‘هارون محمد يكتب: سباق محموم بين سنّة السلطة لتسلم منصب سليم الجبوري’
19 مايو، 2016
هارون محمد
ابتلي السنة العرب في العراق، أكثر من الفئات الشيعية والكردية والأقليات الأخرى، عقب احتلال البلاد في أبريل 2003 بنماذج حُسبت عليهم، ولكنها في الحقيقة آذتهم وألحقت بهم أضرارا كبيرة ابتداء من تهميشهم سياسيا واجتماعيا وتحويلهم إلى مواطنين من الدرجة الثالثة، مرورا بمحاربة نخبهم ورموزهم، انتهاء بالتفرّج على مآسيهم التي افتعلتها قوات الاحتلال الأميركي والحكومات المتعاقبة إلى يومنا الراهن.
ولأن هذه النماذج تفتقر، أصلا، إلى خبرات سياسية ولا تحمل مبادئ وطنية وقومية في الحياة العراقية ولم تكن لها مواقف نضالية في مواجهة الأنظمة السابقة، وأغلبها إما كان موظفا حكوميا يعدد أياما ويقبض راتبا أو متفرجا على مشاهد الماضي القريب في داخل العراق، أو مقيما خارجه منقطع الصلات مع أهله ومناطقه، فإنها، أي هذه النماذج، تاهت في مسارها وباتت تتشبث بفتات تتفضل به عليها القيادات الشيعية والكردية التي حظيت مبكرا بدعم أميركي أوصلها إلى صدارة الحكم.
من يتمعن في أسماء الخمسة الذين انتظموا في (خانة) السنة العرب بمجلس الحكم الانتقالي الذي شكله الحاكم الأميركي بول بريمر في منتصف العام 2003، لا بد ولاحظ أن خمستهم من العناصر الخاملة ولم يعرف عن أيّ منهم نشاطات فاعلة، وثلاثة منهم عاشوا خارج العراق مترفين، ورابع كان مشغولا بإدارة العقارات والمزارع التي ورثها عن أسرته، وخامس من أصول كردية اختير لتكملة الـ(خانة) باعتباره قياديا في الحزب الإسلامي الذي أنعشه الاحتلال.
صحيح أن الشخصيات الوطنية والقومية والإسلامية السنية استنكفت المشاركة في العملية السياسية التي رسمها المحتلون، على عكس الشيعة والأكراد الذين انطلقت أحزابهم وقياداتهم ومرجعيّاتهم في الانخراط بالهيئات والحكومات التي شكلها الأميركان، إلا أن الصحيح أيضا أن البيت الأبيض والبنتاغون ومستشارية الأمن القومي والـ”سي آي إيه” كانت ومنذ تحضيراتها لغزو العراق قد أعلنت الحرب على السنّة العرب بلا استثناء، وعدَّتهم جميعا من البعثيين وأنصار صدام حسين، وبالتالي فإنها طبقت نظرية جورج بوش وديك تشيني ودونالد رامسفيلد وبقية الشلة المتصهينة بتهميشهم واستعداء الشيعة والأكراد عليهم، والتصدي لهم بالقوة المفرطة وإلصاق تهم الإرهاب والتكفير بهم، ولاحقا أضافت إليهم شخصيات شيعية أعلنت تمسكها بقوميتها العربية وناهضت الاحتلال ورفضت مسايرته.
منذ حكومة إياد علاوي (المؤقتة) وبعدها حكومة إبراهيم الجعفري (الانتقالية)، وصولا إلى حكومتيْ نوري المالكي وانتهاء بحكومة حيدر العبادي، لم تظهر شخصية سياسية سنية عربية تلفت الأنظار إلى أدائها ومواقفها في الدفاع عن ناخبيها على الأقل ووقف الكوارث التي حلت بمناطقهم ومحافظاتهم، بل إن فريقا منهم اصطف مع قوات الاحتلال في التأليب على شخصيات معارضة كما حصل للشيخ الراحل حارث الضاري وقيادات حزب البعث والحركات القومية، وتعاون هذا الفريق مع إيران والأحزاب الشيعية في الإطاحة بأعضاء منهم، أبدوا قدرا متواضعا في معارضة السياسات الحكومية الطائفية كما حدث للنواب السابقين الشيخ عبدالناصر الجنابي وعدنان الدليمي ومحمد الدايني وأحمد العلواني، بل إن أقطابا في هذا الفريق سعدوا بمطاردة المالكي لنائب رئيس الجمهورية الأسبق طارق الهاشمي، وفرحوا بملاحقته لوزير المالية المستقيل رافع العيساوي.
وفي تقييم موضوعي لأداء جميع رؤساء مجلس النواب من حاجم الحسني ومحمود المشهداني وإياد السامرائي وأسامة النجيفي إلى سليم الجبوري، فإن السمة التي طبعت مواقفهم وهم يحتلون واحدة من الرئاسات الثلاث تبدو واضحة، وتتمثل في إدارة ظهورهم إلى الجمهور السني والتشبث بمواقعهم مهما كلفهم ذلك من إذلال وإهانات دأب نواب ومسؤولون شيعة على توجيهها إليهم بعد أن استضعفوهم ولوّحوا بإقالتهم.
واليوم ونحن نلقي نظرة على موقف سليم الجبوري وهو يستميت للبقاء في منصبه ويتوسل بـ(الرايح والجاي) للاستمرار فيه لعامين مقبلين، فإننا لا نغالي إذا قلنا إنه لا يصلح أن يُحسب على السنة العرب الذين تذكّر الآن أنه واحد منهم وهو يواجه محنة ترحيله من منصبه، وتذكّر مأساة جرف الصخر وانتهاكات جسر بزيبز وجرائم الرزازة وكوارث ديالى والمقدادية وسامراء والفلوجة وتكريت وبيجي، وغيرها من المدن التي اجتاحها طاعون الميليشيات الشيعية.
الجبوري لم يُبد في يوم من الأيام لفتة بسيطة إلى سكان محافظة ديالى وهو منها، رغم أنه يرى ما يتعرضون له من اضطهاد وقمع وتقتيل وتهجير على أيدي الميليشيات الشيعية، بل إنه على وفاق وانسجام كاملين مع أشرس قائد ميليشياوي هادي العامري، الذي عدّه في واحدة من خطاياه التي لا تغتفر بأنه (بطل) ووصف ميليشياته المجرمة بأنها جزء من حركة التحرر الوطني في العراق.
وحتى من يتدافع حاليا ليأخذ مكانه وخصوصا محمد تميم، الشاهد الساكت على مذبحة الحويجة، وهي مدينته ومسقط رأسه، في أبريل 2013 عندما كان وزيرا للتربية في حكومة المالكي الثانية، أو عدنان الجنابي، لا يستحقون أن يمثّلوا السنة العرب أو يُحسبون عليهم بالإكراه، وما ينطبق على تميم والجنابي ينطبق على جميع الذين يعدون أنفسهم لاحتلال مكان الجبوري، فكلهم من طينة واحدة، وحرام وباطل انتسابهم إلى السنة العرب، فالانتماء إلى المجتمع السني العربي لا يعني شيئاً إذا كان الولاء لغيره، وخاصة لمن يتربص به ويتآمر على اجتثاثه.
المصدر: العرب
هارون محمد يكتب: سباق محموم بين سنّة السلطة لتسلم منصب سليم الجبوري على ميكروسيريا.
ميكروسيريا –