لوأد الانتفاضة.. السلطة الفلسطينية تلجأ لإنشاء “جيل تطبيعي”

19 مايو، 2016

بدأت السلطة الفلسطينية تتحرك في منحنى آخر لتقديم المساعدة للاحتلال بوأد “انتفاضة القدس”؛ عبر التأثير في الثقافة، وإنشاء جيل تطبيعي، وذلك بعد إقرار الاحتلال الإسرائيلي بفشل كل الوسائل القمعية التي استخدمها لإطفاء شعلة الانتفاضة، التي أحرقت مخططاته التهويدية ضد المقدسات الإسلامية والمسجد الأقصى، وتجاوزت توقعات أجهزته الاستخبارية بقوتها واستمرار ضرباتها.

وطريق السلطة لم يقتصر على الملاحقة الأمنية وقمع المسيرات التي تخرج لمواجهة الاحتلال في مناطق التماس بالضفة الغربية المحتلة، بل أخذ منحنى أشد خطورة نحو الثقافة؛ في محاولة للسيطرة والتأثير في “الوعي الفلسطيني” في مواجهة الاحتلال، الأمر الذي حظي بإشادة كبيرة من قبل إسرائيل، على ما كشفته وسائل إعلام الاحتلال.

– إنشاء جيل تطبيعي

ونقلت الإذاعة العبرية عن مصدر كبير في جيش الاحتلال قوله: إن “السلطة أبلغتهم أن ممثليها يتجوّلون في المدارس، ويلقون محاضرات أمام الطلاب، ويحذّرونهم من أن تنفيذ هذه العمليات ضد إسرائيل سيفضي إلى المسّ بعائلاتهم؛ عبر توفير الفرصة لإسرائيل لتبرير تدمير منازلهم”.

كما ينبّهونهم إلى أنّ تنفيذ عمليات الطعن والدعس سيمس بـ”المصالح العليا” للشعب الفلسطيني، وأنه يتوجب منح فرصة لجهود السلطة الفلسطينية في الساحة الدولية، الهادفة إلى تأمين اعتراف بحق الشعب الفلسطيني في دولة.

وبحسب فإن ممثلي السلطة يحاولون تقليص تأثير الإهانات والاعتداءات التي يتعرض لها الطلاب وعائلاتهم من قبل جنود الاحتلال والمستوطنين، وعدم تحويلها إلى محفّز لتنفيذ عمليات ضد أهداف الاحتلال.

هذه التصريحات أثارت غضب الفلسطينيين، وانتقدوا بشكل كبير الدور”السلبي” الذي تقوم به السلطة في قلب الوعي الفلسطيني تجاه العدو الإسرائيلي، وقال وصفي قبها، القيادي في حركة حماس بالضفة الغربية: إن “السلطة الفلسطينية وما تقوم به من أدوار مشبوهة تقدم خدمة مجانية للاحتلال الإسرائيلي”.

وأضاف لمراسل “الخليج أونلاين” في غزة، أن “ما نُشر بهذا الخصوص أمر في غاية الخطورة، ويؤكد أن أجهزة السلطة الفلسطينية تعمل كوكيل حصري للحفاظ على أمن الاحتلال بقلب الوعي الفلسطيني نحو التخوف من المواجهة والتصدي لقوات الاحتلال، وخلق جيل تطبيعي جديد”.

وتابع قائلا: “في الوقت الذي تُعلن فيه إسرائيل فشلها في السيطرة على الانتفاضة المستمرة منذ بداية شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وكبدت الاحتلال خسائر كبيرة، يأتي الآن دور السلطة لإنقاذ الاحتلال، وتقديم الخدمات له؛ لقلب وتغيير معادلة الصراع لصالح إسرائيل”.

ودعا القيادي في حركة حماس إلى رفض كل الخطوات التي تقوم بها السلطة لوأد الانتفاضة، مشدداً على أن الوعي الفلسطيني، وبوصلته تجاه الاحتلال لن تتغير، وستبقى ثابتة مهما حاولت الأطراف الداخلية تغيرها؛ حفاظاً على السلطة، وتحقيقاً لمكاسب سياسية وإرضاء لحكومة الاحتلال، التي أمعنت في قتل وتشريد الفلسطينيين دون محاسبة.

وبالعودة إلى ما ذكرته الإذاعة العبرية يقول الإسرائيلي، الذي زعم أنه اطلع على محتوى هذه الرسائل: إن “السلطة تطالب الطلاب بأن يكونوا أكثر تحضّراً من الإسرائيليين، وألا يردوا بالعنف مثلهم”، ويضيف أن: “ممثلي السلطة الفلسطينية لا يترددون في التوجه لعائلات فتيان يُستدلّ من مناشيرهم على مواقع التواصل الاجتماعي أنّ لديهم توجهاً لتنفيذ عمليات، ويطالبونهم بالتأثير على أولادهم”.

ويلفت إلى أن: “رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، أقرّ صراحة، في مقابلة بثّتها قناة التلفزة الإسرائيلية، في مارس/آذار الماضي، ضمن برنامج عوفداه، بأنّ السلطة الفلسطينية تقوم بأنشطة داخل المدارس الفلسطينية لمنع تنفيذ عمليات ضد إسرائيل، ومن ضمن ذلك تفتيش حقائب الطلاب لمصادرة ما فيها من سكاكين”.

– نسف الهوية الفلسطينية

بدوره رأى المحلل السياسي، مصطفى الصواف، أن “ما تقوم به السلطة الفلسطينية في تغيير الوعي الفلسطيني، وقلب بوصلته عن الاحتلال الإسرائيلي، يأتي ضمن مشروع خطير لنسف الهوية الفلسطينية المقاومة”.

وأكد الصواف لـ”الخليج أونلاين”، أن: “السلطة فعلياً بدأت تنفذ مخططات أمريكية وإسرائيلية؛ لقلب طبيعة الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، ومحاولة تجميله والتخفيف من خطورة هذا الاحتلال الذي يقتل شعبنا بدم بارد، ويسرق حقوقنا أمام العالم أجمع”.

وحذر المحلل السياسي من إطلاق يد السلطة في هذا الأمر، خاصة في مدارس الضفة الغربية المحتلة، مؤكداً أن هذه المحاولات خطيرة للغاية على القضية والمشروع الوطني، يجب التصدي لها بكل قوة وحزم من قبل البيت الفلسطيني وفصائله المقاومة.

وأوضح أن مخططات الاحتلال والدول الغربية لقلب “المنهاج الفلسطيني”، وتغيير معالمه المقاومة ضد الاحتلال، فشلت جميعها في تحقيق هدفها، لكن السلطة بدأت الآن متابعة تلك المخططات؛ عبر تقديم توعية خاطئة لطبيعة الصراع، بما يتماشى ويخدم مصالح الاحتلال ويحافظ على أمنه.

وتوقع الصواف أن تفشل السلطة الفلسطينية في قلب الوعي الفلسطيني، مؤكداً أن مقاومة الاحتلال تجرعها الفلسطينيون منذ صغرهم، ويصعب أن يتم تغيير تلك المعادلة بقلب الحقائق، وتزيف التاريخ المقاوم، خاصة أن المقاومة تشهد مرحلة ازدهار ونمو كبيرة بالضفة والقدس.

– تعلم من السيسي

وتعتبر صحيفة يسرائيل هيوم المقربة من ديوان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، فوز قائمة حركة حماس في انتخابات جامعة بيرزيت، أخيراً، يعدّ مؤشراً على أن ظروف التحريض على إسرائيل في الضفة الغربية مثالية، وفي مقال نشرته الصحيفة، يقول معلقها للشؤون الإسلامية، الدكتور إفرايم هراري: “إنه كلما زادت نسبة تمثيل الإسلاميين في الجامعات زادت فرصة المس بإسرائيل”، ويحث هراري على “تنظيف” مناهج التعليم في السلطة الفلسطينية من كل النصوص الدينية، والمواد التي تحث على “الجهاد” والمس بإسرائيل، معتبراً أساليب التربية الدينية التي تدرّس في مناطق السلطة الفلسطينية “تحثّ على كراهية اليهود”.

ويدعو هراري صناع القرار في تل أبيب إلى إجبار السلطة الفلسطينية على القيام بالخطوات التي قام بها نظام الرئيس المصري الحالي، عبد الفتاح السيسي، لـ”إصلاح العملية التعليمية”، التي تضمنت حذف كل المواد التي تحث على الجهاد والعنف.

ويشدد هراري على ضرورة وقف “التحريض الإعلامي”، مستهجناً أن تواصل إسرائيل السماح لقناة الجزيرة بالعمل في الضفة وإسرائيل، على الرغم من “دورها في التحريض”، كما يدعو المعلّق ذاته إسرائيل لـ”التعلّم” من السيسي، الذي أغلق مكاتب الجزيرة، ومن الحكومة العراقية التي اتخذت إجراءً مماثلاً أخيراً.

وهنا يؤكد مسؤولون في الجيش الإسرائيلي أن أكثر ما يقلق أجهزة الاحتلال الأمنية ارتفاع عدد العمليات الفلسطينية ضد أهداف إسرائيلية خلال شهر رمضان المبارك، بالإضافة لإقدام تنظيم فلسطيني على تنفيذ عملية كبرى تعيد للانتفاضة الجارية جذوة اشتعالها.

وتظهر معطيات جديدة – نشرتها أجهزة الاحتلال الأمنية حول عمليات المقاومة في الانتفاضة الجارية – حدوث 804 عمليات، بينها 369 عملية رشق بالحجارة، 72 عملية إطلاق زجاجات حارقة، و166 عملية طعن، و82 عملية إطلاق نار، و29 عملية دعس، و5 عمليات استشهادية، وعدد من المحاولات لتفجير عبوات ناسفة.