‘حروب النفط: لماذا لا تقاتل الدول على الموارد النفطية؟’

20 مايو، 2016

واشنطن بوست –

عندما أبحرت سفينة النفط الصينية “هاييانغ شيو 981 ” في مياه جزر باراسيل في مايو عام 2014، أثار ذلك أزمة دولية كبيرة. أصرّت السلطات الفيتنامية حينها أن السفينة كانت تعمل بشكل غير قانوني في الأراضي الفيتنامية. وأرسل كلا البلدين السفن البحرية وسفن صيد الأسماك لتعزيز مزاعمهم. وقال المحللون إنّه من المرجح أن يحدث هجوم متبادل من كلا البلدين.

خمدت المواجهة بين البلدين، ولكن تبقى سؤال حاسم: هل تقاتل الدول على موارد النفط؟

المسألة لا تتعلق فقط ببحر الصين الجنوبي. لقد أصبحت منطقة القطب الشمالي وبحر قزوين، وبحر الصين الشرقي وشرق البحر الأبيض المتوسط “نقاط ساخنة” محتملة للصراعات النفطية العالمية. لقد حدثت صراعات عديدة، بما في ذلك غزو العراق للكويت، والغزو الياباني لجزر الهند الشرقية الهولندية في الحرب العالمية الثانية، وهجمات ألمانيا ضد منطقة القوقاز في نفس الحرب، والحرب العراقية الإيرانية، وحرب شاكو بين بوليفيا وباراغواي، وحرب جزر فوكلاند، وجميعها وُصفت بأنها “حروب نفط” عالمية.  

لكن، على عكس الأفكار السائدة، فإنَّ خطر الحروب النفط العالمية ضئيل للغاية. بالرغم من أن النفط هو المورد الاستراتيجي والاقتصادي ذات القيمة استثنائية، إلّا أنَّ القتال من أجله غير مفيد.

الاعتقاد بأن الدول تقاتل من أجل النفط يستند إلى افتراض تأسيسي خاطئ؛ وهو أنَّ الدول تجني نفس الفوائد من الموارد النفطية الأجنبية مثل ما تجنيه من موارد النفط المحلية.

في الواقع، الاستفادة من حروب النفط أمر معقد للغاية.

تواجه البلدان أربع عقبات ثنيها عن القتال من أجل النفط: تكاليف الغزو، وتكاليف الاحتلال، والتكاليف الدولية وتكاليف الاستثمار. تكاليف الغزو هي الضرر الذي تلحقه الحروب بحقول النفط والبنية التحتية. وتأتي تكاليف الاحتلال من المقاومة المحلية للاحتلال الأجنبي الذي يمكن أن يستهدف البنية التحتية لصناعة النفط والأفراد كذلك. وتُفرض التكاليف الدولية من قِبل المجتمع الدولي الذي يمكن أن يرد على عمليات الاستيلاء على للنفط من خلال فرض العقوبات الاقتصادية والتدخل العسكري. أما تكاليف الاستثمار فهي تحديات استقطاب رؤوس الأموال الأجنبية والخبرة الفنية لحقول النفط المحتلة.

هذه العقبات الأربع تحدّ بشكل كبير من مكاسب القتال من أجل النفط والدعوة إلى الحروب النفطية. عندما نأخذ بعين الاعتبار التكاليف الأخرى الكثيرة للحرب، بما في ذلك القوى البشرية والمعدات، فإنَّ القتال من أجل النفط يصبح أقل جاذبية. من وجهة نظر عقلانية بحتة، ينبغي ألّا تشنّ الدول حروب النفط بالأساس.

ولكنَّ الدول لا تتصرف دائمًا بشكل عقلاني. ولذلك، فمن أجل اختبار فرضية حرب النفط، علينا أن نلقي نظرة أخرى على ما يسمى حروب النفط التاريخية.

يبيّن لنا الفحص الدقيق أنَّ النفط لم يكن السبب الأساسي في أي من الحروب الدولية. لقد اندلعت حرب فوكلاند في عام 1982 بسبب الكبرياء الوطني وخوف المسؤولين في الأرجنتين من “ضياع فرص استعادة السيطرة على الجزر. وبدلًا من القتال من أجل النفط، حاولت بريطانيا والارجنتين استخدامه كمحفز للتعاون. وفي فترتيّ السبعينات والتسعينات، حاولا تطوير الموارد النفطية في جزر فوكلاند.

الحرب بين إيران والعراق (1980-1988)، لم تكن حربًا نفطية. كان هدف العراق منذ البداية السيطرة على ممر شط العرب و130 ميل مربع من الأراضي المتنازع عليها. وفي المراحل الأولى من الحرب، عرض العراق الانسحاب من إيران، إذا قبلت طهران تلك المطالب. ومع ذلك، اتهم مسؤولون إيرانيون العراقيين بأنهم يقاتلون من أجل النفط من أجل تشويه سمعتهم دوليًا.

اندلعت حرب شاكو (1932-1935)، أيضًا لأسباب أخرى. أدركت كل من بوليفيا وباراغواي أنَّ الاكتشافات النفطية في منطقة شاكو كانت بعيدة الاحتمال. لكنهم قاتلوا بسبب الكبرياء الوطني وتجنب المزيد من تقسيم الأراضي، بعد الخسائر الكبيرة في القرن التاسع عشر. لم يظهر تفسير النفط حتى وضعت الحرب أوزارها، عندما حاول القادة تحميل المسؤولية عن الصراع المدمّر لشركات النفط العالمية.

في ثلاث مناسبات، أطلقت البلدان حملات عسكرية كبيرة تستهدف الموارد النفطية. ومع ذلك، كانت هذه الحروب من أجل البقاء، وليس من أجل النفط. في الحرب العالمية الثانية، غزت اليابان جزر الهند الشرقية الهولندية وهاجمت ألمانيا منطقة القوقاز لأنَّ القادة أدركوا أنّه من دون المزيد من النفط، فإنَّ أنظمتهم ستنهار حتمًا. كان يجب أن تنسحب اليابان من الصين، الأمر الذي كان بمثابة “الانتحار”، على حد تعبير وزير الخارجية الياباني توغو شيجينوري آنذاك. كان هتلر أكثر بلاغة، وقال: “سنخسر الحرب إن لم نحصل على نفط باكو.”

كان غزو العراق للكويت في عام 1990 حربًا من أجل البقاء. وعلى النقيض من المعتقدات الشائعة، لم يحاول صدام حسين الاستيلاء على المزيد من الموارد النفطية، ولكنه كان يخشى من أن الولايات المتحدة كانت تحاول الإطاحة بنظامه. وكانت الولايات المتحدة تدعم تمرد الأكراد في السبعينات، إلى جانب فضيحة إيران-كونترا في الثمانينات، وبحلول عام 1990، ضغطت على العراق اقتصاديًا. ولذلك، رأى صدام حسين أنَّ الولايات المتحدة كانت تخفض أسعار النفط من خلال توجيه الكويت لتجاوز حصص الإنتاج المخصصة لها داخل منظمة “أوبك.”

اعتقد صدام حسين أن الاستيلاء على الكويت كان الوسيلة الوحيدة لإحباط المخططات الأمريكية المعادية. ومن خلال التحكم في الكويت، يمكن أن يرفع صدام أسعار النفط، ويتخلص من الأزمة الاقتصادية ويستعيد الدعم المحلي. كان يعرف أنَّ هذه المناورة مستحيلة. وتُظهر سجلات النظام أنَّ صدام حسين توقع أن الولايات المتحدة ستحاول إجباره على الخروج من الكويت. ومع ذلك، انهار النظام العراقي. وقال نائب صدام حسين، طارق عزيز، بعد الحرب: “إما أن تتلقى الضربة داخل بيتك، ويتم تدميرك اقتصاديًا وعسكريًا، أو تذهب للخارج وتهاجم… “

يعتقد القادة اليابانيون والألمان والعراقيون أنهم كانوا يحاربون من أجل البقاء. لكنَّ المشاركون فيما يسمى حروب النفط كانوا يقاتلون لأسباب أخرى، مثل الكبرياء الوطني. ولم يكن الدافع وراء أي من تلك الصراعات هي طموحات السيطرة على النفط.

هذا خبر سار للعلاقات الدولية المعاصرة؛ فالصراع على النفط في مناطق مثل بحر الصين الجنوبي لا تشكّل تهديدًا خطيرًا للأمن الدولي. قد تشارك الدول في صراعات نفطية طفيفة، مثل ما حدث بين الصين وفيتنام، لتعزيز الحفاظ على مواردها. ومع ذلك، فإنَّ هذه الحوادث لا تتصاعد إلى حروب دولية.

وهناك أيضًا خطر كبير من الإمبريالية النفطية. دول مثل الصين لن توفر احتياجاتها النفطية من خلال الاستيلاء على حقول النفط الأجنبية. تاريخيًا، بدأ القادة الاستيلاء على النفط عندما اعتقدوا أن بقاءهم يعتمد عليه. وهذه الحالة نادرة جدًا، حتى في زمن الحرب، ولا تتعلق بأسعار النفط. خططت الولايات المتحدة للاستيلاء على نفط الشرق الاوسط في عام 1975 بعد أن أدت أزمة الطاقة الأولى إلى ارتفاع الأسعار. ومع ذلك، امتنعت إدارة فورد، لأنَّ تكاليف العدوان كانت مكلّفة للغاية.

في النهاية، يمكننا القول بأنَّ النفط لا يُلهم حروب القوة العظمى. قد يحدث صراع بين الولايات المتحدة والصين، وربما تستهدف بعض الحملات العسكرية الموارد النفطية، إذا بدت السيطرة عليها أمرًا ضروريًا لبقاء النظام في كلا البلدين. ومع ذلك، فإنَّ النفط لن يكون السبب الأساسي للصراع بين الصين وأمريكا. إنّه أمر لا يستحق القتال من أجله.

20 مايو، 2016