‘تنظيم القاعدة في اليمن: الحرب توسع نفوذه.. والتحالف العربي يستهدف عناصره’

18 مايو، 2016

«أولوية السعودية في اليمن لم تعد محاربة الحوثيين الذين يمكن التفاوض معهم، بل ملاحقة القاعدة وتنظيم داعش». تصريح رسمي أدلى به وزير الخارجية السعودية، ليؤسس من خلاله تحولًا إستراتيجيًا في موقف المملكة العربية السعودية، الفاعل الرئيسي في الأزمة اليمنية، حيال الحوثيين الذين اعتبروهم «جيرانًا»، بينما صارت حرب المملكة مُوجهة لتنظيم القاعدة في اليمن.

المكلا الساحلية.. حاضنة التنظيم الشعبية في اليمن

في جنوب شرق اليمن، على منطقة الساحل، تتمركز القاعدة الرئيسية لتنظيم القاعدة باليمن، التي يقطنها نصف مليون نسمة عاصمة لها.

تزامن توسيع نفوذ تنظيم القاعدة في جنوب شرق اليمن، بانسحاب وحدات الجيش اليمني الحكومي من القواعد الرئيسية له، بعد اختفاء قوات الجيش اليمني من شوارع المكلا، وتحركها غربًا نحو مناطق المعارك، بعد نحو أسبوع من شن السعودية عملية عاصفة الحزم.

التراجع الكبير للقوات اليمنية أدى إلى استحواذ القاعدة على كميات كبيرة من الأسلحة المتقدمة والمتطورة، بما فيها الصواريخ التي تطلق من قاذفات محمولة على الكتف، والعربات المسلحة. كما سمح ذلك لبضع عشرات من مقاتلي القاعدة بالسيطرة على المباني الحكومية، وتحرير 150 من زملائهم من السجن المركزي.

«خالد باطرفي»، قيادي بارز في القاعدة، كان مُحتجزًا في السجون اليمنية، قبل أن ينجح تنظيم القاعدة في تحريره، ويظهر في صور نشرت على الإنترنت، جالسًا داخل قصر الرئاسة بالمدينة، وهو يضع الهاتف على أذنه.

القيادي في تنظيم القاعدة هو واحد ضمن ألف مقاتل للتنظيم في المكلا وحدها، بجانب مقاتليها الذين يمتدون بطول 600 كيلومتر من خط الساحل، عبر ثلاث محافظات في جنوب اليمن؛ المكلا، وأبين، وشبوه.

امتدت سيطرة تنظيم القاعدة بمنطقة جنوب اليمن إلى القواعد العسكرية، حيث أصبح الجنوب اليمني متخمًا بالأسلحة المتقدمة، وأصبحت متفجرات «سي.4» والصواريخ المضادة للطائرات متاحة لمن يدفع أكثر.

سعى تنظيم القاعدة لكسب ود أهل المنطقة التي تخضع لسيطرته، عبر   تمهيد طرق هذه المدن، وتزويد المستشفيات باحتياجاتها، بجانب إلغاء الضرائب المفروضة على السكان.

إمبراطورية تنظيم القاعدة المالية: رسوم السفن وودائع البنوك

بالتزامن مع الحرب الدائرة بين الحوثيين والتحالف الذي تقوده السعودية، تغلغل تنظيم القاعدة في اليمن من خلال تعظيم موارده المالية، التي ساهمت في توطيد نفوذه بالمناطق التي تقع تحت سيطرته.

وتمثلت هذه الموارد المالية في السطو على البنوك في المناطق الواقعة تحت سيطرة التنظيم، إذ نهب فرع البنك المركزي في المكلا، ما مكنه من وضع يده على ما يقدر بنحو 100 مليون دولار، وهو المبلغ الذي يمثل أكبر مكسب مادي للقاعدة؛ إذ يكفي لتمويل التنظيم بما يتيح له العمل بالمستوى الذي يعمل به الآن لمدة عشر سنوات على الأقل.

كما يتمثل المورد المالي شديد الأهمية للتنظيم، في مساومة الشركات الكبرى التي تقع في المناطق التي تخضع لسيطرته، إذ يقدر مسؤولون بالحكومة اليمنية ومتعاملون محليون، أن القاعدة حصل على نحو 1.4 مليون دولار من شركة النفط الوطنية.

وفي يناير (كانون الثاني)، طلب تنظيم القاعدة الحصول على 4.7 مليون دولار من الحساب المصرفي لشركة النفط الوطنية في المكلا، وهو الطلب الذي قوبل بالموافقة في ضوء رغبة الشركة في استكمال أعمالها بالمنطقة، فيما رفضت عدة شركات كبرى دفع أي أموال، كشركة بترومسيلة المملوكة للدولة، ونيكسن إنرجي الكندية، وتوتال الفرنسية، ما أدى إلى وقف إنتاجها.

من ضمن الموارد المالية للتنظيم التي انتعشت خلال الحرب الأخيرة، الرسوم على السلع وشحنات الوقود، التي تدخل المواني الواقعة ضمن مناطق نفوذها، إذ تُقدر هذه الرسوم بمليوني دولار يوميًا.

هذه الرسوم التي تَحصَّلَ عليها أعضاء تنظيم القاعدة، تأتي على خلفية نجاح مقاتليه في السيطرة على ميناءي المكلا والشحر، عندما اجتاحوا المدينتين في أبريل (نيسان) الماضي، وهي الرسوم التي يقدرها مسؤول يعمل بوزارة النقل حاليًا بنحو مليوني دولار يوميًا.

هذا الأمر أكده وزير النقل اليمني السابق، بقوله إن «بعض التجار المحليين يقدّرون دخل التنظيم بما يصل إلى خمسة ملايين دولار يوميًا من رسوم الجمارك والوقود المهرب».

يُذكر أن ستة صهاريج نفط بيضاء على شاطئٍ بين المكلا والشحر، بخط أنابيب يصل إلى حقول المسيلة النفطية، التي يقدر أنها تحوي أكثر من 80% من إجمالي الاحتياطي اليمني؛ تقع تحت سيطرة تنظيم القاعدة.

 هل تنجح ضربات السعودية وأمريكا في هزيمة القاعدة؟

على مدار أكثر من 20 عامًا، سعى تنظيم القاعدة في جزيرة العرب إلى توسيع نفوذه عبر وسائل عديدة، محاولًا تفادي الضربات عليه من أكثر من جهة، بخاصة خلال العام الجاري الذي تعرض فيه التنظيم لأكثر من هجمة أفقدته بعض عناصره الرئيسية، وكذا عتاده.

وتطلع التحالف العربي الذي تقوده المملكة العربية السعودية، لحصار تنظيم القاعدة في مطلع نيسان (أبريل) 2016، على خلفية توسع نفوذه في جزيرة العرب، بخاصة بعد تبيّن صعوبة استمرار الحرب على الحوثيين.

هجمات التحالف العربي حيال عناصر تنظيم القاعدة، ركزت على المناطق الرئيسية التي يتمركز فيها، خاصةً منطقة زنجبار في محافظة أبين، إلا أن التحالف لم يتمكن من دحر التنظيم بشكل كامل.

في 22 مارس (آذار)، تعرض تنظيم القاعدة لضربة جوية، أسقطت أكبر عدد من قتلى القاعدة، أسفرت عن مقتل نحو 50 من رجاله في قاعدة عسكرية خارج المكلا.

كما فقد تنظيم القاعدة عددًا من أبرز قيادييه الشباب، ويدعى جلال بلعيدي، واثنين من أصدقائه، في ضربة بطائرة أميركية أثناء تنقله في سيارة داخل محافظة أبين، في الرابع من شباط (فبراير) 2016.

وكانت مهام بلعيدي تشمل إدارة العمليات القتالية للقاعدة، وهو الأمر الذي جعل الولايات المتحدة الأمريكية تُعلن عن مكافأة قدرها خمسة ملايين دولار نظير قتله.

وفي 26 أبريل (نيسان) 2016، قتلت ضربة جويّة المسؤول المالي لتنظيم القاعدة حسام الزنجباري، وثلاثة من مرافقيه، في غارة استهدفت سيارته في مدينة زنجبار.

وفي 19 مارس (آذار) 2016، نفذت طائرة أمريكية دون طيار غارة استهدفت معسكرًا تدريبيًا للجماعة، أسفرت عن مقتل 50 عنصرًا، وإصابة 30 آخرين.

وفي 27 مارس (آذار)، قصفت الدرونز مبانيَ يستخدمها التنظيم في محافظة أبين الساحلية، ودمرت مقرًا للمخابرات في زنجبار، عاصمة المحافظة، ما أسفر عن مقتل 14 من عناصر التنظيم.

ورغم تحقيق التحالف العربي بعض الانتصارات بمساعدة واشنطن ضد المراكز الرئيسية للقاعدة في اليمن، إلا أن هذا الأمر لن يجعل المعركة على وشك الانتهاء، خصوصًا مع القدرات البشرية والمالية للتنظيم الذي يمتد جذوره داخل الأراضي اليمنية، لأكثر من 20 عامًا.