ذكرى مذبحة الحولة… الحقد الطائفي بأبشع صوره

28 مايو، 2016

محمد الحمصي: المصدر

بعد أربعة أعوام شهدت آلاف المجازر، أقل ما يمكن وصفها بأنها “مروعة”، تبقى مذبحة الحولة في ريف حمص أحد أهم الشواهد على الحقد الطائفي اللامتناهي من قبل شبيحة النظام في القرى الموالية المجاورة، الذين هشموا بالسواطير والفؤوس رؤوس 45 طفلاً، وقتلوا ذويهم ليخرجوا من الحولة وقد أزهقوا 114 روحاً بشرية في أقل التقديرات.

الناشط سامر الحمصي عايش اللحظات ووثق المشاهد ونقل لـ “المصدر” ما عاش وشاهد وكذلك ما عايشته القلة القليلة من مذبحة الحولة:

كما هي العادة كان مساء الخميس حافلا بالتجهيزات لمظاهرة يوم الجمعة من خلال تحضير اللافتات والشعارات حيث كنا ننتظر ان تكون مظاهرتنا في اليوم التالي كما كانت في كل الاسابيع التي سبقتها حاشدة تهز صرخات المتظاهرين فيها اجواء الحولة ومحيطها بزغت اشعة شمس يوم الجمعة لتبدأ معها التحضيرات ولم نكن نعلم ما هو مخبئ لنا.

انطلقنا عقب صلاة الجمعة (25 أيار 2012) لنتجمع في ساحة الحرية لتبدأ المظاهرات هاتفة باسم الجمعة “يا دمشق قادمون” وفي وسط التظاهرات بدأت قوات النظام تستهدف محيط التظاهرة بقذائف الدبابات لتنتقل بعدها القذائف الى المنازل المجاورة و الشوارع وتبدأ معها الإصابات بالتوافد للمشافي الميدانية لتنفض المظاهرات خوفاً على سلامة المدنيين المتظاهرين.

لم يستطع سكان حي طريق السد جنوب غربي مدينة تلدو العودة إلى منازلهم بسبب قصف النظام لطريق عودتهم بقذائف الدبابات و الرشاشات الثقيلة كان يوما هو الاقسى علينا استمر فيه القصف من صلاة الجمعة حتى ساعات المساء الامر الذي دفع سكان مدينة تلدو للنزوح خارج المدينة تحت جنح الليل لتزداد عمليات النزوح مع توارد الأخبار عن ارتكاب النظام لمجزرة في منازل حي طريق السد و مع حلول الظلام تمكنت مجموعات الجيش الحر من الوصول إلى منازل المجزرة لتتكشف مجازر النظام بحق المدنيين، أسر بكاملها قتلت لتبدأ بعدها عمليات الاجلاء للشهداء حيث كانوا يوضعون على سجاد و يتم سحب السجاد بحبال نتيجة لاستهداف النظام للطريق الامر الذي يحول دون نقلهم بشكل مباشر.

بدأت الاعداد بالتوارد عشرة لا عشرين بل ثلاثين كانت هذه الارقام مرعبة بالنسبة إلي في ذلك الوقت بدأنا عمليات توثيق المجزرة من خلال مجموعات الإعلاميين الموجودين كانت الأرقام مرعبة و لكن المشاهد كانت أصعب وأقسى، أطفال صغار تبولوا على أنفسهم قبل ان يتم إعدامهم بالسواطير أو بالفؤوس او بإطلاق الرصاص من مسافة قريبة في أفضل الأحوال لتتمزق جماجمهم الناعمة، مشاهد تعجز الوحوش عن ارتكاب ما ارتكبه كائنات النظام التي لم أجد لها تعبيرا ينصفها فأنا أخشى على مشاعر الوحوش من الذم بهم، بدأنا ننتقل بين المساجد و البرادات التي وضعت فيها الجثث رائحة الدماء ملأت شوارع الحولة  كما ملأتها الدموع الرعب و الخوف و الترقب.

حوالي الساعة الحادية عشر والنصف تلقينا اتصالا عن وصول مجموعة من الجثث في أحد مساجد المدينة، اختلفنا من سيقوم بتوثيقهم، أبو ليث أصر أن يذهب، أما ابو عروبة فمنعه لكون أبو ليث متزوج ولديه اطفال والطريق خطير نتيجة لعمليات القصف بينما لم يتقبلوا أن ادخل بينهم في ذلك النقاش لينتهي بذهاب ابو عروبة.

والاثنين اليوم مغيبون في سجون النظام بينما كنت أوثق جثثا لطفلة بعمر الخمسة أشهر وخمس نساء في مسجد اخر طفلة ملاك ما تزال ابتسامتها على شفاهها وقد حطمت جمجمتها ساطور او فاس خرجت أحد العظام من جبينها إلا انها بقيت ملاكاً، مشهد لم انساه يوما انتهت المجزرة باستشهاد 114 مدنيا بينهم 65 من اسرة واحدة و 45 طفلا ذبحوا بأبشع الطرق بالسواطير و السكاكين و الفؤوس إضافة الى إعدامات الرصاص.

بعد ليل طويل قضيناه في نقل الجثث من مكان إلى آخر وصلوا إلى برادات الخضار والأجبان التي وضعت فيها الجثث وبانتظار طلوع الصباح لتتم عملية الدفن وخلال ساعات الليل قضينا الليل بالتواصل مع الناشطين والمراقبين وكل من نستطيع في محاولة للمطالبة بدخول وفد الامم المتحدة، وهذا ما حدث حيث دخل وفد الامم المتحدة وقام بتوثيق الجثث والشهداء وأيضا أخذ شهادات شهود العيان.

علي طفل في الخامسة من عمره روى شهادته قائلا “دخلوا إلى بيتنا وقاموا بإطلاق النار على أمي وأبي وكنت أنا وأخوتي الثلاثة في الغرفة حيث قاموا بإطلاق النار على إخوتي الثلاثة وأطلقوا النار علي والرصاصة أتت جانبي و لكني مثلت الموت حتى لا يعود و يطلق النار علي من الجديد”.

بقي علي لعدة ساعات غارقا بدماء اخوته لعدة ساعات بانتظار من ينقذه ليعيش علي حتى اللحظة متأثرا بذكريات المجزرة التي سببت له آثارا نفسية لن تفارقه ما دام حيا.

محمد طفل اخر سمع اصوات إطلاق النار في حيه فقال لامه ان يختبؤوا في التبان (مكان وضع علف الحيوانات) ليختبئوا بين اكوام التبن حتى غادر القاتل ليخرجوا و يشاهدوا برك الدماء و جيرانهم و قد قتلوا ليشاهد الطفل محمد أصدقاءه محمد و ياسر و عبد الرزاق و قد قتلوا جميعا.

أم محمد، امراة سبعينية قضى 17 فرداً من أسرتها في مجزرة الحولة تروي كيف نجت، تقول دخلوا وهم يبلسون الزي العسكري ويضعون عصائب على رؤوسهم اثناء دخولهم وقفت خلف باب المنزل فلم يروني وبدؤوا يطلقون النار على ابنتي وزوجة أبني وأولاد ابني وأنا زحفت من خلفهم على الدرج باتجاه الطابق الأعلى وبقيت مختبئة حتى أتى الجيش الحر وأخرجني، لم تجف دموع تلك المرآة حتى اللحظة وما تزال دموعها تسيل وتبكي أبناءها وأحفادها.

أما فاطمة التي رأت جيرانها يقتلون بقصف النظام للشوارع في المدينة تحدثت عن رؤيتها لأشلاء الجثث في الشوارع أثناء هروبها من المجزرة ما تحدثت عن ان جدها ما يزال مقتولا في أحد المنازل المطلة على حاجز مؤسسة المياه وبقيت جثته لأكثر من خمسة ايام قبل ان تتمكن الامم المتحدة من إخراجها بعد ان تعفنت كما تحدثت عن وفاة عمتها بعد يومين من المجزرة نتيجة لغياب الادوية في المنطقة حيث دخلت عمتها في نوبة سكر أدت إلى وفاتها.

عملت قوات النظام على مدى أربعة اعوام إلى استهداف حي طريق السد الذي بات يعرف باسم حي المجزرة لتدمير مساكن الحي التي تعد شاهداعلى أبشع مجازر الثورة وأولها الحي الذي يعد شاهدا على أبشع مجازر الثورة.

شكلت تلك المجزرة نقطة تحول في تاريخ منطقة الحولة حيث كانت نقطة تحول في الثورة من السلمية إلى المسلحة، وكل شخص في منطقة الحولة اشترى سلاحه الخاص للدفاع عن نفسه، ومنهم من باع أرضه أو جواهر زوجته او حيواناته لهذا الغرض.

أخبار سوريا ميكرو سيريا