العقوبات.. سيف واشنطن المسلط على رقبة حزب الله

23 مايو، 2016

أثار تصعيد واشنطن ضد مليشيا حزب الله اللبناني واستمرارها في سياسة فرض العقوبات عليه، رغم التفاهم الأمريكي الإيراني، جملة من التساؤلات حول أسباب هذه السياسة الأمريكية تجاه الذراع القوية لشريكها الجديد بالمنطقة.

وتبرز تساؤلات عمّا إذا كانت محاولات تفكيك الحزب الذي خاض حروباً عديدة بالوكالة عن إيران، خاصة في سوريا، جزءاً من اتفاقات غربية إيرانية غير معلنة، أم أنها رغبة غربية إسرائيلية خالصة.

وفي ديسمبر/كانون الأول 2015 أصدرت واشنطن قانون “مكافحة تمويل حزب الله دولياً”، الذي حذر المصارف اللبنانية والعالمية من التعامل مع الحزب، وهو ما رد عليه الأمين العام للحزب، حسن نصر الله، بأن حزبه ليست لديه أموال في المصارف، وأن أغلب المساعدات تأتيهم نقداً.

وفي ظل غياب موقف إيراني قاطع من هذه العقوبات، أبدى نصر الله استغرابه ممّا أسماه تشدد الولايات المتحدة في عقوباتها ضد الحزب، في حين يحث وزير خارجيتها، جون كيري، المصارف الأمريكية والأوروبية على التعامل مع المصارف الإيرانية.

وفي وقت سابق حثَّ نصر الله الدولة اللبنانية على عدم الانصياع للقانون الأمريكي، معتبراً أن “أي مصرف يخالف هذا القانون لن يتأذى أبداً؛ لأن حزب الله لا يملك حسابات في المصارف”.

وفي سياق لعبة القط والفأر الدائرة بين حزب الله والغرب، بدأ الحزب اتخاذ إجراءات وصفت بالقاسية؛ لإبطال آثار العقوبات التي تفرضها عليه واشنطن أو لتخفيفها.

وتقول صحيفة الشرق الأوسط إن معلومات تشير إلى تشكيل الحزب لجنة من خبراء ماليين واقتصاديين قبل أيام؛ لدراسة الخيارات المتاحة للتصدي لهذه المعركة المالية. كما حذّر الحزب مصرفَين لبنانيين من مغبّة الاستمرار في نهجهما الاستنسابي السياسي، بعد إغلاقهما حسابات لأشخاص لا تجمعهم علاقة مباشرة بالحزب.

وهذا التحذير سيتصاعد بوجه المصرفَين، في رأي البعض، ليصبح تكليفاً للمودعين بسحب أموالهم وودائعهم بشكل كامل والتوقّف عن التعامل معهما، في حال استمر المصرفان في نهجهما.

وبحثت الحكومة اللبنانية ملف العقوبات الأمريكية وكيفية تطبيقها، في ظل إصرار الحزب على إعطاء أولوية للملف. ومن المقرر أن تصدر الهيئة قريباً تعميماً للمصارف يتم على أساسه تحديد الآلية الواجب اتباعها قبل الإقدام على إغلاق أو فتح حسابات لمقربين من الحزب.

وفي مارس/آذار الماضي زار وفد نيابي لبناني واشنطن لإقناع الجانب الأمريكي بتجنيب نواب الحزب العقوبات الأمريكية، لكنه فشل في هذه المهمة، في وقت سمع ثناء أمريكياً على القوانين المالية التي أقرها مجلس النواب اللبناني أخيراً، والتي تتلاءم مع الإجراءات الأمريكية لمكافحة الإرهاب وتبييض الأموال.

وتشير مصادر مصرفية رفيعة تحدثت لصحيفة الشرق الأوسط، إلى أن محاولة الحزب الالتفاف على القانون الأمريكي ستكون من خلال اعتماد الليرة اللبنانية عملة بديلة عن الدولار؛ وهي طريقة غير مجدية، برأي خبراء؛ لأن القانون يلحظ العملات كافة. ولفتت المصادر إلى خضوع الموضوع برمته لهيئة التحقيق الخاصة.

الخبير الاقتصادي اللبناني مروان إسكندر، يقول إن لبنان “ملزم بالتقيد بمضمون العقوبات الأمريكية؛ لأن تخطيه يرتب على لبنان آثاراً سلبية لا يستطيع تحملها”. وأشار إسكندر إلى أن الأمريكيين عاقبوا بنك باريبا الفرنسي، منذ سنتين بمبلغ 11.5 مليار دولار؛ لأنه فتح اعتمادات لتصدير نفط إيراني إلى الهند، وأجبروه على دفع هذا المبلغ، تحت طائلة عدم السماح له بالعمل في أمريكا.

ونبّه الخبير الاقتصادي إلى أن المصارف اللبنانية رغم عددها الكبير، فإن أرباحها بدأت تتراجع بشكل ملحوظ، “فكيف سيكون حالها إذا خالفت القرارات الأمريكية والدولية؟”، لافتاً إلى أن تصعيد حزب الله ضد المصارف اللبنانية يجعل مستقبل لبنان رهينة.

وبدوره دعا حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، إلى ضرورة تطبيق القانون الأمريكي المعروف، محذراً من أن التغاضي عن تطبيق القانون “يعني انعزال النظام المصرفي عن العالم”.

ومن المقرر أن يزور مساعد وزير الخزانة الأمريكي لشؤون تمويل الإرهاب، دانيال غلايزر، بيروت خلال الأيام المقبلة، حيث سيبحث مع مسؤولين لبنانيين قضية عدم التقيد بالقانون الأمريكي.

ومع تراجع قدرته على تقبّل هذا الواقع وترسيخه، يتجه الحزب لمزيد من الضغط على المعنيين، لاتخاذ موقف واضح من الدولة؛ لتقليل وطأة الضغط على اللبنانيين المنتمين للطائفة الشيعية، أو الذين لديهم علاقات مع الحزب الذي يضع الأمر في عهدة الحكومة اللبنانية؛ ما حدا برئيسها للبحث عن مخرج للأزمة التي قد تذهب بالبلاد نحو الأسوأ.

ويرى الخبير الاقتصادي اللبناني غازي وزني، أن التزام المصارف اللبنانية بتطبيق هذه العقوبات سيكون له “تأثيرات محدودة جداً” على الحزب؛ لكون معاملات الأخير المالية تتم بشكل مباشر دون وسيط مصرفي.

وأضاف وزني: إن “العقوبات الأمريكية الأخيرة ما هي إلا استكمال للقوانين السابقة المتعلقة بتبييض الأموال، ومكافحة تمويل الإرهاب، ومكافحة تمويل حزب الله أو من ينتمي إليه في لبنان والخارج”.

وأشار الخبير اللبناني إلى أن الحزب “لا يمتلك حسابات مصرفية أو أنشطة مالية مع القطاع المصرفي اللبناني؛ وهذا ما يسهل عمل هذا القطاع”، في تطبيق العقوبات الأمريكية، مشيراً الى أن عمليات الحزب المالية تتم بشكل نقدي مباشر وليس عبر المصارف، وأن القطاع المصرفي اللبناني “يدرك ذلك جيداً”.

ورأى أن السلطات اللبنانية عليها ألّا تنصاع لقرار الكونغرس الأمريكي، وألّا تقوم “بتهميش جهة” في لبنان، قائلاً: “إن حزب الله شريك في تعيين حاكم مصرف لبنان، ولا يمكن تجاهل الحزب والقوى الموجودة على الأرض بشأن هذا الموضوع”.

في المقابل أكد مدير مركز المشرق للشؤون الاستراتيجية، سامي نادر، أن حزب الله “لا يملك أي أدوات” لمواجهة قرار البنك المركزي اللبناني الخاص بتطبيق العقوبات الأمريكية على الحزب، وحذّر من أن النظام المصرفي اللبناني سيكون معزولاً عن نظيره العالمي لو رفض تطبيق القرار الأمريكي.

وفي مشاركة مع قناة الجزيرة قال نادر إن الحكومة اللبنانية أمام خيارين لا ثالث لهما: “إما الانصياع للقرار الأمريكي، أو رفضه، وفي الحالة الأخيرة ستكون النتائج وخيمة على الاقتصاد اللبناني”.

– ضغوط على الحكومة

ويصرّ الحزب على مطالبة الحكومة باتخاذ قرار في شأن العقوبات، وكشفت صحف لبنانية عن مشاورات تدور بين مختلف المعنيين بعد طلب الحزب من الدولة اللبنانية اتخاذ تدابير معينة توقف هذا “الإجحاف الذي يلحق بمصالح عدد كبير من اللبنانيين”.

وفي حال عدم التوصل إلى صيغة ترفع ما يعتبره الحزب ظلماً عن المتضررين، يدرس الحزب خيار دعوة بيئته الحاضنة إلى مقاطعة القطاع المصرفي، وهي مقاطعة قد تؤدي إلى فوضى عارمة، كما يقول الحزب.

ويظل معنى “الفوضى” غائماً، برأي خبراء؛ أهي مالية أم غير ذلك، وهو ما دفع الخبراء إلى محاولة قراءة نتائج المقاطعة على النظام المصرفي اللبناني، والتي ستنعكس على عموم لبنان بالضرورة.

وتذهب أغلب الآراء إلى أن الإجراءات العقابية ستستمر إلى نهايتها، ولذا فلا أحد يعلم إلى أي مدى ستصل الأمور.

وتشير معلومات إلى أن زيارة حاكم مصرف لبنان إلى نيويورك ستكون مخصصة لبحث هذا الموضوع، وتؤكد المصادر أن سلامة سينقل إلى الأمريكيين المشهد اللبناني والمخاوف الاقتصادية والسياسيّة.

ووفق مصادر فإن رئيس الحكومة اللبنانية، تمام سلام، سيطالب الأمريكيين بتخفيف حجم هذه الضغوط، انطلاقاً من موقف الحزب غير الراضي عن التزام الحكومة بالتصنيفات الأمريكية، حيث أبلغ الحزب الحكومة أنه “لن يسمح بالتضييق على طائفة بأكملها”.

وتعتقد مصادر بإمكانية الوصول إلى حلّ وسط، كأن يسمح القطاع المصرفي بقرار من الأمريكيين وبمعرفتهم تمرير بعض الأمور، ويبقي على بعض الحسابات مفتوحة، لكن هذا غير مرضٍ بالنسبة إلى الحزب؛ لأن الضغط سيبقى قائماً، والضائقة المالية ستستمر، وفق المصادر.

ولأنه يعتبر العقوبات حرباً جديدة، فسيضطر الحزب إلى الدفاع عن نفسه بأي طريقة كانت ومهما كلّف الأمر، برأي كثيرين. وأمام تصعيده المرتقب، تقول صحيفة “المدن” اللبنانية إن معلومات تفيد بإمكانية التوصل إلى تسوية معينة، أو حلّ يجنّب لبنان أي اهتزاز لاستقراره المالي.

وفي هذا السياق كشفت “المدن” عن لقاء عُقد بين نائبين من الحزب وممثلين عن “جمعية المصارف” برئاسة رئيسها، جوزيف طربيه؛ لبحث كيفية معالجة هذه الأزمة، واتفق المجتمعون على انتظار ما ستسفر عنه مساعي رئيس الحكومة وحاكم مصرف لبنان كي يُبنى على الشيء مقتضاه.

ومن بين العقوبات التي تتوعد واشنطن بتطبيقها على المتعاملين مع حزب الله وقف التعامل، وفرض غرامات مالية، والإدراج ضمن القائمة الأمريكية للمؤسسات غير الممتثلة للقانون.

 

23 مايو، 2016