‘عبر بوابة “الأطعمة الحلال”: هل تنجح الصين في السيطرة على غذاء 1.6مليار مسلم؟’

23 مايو، 2016

نجحت الصين في السنوات الأخيرة في فرض نفسها على الساحة الاقتصادية العالمية كونها الدولة الأكثر حضورًا في الأسواق الدولية، حيث بات من الصعب أن تجد بيتًا أو مؤسسة إلا وبه منتج مكتوب عليه “صنع في الصين”، وهو ما أهلها لتصبح ثاني أكبر اقتصاد في العالم والمنافس الأول للولايات المتحدة الأمريكية.

الصين التي لا تدخر جهدًا في فتح منافذ لها هنا وهناك دون أدنى اعتبار لأي أبعاد دينية أو سياسية، ها هي اليوم تطرق سوقًا قد تكون جديدة عليها، إذ تعاني في الفترة الأخيرة من أزمة ثقة تحول بينها وبين سيطرتها على النصيب الأعظم لهذه السوق الذي من المتوقع أن تبلغ 10 تريليون دولار خلال السنوات القادمة، إنها سوق “الأطعمة الحلال”.

يعد قطاع الأغذية الحلال من القطاعات الصاعدة في سوق الاستثمار العالمي، والذي نجح في الحفاظ على استمراره بنفس الوتيرة المتزايدة بالرغم من الأزمات الاقتصادية الدولية التي عصفت بأقوى الاقتصاديات العالمية وفي مقدمتها أمريكا والصين.

“نون بوست” يسعى في هذا الطرح إلى إلقاء الضوء على مساعي الصين للسيطرة على هذه السوق في الوقت الذي يعاني فيه اقتصادها من هزات عنيفة أدت إلى تباطؤ معدلات نموه بصورة مقلقة، وهو ما دفع بكين لغزو هذه السوق الجديدة لعلها تجد فيها ما يعوض خسارتها – نسبيًا -، وبالرغم من التحديات التي تعترض طريقها نحو تحقيق أهدافها، يبقى السؤال: هل تنجح الصين في السيطرة على غذاء 1.6مليار مسلم؟

الاقتصاد الصيني… فرص وتحديات

منذ سبعينات القرن الماضي ونتيجة لحزمة الإصلاحات الهيكلية التي أجرتها الصين على نظامها الاقتصادي، حيث بدأت سياسة جديدة في الانفتاح على العالم تدريجيًا، إلى الحد الذي باتت فيه المنتجات الصينية هي القاسم المشترك في كافة الأسواق العالمية، وهو ما عبر عنه أحد خبراء الاقتصاد الأمريكي حينها بأنه لا يوجد بيت في العالم ليس به منتج صيني، ومن ثم فقد استطاعت بكين أن تكون أسرع اقتصاد كبير ونام في العالم خلال العقود الثلاثة الماضية، كما تعد أكبر دولة تجارية وأكبر مصدر وثاني أكبر مستورد في العالم، ومن ثم فهي ثاني أكبر اقتصاد (كلي) في العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية.

كما تمتلك بكين مخزونًا نقديًا هو الأعلى خلال السنوات الماضية، حيث يصل إلى حوالي 3000 مليار دولار، جزء منه موجه بشكل كبير إلى الاستثمارات الصينية في الخارج، مما جعلها على أهبة الاستعداد لاقتحام كافة الأسواق العالمية وفرض سيطرتها بصورة غير مسبوقة.

وفي تقرير لصندوق النقد الدولي عن آفاق الاقتصاد العالمي في 2014، بلغت تقديرات الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية للصين في عام 2014 نحو 9.469 تريليون دولار، متوقعًا أن يصل الناتج المحلي الإجمالي للصين في 2019 إلى 15.518 تريليون دولار.

ومع ذلك تعاني الصين خلال العامين الماضيين من تراجع في مستوى النمو الاقتصادي مقارنة بما كان عليه الوضع سابقًا، حيث أدى عدم التوازن بين المستويات غير المسبوقة من الصادرات والاستثمارات من جهة، وضعف مستويات الاستهلاك من جهة أخرى، الذي يمثّل أساس المعجزة الاقتصادية الصينية، إلى العديد من المشكلات التي تواجهها الصين اليوم.

والمتابع للمنظومة الاقتصادية يجد أن بكين تعاني من أزمة تراكمٍ زائدٍ للسلع، كما يُثقل نمو قدرتها الإنتاجية كاهل الأسواق المحلية وأسواق التصدير، من أجل استيعاب الكم المعروض من السلع، وهو ما يؤدي إلى زيادة نسبة التضخم وقلة العائد المادي.

كما ساهمت الأزمة المالية العالمية في انهيار منظومة التجارة العالمية، مما تسبب في إغلاق الآلاف من الشركات الصينية أبوابها في النصف الأول من عام 2009، كما فُصل 20 مليون عاملٍ مهاجر في غضون أشهر، فردّت الحكومة ببرنامج تحفيز ضخم يعادل 14% من الناتج المحلي الإجمالي.

ومن ثم فقد باتت الصين حساسةً للغاية لأي تغيرات في الاقتصاد العالمي، على عكس ما كان البارحة، ونجاحها كمُصدِّرٍ رئيسٍ جعلها أكثر عرضة لقرارات وتطورات خارج حدودها، سواء من العوامل الدولية المتعلقة بالأزمة المالية أو الضغوط الأمريكية الممارسة عليها.

وأمام هذه الضغوط المتتالية والتباطؤ الاقتصادي الملحوظ، ما كان أمام بكين إلا البحث عن أسواق جديدة تتمتع بقدرة استيعابية هائلة، وفرص استثمارية واعدة، قادرة على تعويض خسارتها، واستعادتها من جديد للريادة الاقتصادية عالميًا، فكانت سوق “الأغذية الحلال” هي القبلة الجديدة للصينيين والمؤشر الذي يحمل الأمل في النهوض مجددًا، فهل تنجح الصين في السيطرة على هذه السوق الواعدة؟

10 تريليون دولار قيمة صناعة الأغذية الحلال

يعد قطاع الأغذية الحلال من القطاعات الصناعية الاستثمارية الواعدة عالميًا، إذ يمثل خمس تجارة الغذاء في العالم، ويقدر بنحو 1.1 تريليون دولار، وبحسب آخر الدراسات التي تم نشرها على هامش القمة العالمية للاقتصاد الإسلامي 2015 فإنه من المتوقع نمو قطاع الأغذية الحلال بنسبة 6% بحلول عام 2020، مع توقعات بأن يصل حجم الصناعة فيه حول العالم إلى 10 تريليون دولار في 2030.

ومع تنامي أعداد المسلمين في البلدان غير الإسلامية زاد ارتفاع الطلب بشكل ملحوظ على هذه النوعية من الأغذية، حتى أصبح من الضرورة البحث عن آليات تلبية هذا الطلب المتزايد، وإعادة النظر في الأساليب التقليدية المتبعة في التعامل مع هذا القطاع بما يضمن استمراره بنفس هذه الوتيرة العالية.

وبالرغم من انتشار هذه الصناعة دوليًا، إلا أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لازالت تمثل أهمية كبيرة في هذا المجال بفعل الكثافة السكانية للمسلمين فيها، فحجم سوق الأغذية وحده يبلغ 85 مليار دولار في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي و237 مليار دولار فيما تبقى من بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

وفي ظل ما يحمله قطاع الأغذية الحلال من فرص استثمارية واعدة، بات قبلة المئات من الدول والجهات الاستثمارية الدولية، إلا أن هناك عدد من التحديات التي يرى الخبراء أنها ستواجه هذا القطاع الغني، يتقدمها فقدان المصداقية في الشهادات التي تمنحها الجهات المعنية بهذه الصناعة، وافتقار هذه الجهات إلى الشفافية والكفاءة في ظل وجود أكثر من 1000 هيئة مانحة حول العالم لا تتبع آلية توثيق محددة.

مؤخرًا دخلت الصين هذا المضمار الجديد كلاعب رئيسي على أمل النهوض من كبوتها الأخيرة، وإيجاد سوق جديد قادر على استيعاب المنتجات الصينية في هذه الصناعة الغذائية القادرة – حال نجاح بكين في اختراقها – على إعادة التوازن من جديد لمنظومة الاقتصاد الصيني وإخراجه من غرفة إنعاش التضخم الذي دخلها مؤخرًا بفعل المتغيرات الاقتصادية العالمية والضغوط الدولية الأخرى كما ذكرنا سابقا.

ومازالت مساهمة الصين في سوق الأطعمة الحلال لا تتجاوز 0.1% من هذه الصناعة، ومن المتوقع أن تصل إلى 1.6 تريليون دولار في غضون سنوات قليلة مع تزايد تعداد المسلمين، ومع تزايد معدلات الدخل في بعض الدول ذات الأغلبية المسلمة، وهو ما قد يعني أيضًا زيادة إنتاج تلك الأطعمة في البلاد الإسلامية، فما فرص نجاح بكين في السيطرة على هذه السوق؟

هل تستطيع الصين؟

في ظل التحديات الاقتصادية التي تواجهها الصين في الآونة الأخيرة، والسعي لإيجاد سوق جديدة قادرة على استيعاب المنتجات الصينية في صناعة الأغذية، كثفت بكين من مساعيها للسيطرة على سوق الأغذية الحلال لاسيما بعدما حقق أرقامًا استثمارية فاقت كل التوقعات.

الصين تهدف من خلال دخولها هذا المجال الجديد نسبيًا عليها إلى الوصول إلى ما يقرب من 1.6مليار مسلم حول العالم، وهذا ما أشارت إلية الكاتبة بيثاني آلين في تقرير لها بمجلة “فورين بوليسي” الأمريكية نشرته أوائل الشهر الجاري، وناقش الصعوبات التي تواجه الصين لدخول هذا السوق.

مكة… كلمة السر

“مكة هي مركز العالم الإسلامي، إذا استطعنا دخول السوق في مكة، فسنحصل على ثقة المسلمين في جميع أنحاء العالم، وسيصبح من السهل دخول أسواق إسلامية أخرى”، بهذه الكلمات عبر مدير إحدى شركات الصناعات الغذائية الصينية عن مكانة وقيمة “مكة” كخطوة أولى نحو سيطرة بكين على سوق الأغذية الحلال في منطقة الخليج ومن ثم باقي دول العالم.

بحسب التقرير فالصين بالرغم من إيمانها بأهمية السوق السعودية، في التسويق لنفسها دوليًا في هذا المجال، إلا أنها تسير في خطوط متوازية بما يحقق لها الانتشار العالمي لاسيما في ظل صعوبة المنافسة، حيث تعتبر صناعة الأطعمة الحلال من الصناعات واسعة الانتشار داخل الصين لاسيما في منطقة نيغيشيا شمال غربي البلاد ذات الأغلبية المسلمة وذلك لخدمة ما يقرب من 23 مليون مسلم بها، إذ يبلغ حجم تلك الصناعة محليًا 20 بليون دولار، وهو الرقم الذي تسعى بكين لمضاعفته خلال السنوات القادمة في ظل زيادة أعداد المسلمين بها.

أزمة ثقة

“في الوقت الذي تسيطر فيه الكثير من المنتجات الصينية على السوق السعودية، حتى في مكة والمدينة، حيث مناسك الحج والعمرة، لا يخلو الأمر من الحقائب الصينية التي تنتشر بين الطبقة الوسطى وما دونها، بالإضافة للكثير من المنتجات التي استطاعت الصين أن تصبح مصدرها الرئيسي في البلد الإسلامي، إلا أن هناك صناعة واحدة ظلت بعيدة عن يد الصينيين في السوق السعودية، وهي المنتجات الغذائية، على الرغم من حقيقة استيراد السعودية 90% من غذائها من الخارج، حيث تستورد الكثير من تلك المنتجات من أوروبا وماليزيا وتايلاند وغيرها، في حين أن حصة الصين من هذه السوق ضئيلة للغاية، ولا تكاد تذكر” بهذه العبارات ألقت الكاتبة آلين الضوء في تقريرها المنشور  على أبرز التحديات التي تواجه القطار الصيني في مشواره نحو السيطرة على سوق الأغذية الحلال في منطقة الخليج بصورة عامة.

الكاتبة استحضرت في تقريرها بعض الشواهد والسوابق التاريخية التي أفقدت دول الخليج الثقة في المنتجات الصينية الغذائية، ومن ثم تعرقل مساعي بكين نحو السيطرة على سوق هذه المنطقة، مثل اكتشاف كميات كبرى من لحوم الخنزير كان سيتم تصنيعها وبيعها على أنها من الأطعمة الحلال في سبتمبر 2013، وهو ما حدث أيضًا في واقعة مشابهة في مايو 2015، عندما وُجِد خنزير في إحدى شاحنات التوصيل، وهو ما قاد بعض الشركات إلى الاعتراف بمخالفتها القواعد لزيادة المنافسة مع الشركات الماليزية بحسب التقرير.

التقرير نوه أيضًا إلى أنه من المحتمل أن تكون هذه الفضائح غير معلومة للمسلمين خارج الصين، كونها فضيحة داخلية وفقط، إلا أنه أشار في نفس الوقت إلى أن المسلمين في الخارج لا يثقون في هذا النوع من الأطعمة الصينية، وهو ما استدلت عليه الكاتبة بالدعوة التي أطلقها أحد الكتاب الماليزيين المشهورين في عام 2014 حيث ناشد أبناء شعبه عدم شراء الأطعمة الحلال القادمة من الصين، وأنه لا يجب أن يثق المسلمون بهم وبأنهم يقومون بذبح الحيوانات على الطريق الإسلامية، في حين تناول أحد منتجي الأطعمة الحلال الصينيين حقيقة أن الحزب الحاكم في الصين قائم على الفكر الإلحادي بالأساس، وأن هذا الأمر يعيق تطور عملهم على الرغم من التزام شركته بالمعايير الإسلامية وما ورد في القرآن بشأن هذا الأمر، فهل تنجح الصين في الخروج من هذا المأزق؟

توطيد العلاقات مع الدول الإسلامية

لم تدخر الصين جهدًا في تحقيق طموحاتها الاقتصادية حتى وإن كستها برداء الدبلوماسية والسياسة، وهو ما أكد عليه التقرير أيضًا، حيث أشار إلى سعي حكومة بكين إلى تقوية وتوطيد علاقاتها مع دول الشرق الأوسط ومنطقة الخليج ووسط أسيا، في محاولة لتفعيل التعاون الاقتصادي والدبلوماسي بينها وهذه الدول.

المبادرة التي أطلقها الرئيس الصيني شي جين بينغ، والتي أطلق عليها “حزام واحد وطريق واحد” لربط الصين بالعديد من المناطق حول العالم،  تجسد بشكل كبير مخطط بكين لتوظيف السياسة بما يحقق الأهداف الاقتصادية والتي تمثل الهاجس الأول لدى الإدارة الصينية في الوقت الراهن.

الصين تسعى من خلال هذه التحركات الدبلوماسية إلى خلق علامات تجارية كبرى وفتح نوافذ تسويقية متعددة في مجال الأغذية الحلال بين آلاف الشركات التي تعمل في هذا المجال في الداخل وربطها بالخارج، إلا أن المشكلة الأساسية التي تواجههم – بحسب التقرير – هي نقص الشهادات الدولية التي تمنح لمصنعي هذا النوع من الأطعمة، نظرًا لغياب الكثير من المعايير القياسية لهذه الصناعة عن السوق الصينية.

ويبقى السؤال: إذا كان قطاع بحجم صناعة الغذاء “الحلال” والمرجح أن تصل قيمة استثماراته إلى 10 تريليون دولار، يترك هكذا عرضة لأطماع الشركات الدولية ومتعددة الجنسيات، والتي قد تنتمي لدول لا تعرف عن الإسلام شيئًا، فضلاً عن أخرى قد تكن بداخلها العداء للإسلام ليل نهار، فأين الشركات المسلمة من هذا المضمار الحيوي؟ ولماذا يترك خير بلاد المسلمين لغير المسلمين؟