وفاة الملا أختر منصور ومستقبل حركة طالبان
24 مايو، 2016
ذا إنتربريتر –
تأكد مقتل زعيم حركة طالبان الملا أختر منصور في غارة طائرة أمريكية بدون طيار في اقليم بلوخستان الباكستاني أمس. وعلى عكس سلفه، الملا عمر (الذي حكم طالبان لمدة عقدين على الأقل)، كانت فترة حكم الملا منصور قصيرة ومثيرة للجدل.
وعلى الرغم من أنه قد حكم حركة طالبان رسميا لمدة عام فقط، إلا أنه من المرجح أن كان الملا منصور قد حكم طالبان بشكل غير رسمي لعدة سنوات قبل ذلك، بالنظر إلى ما تم تأكيده في عام 2015 بأن الملا عمر قد مات منذ سنتين على الأقل. وهذا يشير إلى أنه ربما لم تكن وفاته نصرا ادعى البعض تحقيقه.
أولا: اكتسبت حركة طالبان (أو إمارة أفغانستان الإسلامية كما نصّبت نفسها) المزيد من القوة منذ أن سلمت قوات المساعدة الدولية لإرساء الأمن في أفغانستان برعاية الأمم المتحدة كل المسؤوليات الأمنية إلى قوات الأمن الوطنية الأفغانية في عام 2014، بما أدى إلى نهاية 13 عاما من التدخل الأجنبي في أفغانستان. وكانت أحدث هجمات الربيع التي شنتها حركة طالبان – والتي تم تسميتها العملية العمرية تكريما للملا عمر- هجمات دموية وقوية. وتمكنت الحركة من قصف قوات الأمن الوطنية الأفغانية، وكشف نقاط ضعفها وزيادة الانتشار الإقليمي لحركة طالبان.
ثانيا: لطالما عُرفت حركة طالبان بأنها شبكة مركزية مكونة من مجموعة من الشبكات، ويوجد على رأس الشبكة المركزية زعيم الحركة، ولكنها قادرة تماما على القتال ككيان غير مركزي عن طريق القوات الإقليمية المقاتلة المستقلة (والتي تسمى ماهاز أو الجبهات)، وفي كثير من الأحيان يتزعم هذه الجبهات قائد من الإقليم محل الشبكة. وقد سمح هذا التنظيم لقادة العنف أن يحكموا ويتدرجوا في صفوف حركة طالبان أو مختلف مجالس الشورى التي تقود كل إقليم.
والمثال الأساسي الشاهد على ذلك التنظيم هو شبكة حقاني، وهي الشبكة الأقوى في جنوب شرق أفغانستان، وعلى عكس حركة طالبان الشاملة، وصفت شبكة حقاني بأنها شبكة إرهابية من قبل الولايات المتحدة. كما كان ينظر إليها منذ فترة طويلة على أنها أحد الحركات التابعة لأجهزة المخابرات الباكستانية. وأصبح زعيمها سراج الدين حقاني، نائبا لزعيم حركة طالبان قبل سنة تقريبا، وقد اتبع بعض التكتيكات العسكرية الشرسة والوحشية، وكذلك قام بجمع التبرعات الكبيرة لصالح حركة طالبان. ومسألة تولي سراج الدين حقاني زعامة طالبان هو أمر مشكوك فيه. وبحسب توماس روتيغ، خبير الشأن الأفغاني، من غير المرجح أن يصبح حقاني زعيم طالبان الجديد كونه ينتمي إلى جنوب شرق أفغانستان، وليس جنوب أفغانستان الذي يعد معقل طالبان التقليدي.
ثالثا: هناك بالفعل عدة جماعات منشقة عن حركة طالبان. فقد انشق بعض المعتدلين بالفعل في العام 2010 عندما تمت الإطاحة بأغا جان معتصم، رئيس لجنة الشؤون المالية لطالبان ومنافس الملا منصور. وكان الانشقاق الكبير الثاني في عام 2015 عندما اعترض الملا رسول آخوند على اختيار الملا منصور كزعيم جديد لحركة طالبان. وقام بتشكيل المجلس الأعلى البديل لإمارة أفغانستان الإسلامية. بالإضافة إلى الجماعة المنبثقة عن التحالف السابق مع جبهة الملا داد الله، التي تشعر بأن الملا عمر قد قتل على يد الملا منصور ويعارضون بشدة استمرار محادثات السلام مع الحكومة الأفغانية. ويجادل توماس روتيغ بأن تقسيم حركة طالبان لجعلها أكثر انقيادا لمحادثات السلام كانت دائما هي الاستراتيجية الصريحة التي اتبعتها الحكومة الأفغانية.
رابعا: يجب ألا نهمل وجود الجناح المسلح للحزب الإسلامي تحت قيادة قلب الدين حكمتيار، وينتمي العديد من أعضاء الحزب بالفعل إلى الحكومة الأفغانية، ولكنه لازال يقاتل أيضا في بعض مناطق أفغانستان (على الرغم من أنه لا يقاتل عادة إلى جانب طالبان، بل يقاتل ضدها أحيانا). وتقترب جميع القوات المقاتلة في أفغانستان إلى التوصل إلى اتفاق سلام مع الحكومة الأفغانية.
خامسا: هناك العديد من الجماعات الصغيرة التي قاتلت مع (أو ضد) حركة طالبان في العديد من المناسبات المتناقضة. وأحد هذه الجماعات حركة أوزبكستان الإسلامية، التي تعهدت مؤخرا بالولاء إلى تنظيم الدولة الإسلامية (أو ولاية خراسان الإسلامية التابعة لتنظيم الدولة) في أفغانستان. وعلى الرغم من كونها الجماعة الأقوى في ولاية ننجركار بشرق افغانستان، إلا أنها قد انتشرت في جميع أنحاء البلاد. ولكن دائما ما كان كثير من هذه الجماعات ذا موقف متقلب، مع تحول بعض كبار قادتهم إلى الولاء لحركة طالبان.
وأخيرا، هل ستكون وفاة الملا منصور حقا “ضربة قوية لحركة طالبان وسوف تساعد على تقدم عملية السلام المتعثرة في أفغانستان” كما تود المصادر الأمريكية منا أن نصدق ذلك؟
الجواب: ليس بالضرورة أن يحدث ذلك إذا ما أخذنا في الاعتبار تأثير وفاة أسامة بن لادن على تنظيم القاعدة والإرهاب الدولي. فقد تمكنت حركة طالبان دائما من تجديد دماء قيادتها. وعندما يكون الهدف الرئيسي هو الاستمرار في التمرد، وليس التوسط لإحلال السلام، يكون المقاتلون الجيدون هم الملطوبين وليس “رجال الدولة الحكماء”. وحتى الآن، أظهرت حركة طالبان أنها مرنة للغاية.
ومع ذلك، سوف يكون من المثير للاهتمام أن نرى القائد الجديد لحركة طالبان. ويدل صمت المتحدث الرئيسي باسم طالبان على موقع تويتر، والحقيقة القائلة بأن الموقع الرئيسي لحركة طالبان حاليا “غير نشط” على أن هناك مفاوضات داخلية حول كيفية التعامل مع وفاة الملا منصور وحول مسألة من يخلفه. ولم تكن الآلة الدعائية لحركة طالبان أبدا تحجم عن الإعلان عن إنجازاتها على الملأ، وعن خسائرها بدرجة أقل.
وربما يكون الأكثر إثارة هي الطريقة التي قتل بها الملا منصور، حيث يشير مقتل الملا منصور عن طريق غارة أمريكية بدون طيار في عمق الأراضي الباكستانية إلى أن الولايات المتحدة بدأت تأخذ تهديدات طالبان تجاه أفغانستان على محمل أكثر جدية مرة أخرى، وخاصة منذ أن سحبت معظم قواتها قبل أكثر من عام مضى. كما يشير ذلك الأمر أيضا إلى احتمالين: إما أن باكستان قد تم التشاور بشأن هذه العملية وأنه قد تم إبلاغها بها مسبقا، أو أن الولايات المتحدة قررت أخيرا ممارسة بعض الضغوط على البلاد، التي عُرفت بإيوائها لحركة طالبان الأفغانية منذ فترة طويلة.
إذا ما كان تاريخ الحرب الطويل في أفغانستان ليعلمنا شيئا، فهو أنه من غير السهل أن تتم هزيمة حركة بأكملها عندما يتم القضاء على قائد الحركة. حيث كانت ساحة القتال دائما مرنة للغاية، وقاتلت العديد من الجماعات بطريقة أو بأخرى بشكل مستقل لبعض الوقت. وإذا لم يتم معالجة بعض المشاكل الكامنة وراء سوء الإدارة، والفقر، وملكية الأراضي والآفاق الاقتصادية السيئة في أفغانستان، فسوف يستمر تفاقم التمرد في أفغانستان.