا، تجربة إنسان عايش لغاية دلوقتي، تقريبًا نص المصريين ونص العالم اللي موجود دلوقتي ما يعرفش الأحاسيس اللي كانت موجودة في الفترات دي في 73 و77، وماحدش يعرف حجم الغضب والكراهية قبل ما مصر تعمل قفزة هائلة، كتير مننا ممكن يقروا عنها.
رغم أن الارتجال هو السمة الرئيسية لمعظم خطابات الرئيس السيسي، إلا أن هذا الارتجال يكتسب بعدًا خطيرًا عند الحديث عن القضية الفلسطينية.
فالارتجال عند الحديث عن قضية حساسة كالقضية الفلسطينية قد يُحمّل الخطابات بأخطاء كثيرة، مما قد يكشف بدوره عن الكثير من بواطن الأمور. فالقضية الفلسطينية هي إحدى أبرز القضايا التي تتعامل معها القيادة المصرية بنهج يختلف تماماً عما تحمله خطاباتها الرسمية، وذلك منذ عهد الرئيس الأسبق مبارك.
وقد تسبب هذا الارتجال في انحراف خطابات السيسي عن أقرانه حول القضية الفلسطينية، ناهيك عن وقوعه في تناقضات فجة.
ففي خطابه في ذكرى «23 يوليو» عام 2014 كان قد تحدث عن القضية الفلسطينية باقتضاب شديد، وهو الاقتضاب الذي يعبر عن الوزن النسبي الضئيل للقضية الفلسطينية ضمن ملفات السياسة الخارجية المصرية، بينما يردد السيسي من حين إلى أخر بأن «مصر لا تألوا جهداً في السعي نحو تحقيق السلام العادل والشامل للقضية الفلسطينية التي كانت ومازالت قضية شعب مصـر»، كما جاء في خطابه أثناء افتتاح مجلس النواب في فبراير 2016.
كما أن الارتجال جعل خطابات الرئيس في مستوى حديث رجل الشارع العادي، الذي يُردد جمل مأثورة، حاول نظام مبارك نشرها، لتخفيف حدة التضامن الشعبي مع القضية الفلسطينية، من قبيل أن «انشغال مصر بالقضية الفلسطينية كان هو السبب في ضعف الاقتصاد المصري»، وأن «مصر قدمت 100 ألف شهيد من أجل فلسطين».
وكذلك، فإن الارتجال قد جعل الرئيس السيسي يكشف عن رؤيته لحل القضية الفلسطينية في أكثر من موضع، والتي تتمثل في إقامة دولة فلسطينية عاصمتها «القدس الشرقية» وهو الأمر الذي أكد عليه في خطابه في 23 يوليو 2014، وكذلك في كلمته أمام الأمم المتحدة في سبتمبر 2015؛ وهو الأمر الذي لم يكن مقبولا ذات يوم التصريح به من قبل رئيس عربي، خاصة الرئيس المصري.
أيها الإخوة المواطنون «الإسرائيليون»
مصر مستعدة أن تعطي فرصة حقيقية لحل الأزمة، وأقول للإسرائيليين، لازم تذيعوا خطابي في إسرائيل مرة واتنين لإيجاد حل للأزمة الفلسطينية، وإذا كنتوا تثقوا في كلماتي ومسيرة التجربة اللي أنا شفتها كإنسان، شفت حالة كنا موجودين فيها وبقينا في حاجة تانية، والحالة اللي إحنا فيها حققت السلام للإسرائيليين.
في خطابه في 23 يوليو 2014 –وهو أحد الخطابات المفتاحية لفهم رؤية السيسي تجاه القضية الفلسطينية– استخدم السيسي لأول مرة لفظ «المواطنين الإسرائيليين» وهي المرة الأولى يذكر فيها رئيس عربي بصفة خاصة ومصري بصفة عامة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي الممتد لعشرات السنين، هذه الكلمة؛ وليس مستوطنين أو محتلين كما هي العادة والحقيقة.
فالسيسي، حينما يتحدث حول القضية الفلسطينية، يوجه جزءا من حديثه إلى الإسرائيليين، وكأنهم يحاول إقناعهم أنه أفضل زعيم عربي قد يحظوا به، وأن وجوده في الحكم هو فرصة، لابد من استغلالها.
لذلك، فهو حريص في معظم خطاباته على تبني لغة حميمية تجاه «المواطنين الإسرائيليين»، ففي خطابه سالف الذكر، والذي جاء أثناء حرب غزة الأخيرة، حرص على أن يظهر على الحياد في حديثه عن الحرب، فاستخدم تعبيرات «الاقتتال» و«الأزمة» وتجنب أن يستخدم تعبير «العدوان»، في سابقة لم تتكرر مع أي رئيس أو مسئول مصري سابق.
وهو الأمر الذي تكرر في خطابه خلال افتتاح مؤتمر إعادة إعمار غزة في أكتوبر 2014، والذي صنفته صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية على أنه أحد أهم الخطابات التي ألقاها رئيس عربي في السنوات الأخيرة. حيث وجّه السيسي كلامه في البداية للشعب الإسرائيلي، فأبدى تفهمه لقلق المواطن الإسرائيلي العادي بخصوص عملية السلام، ولكنه عاد وذكَّر الإسرائيليين بمبادرة السلام العربية التي لم تتعامل الحكومة الإسرائيلية معها تعاملاً إيجابياً وتجاهلتها منذ تم طرحها في عام 2002، فيبدو أن السيسي أراد أن يوصل رسالة إلى للشعب الإسرائيلي مفادها أن هناك شريك جاد، لابد أن تتعاملوا معه.
وقد تكرر الأمر في خطاب اليوم، 17 مايو 2016، حيث دعا السيسي إسرائيل إلى إذاعة خطابه أكثر من مرة، ناهيك عن توجيه حديثه في أكثر من موضع للفلسطينيين والإسرائيليين على حدٍ سواء.
النكبة في طي النسيان
في محاضرته في الجامعة الأمريكية في بيروت يوم 15 مايو/أيار 2009 بمناسبة الذكرى الـ 61 للنكبة، قال الدكتور عزمي بشارة:
ليس هناك من قضية فلسطينية غير عربية، وليس هناك من قضية فلسطين منفصلة عن المسألة العربية. أما اعتبار قضية فلسطين مقتصرة على قضية الأراضي المحتلة عام 1967 فيعني كما أسلفنا؛ أولًا: تنظيم عملية نسيان لنكبة عام 48، وثانيًا: تهميش قضية اللاجئين كقضية تفاوضية، وثالثاً: بداية التعريف بالذات خارج السياق العربي من خلال كتابة تاريخ منفصل لكل كيان على حدة خارج السياق العربي الشامل.
واليوم، وخلال الذكرى الـ 68 للنكبة، يبدو أن الرئيس السيسي يحاول وضع النكبة في طي النسيان، وتجاوز تاريخ القضية الفلسطينية، وإعادة صياغة المطالب العربية، حيث ذكر صراحة:
أنا بقول لو قدرنا بإخلاص حقيقي حل هذه المسألة لإيجاد أمل للفلسطينيين والإسرائيليين سيتم فتح صفحة جديدة، والزمان والوقت كفيل يتجاوز كثير من المسائل.
وختامًا، يمكن القول أن السيسي هو أكثر رئيس عربي لاقى القبول لدى الحكومة والشعب الإسرائيلي منذ عهد أنور السادات أو الملك حسين. لذلك، ووفقاً للرؤية الإسرائيلية، فإنه عندما يتحدث السيسي، يستمع ويصغي إليه الإسرائيليون جيداً، بما في ذلك الحكومة والكنيست والمواطنين الجالسين على كنبة الصالون أمام التلفاز.