رجال الأعمال لا العسكر.. من يحدد الرئيس الجزائري القادم؟
2 يونيو، 2016
أعاد الصراع المفتوح مؤخرا بين الحكومة ومجمع الخبر الإعلامي حول صفقة شرائه من رجل الأعمال المعارض يسعد ربراب، الجدل حول تغلغل المال السياسي في المشهد العام للبلاد.
بالنسبة إلى الموالاة والمعارضة معا، خاصة مع تلميحات الرجل في أحد تصريحاته الصحافية إلى إمكانية دخوله المعترك السياسي، رغم تفرغه طيلة حياته لعالم الاقتصاد والاستثمارات، أمام ما أسماه بـ”التضييقات والإستهداف المبرمج من قبل الحكومة لشخصه”.
ورغم ربط الرجل الأول في حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم عمار سعداني، قضية دخول يسعد ربراب على خط الهيمنة على وسائل الإعلام، بإيعاز من رجل “الظل” الجنرال محمد مدين (توفيق)، المُقال من منصبه بقرار من الرئيس بوتفليقة في شهر سبتمبر الماضي، بغرض الإطاحة بجناح قصر المرادية، فإن الملاحظ أن المال السياسي صار طرفا قويا في المعادلة السياسة والإعلام في الجزائر.
فتصفية الرئيس بوتفليقة لخصومه في مؤسسة العسكر وجهاز الاستخبارات، وإقالة الضباط المناوئين لنهجه السياسي، تزامنتا مع التغلغل اللافت للوبيات المال في مفاصل الدولة، منذ مطلع العام 2014، حيث لم يعد خافيا تغول نفوذ ما يعرف بتنظيم “منتدى رؤساء المؤسسات”، ودور رجل الأعمال المقرب من قصر المرادية علي حداد، في حسم وتحديد القرارات الكبرى، كالتشكيل الحكومي والإداري، وقانون الموازنة العامة، وحتى النشاط الدبلوماسي.
وأرجع الأستاذ والمحلل ناصر جابي، ما أسماه بـ”الاتجاهات الثقيلة” للنزاع المحتدم بين الحكومة ورجل الأعمال يسعد ربراب حول مجمع الخبر الإعلامي، إلى “عجز النظام السياسي عن التكيف والانسجام مع التحولات التي أنتجتها الدولة الوطنية ذاتها منذ عقود، مما يجعله في مواجهة مع الدولة، ربما لشيخوخة مبكرة اعترت نخبه ومؤسساته، بسبب طرق تسييره وعقائده ونخبه، مما قد يحوله إلى خطر على الدولة الوطنية ذاتها، حسب بعض القراءات المتشائمة”.
وأضاف “لقد أنتجت التحولات التي قادتها الدولة الوطنية منذ الاستقلال، بروز قوى لفئات اجتماعية جديدة، لم تكن حاضرة داخل الجسم الاجتماعي بهذا الشكل والحجم والطموحات، وعلى رأس هذه الفئات أرباب العمل أو البرجوازية الوطنية، والأمر لا يتعلق بالفروق الملموسة بين جناح البرجوازية التقليدية، التي كانت أقرب لمنطق الفئات الميسورة، وبين فئة أرباب عمل حديثة النشأة أنتجتها تجربة القطاع العام ذاته، والتي كانت داخله أو بالقرب منه، الأمر الذي ساعد على بروز قراءة “أخلاقية “حول منشأ هذه الفئة، وكيفية استفادتها من هذا القرب من القطاع العمومي والنظام الريعي”.
وإذ لم تعد مسألة المرور إلى المؤسسات المنتخبة (المجالس المحلية والوطنية)، تتم دون توظيف المال في شراء الذمم والأصوات والتزوير، باعتراف عدد من قادة الأحزاب السياسية المعارضة والموالية، فإن المؤشرات توحي بأن اللاعب الجديد سيكون له دور حاسم في مصير مؤسسات الدولة، ابتداء من الانتخابات التشريعية المقررة في ربيع العام القادم، وبعدها الاستحقاق الرئاسي في 2019.
وسبق لزعيمة حزب العمال لويزة حنون، أن اتهمت صراحة بتوظيف أحزاب السلطة للمال السياسي، في اكتساب مقاعدها داخل المجالس المنتخبة، كما لم يتوان رئيس حزب التجمع الوطني الديمقراطي، أحمد أويحيى، في اتهام حليفه وغريمه جبهة التحرير الوطني، بتوظيف الأموال في شراء الذمم، أثناء انتخابات التجديد النصفي لأعضاء الغرفة الثانية للبرلمان (مجلس الأمة)، التي جرت في شهر ديسمبر الماضي، وهو الأمر الذي ردت عليه قيادة الحزب الحاكم، بتذكير أويحيى بإدارته لتزوير عدد من الاستحقاقات الماضية، خاصة تلك التي جرت في تسعينات القرن الماضي.
وهوّن بعض السياسيين من مسألة التحول الجديد في المشهد الجزائري، بما أن السلطة تدار من قبل مجموعة ضغط فاعلة لكنها معزولة، على اعتبار أنها تفتقد للصفة المؤسساتية، وأن نفوذها الذي اكتسبته من حالة الشغور غير المعلن في الرئاسة وشلل باقي مؤسسات الدولة، باعتراف وزير الداخلية الأسبق دحو ولد قابلية، الذي صرح مؤخرا بأن “الخطر الحقيقي الذي يهدد الجزائر ليس من الخارج، بل من المجموعة الصغيرة التي تدير البلاد في الخفاء”، في إشارة إلى محيط الرئيس بوتفليقة، سيضعها في حجمها الحقيقي مع أي خطوة للاستقرار السياسي في البلاد.
لكن في المقابل توحي حالة التصعيد الأخيرة بين الحكومة وأنصار مجمع الخبر الإعلامي، بأن المال السياسي سيكون الحاسم النهائي لمستقبل البلاد، والكيل بمكيالين بين رجل الأعمال المعارض يسعد ربراب، ورجل الأعمال المقرب من السلطة علي حداد، يعد أحد أوجه التغلغل الرهيب لسلطان المال في السياسة والإعلام، فالأول لم يقدم على خطوته إلا بغرض توظيف الخط الافتتاحي للمجمع في التمهيد للاستحقاق الرئاسي القادم، وأن مشروعا ما يطبخ على نار هادئة في مطبخ خصوم جناح الرئاسة،والثاني لا غرض له إلا رعاية تسمية خليفة لبوتفليقة، لا يتحرك خارج إرادة اللوبي الجديد.