‘نيويورك تايمز: العالم يحصد ما زرعه السعوديون’

29 مايو، 2016

نيويورك تايمز – 

أحبطت المملكة العربية السعودية صنّاع السياسة الأمريكية لسنوات؛ ففي الظاهر هي الحليف الاستراتيجي والحاسم للولايات المتحدة الأمريكية المحميّة من الأعداء عن طريق المساعدات والأسلحة التي تتلقاها من أمريكا، في حين أنها في الواقع تُنفق أموالا طائلة لنشر التطرّف وهو ما ألهم مرتكبي أحداث 11 أيلول/سبتمبر ووفّر الأرضية الملائمة لنشأة تنظيم الدولة.

وتجدر الإشارة إلى أن جمهورية كوسوفو، التي يبلغ عدد سكانها حوالي 1.8 مليون نسمة، كانت أحد ضحايا تنظيم الدولة حيث أرسلت العديد من شبانها للقتال والموت في كلّ من سوريا والعراق. ومنذ سنة 2012، انضمّ حوالي 314 شخصا إلى تنظيم الدولة؛ من بينهم انتحاريان اثنان و44 امرأة و28 طفلا. وحتى بلجيكا، التي يتمّ اعتبارها مرتعا للتطرف، خاصة بعد الهجمات التي استهدفت كلاّ من باريس وبروكسل، بقيت متخلفة في ترتيب انضمام المقاتلين إلى تنظيم الدولة مقارنة بكوسوفو.

ووفقا لما أشارت له كارلوتا غال، في مقال نشر مؤخرا في صحيفة التايمز، فإن وضع كوسوفو الراهن كان سببه إلى حدّ كبير المملكة العربية السعودية فضلا عن بعض دول الخليج الأخرى نظرا  لقيامهم منذ سنوات بتطوير وتمويل شبكة من الأئمة والمساجد والجمعيات السرية هناك. وفي حين أنه لا يوجد دليل واضح وصريح يتعلّق بإعطاء المال لمجموعة من سكان كوسوفو وإقناعهم بالذهاب إلى سوريا، إلا أن كبار المسؤولين في كوسوفو أعلموا غال أن رجال الدين والجماعات المتطرفة قد أنفقوا مبالغ طائلة لتعزيز الفكر المتطرف بين الشباب والضعفاء.

وفي هذا السياق صرّح رئيس شرطة مكافحة الإرهاب في كوسوفو، فاتوس ماكولي أن “المسألة تتعلّق بمساندتهم لأولئك الذين يروّجون للعنف والجهاد باسم حماية الإسلام”. وتجدر الإشارة إلى أنه خلال سنة 2008، ساندت كلّ من الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي كوسوفو لنيل استقلالها عن صربيا والتأسيس للديمقراطية.

كما أن استخدام المملكة العربية السعودية لكوسوفو كأرض خصبة للمتطرفين أو السماح باستخدامها كأرض للجهاد من قبل أي كيان أو مواطن سعودي، هو بمثابة التذكير القاسي للسلوك المتناقض الذي يتّبعه شركاء الولايات المتحدة في الخليج الفارسي وهو ما يفسّر السبب وراء تدهور علاقاتها مع هذه الدول.

كانت كوسوفو، التي تمّ إنقاذها من الظلم الصربي بعد أشهر من قصف حلف شمال الأطلسي سنة 1999، تُعرف بالمجتمع المتسامح، ولعدّة قرون اتّبعت الأغلبية المسلمة في البلاد المذهب الحنفي الذي يدعو إلى قبول الآخر. ومنذ الحرب، أصبحت البلاد مهدّدة من قبل الأئمة الذين درّبتهم السعودية، ودفعت تكاليفهم عبر الجمعيات الخيرية التي ترعاها السعودية والتي تدعم الجهاد العنيف والتكفيري، الذي يجيز قتل المسلمين “الكفّار”.

ويشير العديد من الخبراء إلى الأسباب التي جعلت كوسوفو أرضا خصبة للتطرف؛ من بينها ارتفاع نسبة الشباب الذين يعيشون في فقر مُدقع خاصة في المناطق الريفية، وغياب فرص العمل، وتفشّي الفساد وعدم الثقة في حكومة كوسوفو. ووفقا للتقرير الصادر سنة 2015 عن مركز كوسوفو للدراسات الأمنية، فإن نظام التعليم أيضا يعدّ من بين الأسباب التي ساهمت في انتشار التطرّف نظرا لأنه لا يشجع على التفكير النقدي.

وما يثير التساؤل هو صمت كلّ من حكومة كوسوفو والولايات المتحدة ومسؤولي الأمم المتحدة الذين تعاقبوا على إدارة كوسوفو في فترة ما بعد الحرب، إزاء ما يحدث. كما أنه ربّما يكون الأمريكيون قد أخطؤوا في افتراض أن المجتمع الديني المعتدل في كوسوفو من شأنه أن يمنع الفكر المتطرف من الانتشار.

وسرعان ما جاء الردّ الذي أكّد هذه المخاطر خلال هجمات 11 أيلول/سبتمبر، فقد تمّ على إثرها إغلاق العديد من المنظمات السعودية التي كانت تنشُط في كوسوفو. كما أن الحكومة السعودية التي قلّصت سابقا من مساعداتها إلى كوسوفو، أصبحت في الآونة الأخيرة تفرض ضوابط صارمة على الجمعيات الخيرية والمساجد. لكن على الرغم من ذلك، ضلّت كلّ من الكويت، وقطر والإمارات العربية المتحدة تموّل المتشدّدين الإسلاميين في كوسوفو.

يبدو أن الدول العربية السنيّة مازالت لم تع بعدُ حجم التهديد الذي من شأنه أن يمثّله التطرّف. فعلى الرغم من أن العائلة المالكة في السعودية تعتمد على رجال الدين حتى تستمدّ شرعيتها السياسية منهم، إلا أن تنظيم الدولة اتهم النظام الملكي بإفساد الدين بهدف الحفاظ على السلطة وبالتالي شنّ هذا التنظيم منذ سنة 2014، حولي 20 هجمة إرهابية استهدفت المملكة.

وعملت حكومة كوسوفو مع الولايات المتحدة، على مكافحة التطرف وذلك عبر إرساء قوانين جديدة تهدف إلى محاربة الإرهاب؛ منها تضييق الخناق على غسل الأموال التي تصل إلى الجماعات المتطرفة فضلا عن فتح تحقيقات لهذا الغرض.

وتجدر الإشارة إلى أن أعداد مقاتلي كوسوفو الذين توجهوا للقتال مع تنظيم الدولة قد انخفض إلى الصفر في الأشهر السبعة الماضية، في حين بلغ عدد مقاتلي كوسوفو في ساحة المعركة حوالي 140 شخصا. ومع ذلك، ما يزال على الأقلّ إمامان اثنان متواجدان في عاصمة كوسوفو، بريشتينا، يعملان على استقطاب الشبان. وبالتالي فإنه مازال يتعيّن القيام بالكثير حتى يتمّ حماية استقلال كوسوفو الذي عملت جاهدة على تحقيقه.

( الترجمة ليس بالضرورة أن تعبر عن وجهة نظر الموقع)