كيف اجتاح تجار الموت سوريا؟
2 يونيو، 2016
أوراسيا ريفيو –
في أعقاب حالة الرعب التي لا يمكن تصورها بعد الحرب العالمية الثانية، ألزم المجتمع الدولي نفسه بعدم السماح لمثل هذه الأعمال الوحشية أن تقع مرة أخرى مطلقا دون عقاب. ولكن كما هو الحال مع العديد من جرائم الإبادة الجماعية المأساوية التي وقعت منذ ذلك الحين، بما في ذلك البوسنة ورواندا، نشهد الآن تدميرا ممنهجا لسوريا وشعبها دون أن يتحرك الضمير الإنساني، وهو خزي يتحمله كل رؤساء دول العالم.
أصبحت سوريا قطعة شطرنج في أيدي تجار الموت، وقامت الدول والجماعات المتطرفة المختلفة بتوظيف حياة السوريين بلا رحمة من أجل تعزيز مخططاتهم السياسية الضيقة. ولا يبدو أن الحقيقة التي تنص على موت أكثر من 300000 سوريا، وإصابة ضعف هذا العدد، ووجود أكثر من 12 مليون لاجئا أو نازحا داخليا ترعب إيران أو روسيا، اللتين قدمتا دعما قويا لنظام الأسد.
فقد استمروا في دعم آلة القتل التي يستخدمها الأسد فقط من أجل تأمين مصالحهم، وهو ما كان يمكن أن يتم دون أن يراق دم مواطن سوري واحد. ولكن هذه هي الطريقة التي يعبر بها خامنئي عن أسلوبه في الرحمة والشفقة، وهذه هي الطريقة التي يتظاهر من خلالها بوتين بأنه يعتني بالشعب السوري.
لقد تم سحق أجساد وأرواح جيلين من السوريين، وتم تحطيم آمالهم وأحلامهم، وتم الاستيلاء على كرامتهم وعزتهم، وينام ملايين السوريين على أمل أن يستفيقوا كل صباح من الكابوس الذي يطاردهم لكي يجدوا أن الحياة الكابوسية هي مصيرهم.
ومن الصعب أن نفهم تماما كيف تلاقىت العديد من الجماعات العنيفة المتطرفة في سوريا، والتي تتنافس ويقتل بعضها بعضا، وكيف يمكن لهذا الجنون أن يطمس عقولهم وأن يسود بينهم حَكما. وما هي طبيعة هذا الحمض النووي لهذه الجماعات ،خاصة جيش الأسد والدولة الإسلامية، الذي قادهم إلى ارتكاب مثل هذه الأعمال الوحشية بثبات ورباطة جأش منقطعة النظير؟
نحن نعيش في عالم بلا قيادة، وفي عصر تحول فيه الرضا عن النفس إلى فضيلة، وعدم الاكتراث إلى راحة، ونقص الشجاعة إلى مناورة حذرة، وعدم وجود حل إلى وسيلة للخلاص.
لا يستطيع المجتمع الدولي بأسره أن يحشد الموارد والالتزام الأخلاقي اللازم لإنهاء ذبح مئات الآلاف من الرجال والنساء والأطفال. فهل من الغريب أن تتكرر مثل هذه الأعمال الوحشية مرارا وتكرارا؟ وكان من الممكن لوضع خطة عمل واستراتيجية لإنهاء الحرب الأهلية في وقت مبكر أن يمنع وقوع تلك المذبحة في سوريا.
وعندما يفشل المجتمع الدولي أمام اختبار الزمن، ويصبح الفشل هو دليل المستقبل، فلماذا يجب على أية دولة أن تُخضع أمنها القومي لأهواء الدول الأخرى أو الأمم المتحدة، حيث تسود أجندة السياسة لا الإنسانية على جدول أعمالها؟
والآن، عندما اتفقت الولايات المتحدة وروسيا على وضع حد للمأساة السورية، يجب أن يتأكدا من أن أي حل مستقبلي يجب أن يأخذ موقف الجماعات والطوائف المختلفة في الحسبان.
أولا: يجب تأسيس حكومة انتقالية ممثلة تعكس التركيبة الديمجرافية لسوريا، وتتألف من البيروقراطيين المهنيين وتبقى في السلطة لمدة خمس أو سبع سنوات على الأقل. ويجب أن تركز هذه السلطة الحاكمة على إعادة بناء البنية التحتية والمدارس والعيادات والمستشفيات والحفاظ على الأمن الداخلي والانخراط بشكل منهجي في عملية المصالحة لمنع الانتقام والأخذ بالثأر.
ثانيا، مهما يكن من حقارة الرئيس الأسد، إلا أنه يجب أن يكون جزءا من أي حل سياسي ربما لمدة سنتين أو ثلاث سنوات من الفترة الانتقالية. وهذا لن يساعد فقط على تسهيل الحل ولكن سيسمح بالحفاظ على المؤسسات الرئيسية في سوريا، وخصوصا الجيش والأمن الداخلي، والاستخبارات، والنظام البيروقراطي لمنع تفكك البلاد طالما أن هذه الكيانات لازالت تخضع للحكومة المركزية الانتقالية.
ثالثا: لا يمكن خلال هذه المرحلة أن يتم تبني فكرة إنشاء ديمقراطية في أي حل من خلال كتابة دستور جديد وإقامة انتخابات عامة قبل انقضاء فترة الحكومة الانتقالية.
ولا يجب على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أن يفترضا ببساطة أن القيم السياسية الغربية يمكن تطبيقها أو أن مثل هذه الفكرة يمكن أن تنجح حتى في المدى القصير أو الطويل. فقد فشلت الجهود التي بذلتها الولايات المتحدة في إقامة الديمقراطية في ليبيا ومصر والعراق قبل الأوان فشلا ذريعا، وينبغي ألا تتكرر هذه التجربة.
رابعا: يجب أن يتجنب الحل في سوريا أي تفكير غير واقعي يقضي بأن البلاد يمكن أن يتم توحيدها مرة أخرى ببساطة إذا أصبحت المصالحة بين الطوائف المتناحرة عملية طبيعية. حيث ستحتاج كل جماعة إلى وقت للتفكير والتداوي.
ويجب إعطاء السنة والعلويين والمسيحيين والأكراد على وجه الخصوص المساحة والوقت الكافي لاعادة تنظيم أنفسهم من جديد. وينبغي الترحيب بالخطوة التي طرحها الأكراد السوريون من أجل إقامة “نظام فيدرالي ديمقراطي” من أجل تجنب الصراعات الداخلية التي لا بد أن تحدث.
خامسا: يجب على الغرب أن يفكر جنبا إلى جنب بالتزامن مع روسيا من أجل وضع استراتيجية شاملة تتضمن إدخال قوات برية كبيرة لهزيمة الدولة الإسلامية وهو ما من شأنه أن يساعد أيضا في وقف الاضطرابات الجارية في المنطقة. والواقع أن استمرار وجود الدولة الإسلامية في سوريا يمكن أن يقوض بسهولة أي اتفاق سلام، وهو ما يجعل القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية شرطا أساسيا للتوصل إلى حل دائم.
سادسا: من المحتمل أن تستمر الحرب الدائرة بين السنة والشيعة في العراق لفترة طويلة من الزمن، وربما لعقود. وأصبحت سوريا هي أرض المعركة بين الجانبين المتنافسين ،إيران الشيعية والمملكة العربية السعودية السنية، من أجل الهيمنة الإقليمية التي لن تهدأ في أي وقت قريب.
ويجب على البلدين أن يلعبا دورا هاما في أي حل للحرب الأهلية في سوريا، بدون التخلي بالضرورة عن مصالحهم في البلاد. ومن ناحية أخرى، لن يخرج كلا البلدين من سوريا دون خسائر.
وعلاوة على ذلك، سوف يكون إيجاد حل للحرب الأهلية السورية في الواقع بمنزلة حل للصراع بين السنة والشيعة إلى حد كبير. ويمكن لكلا الجانبين البناء على ذلك الحل، واحتمال استعادة الوضع السابق الذي كان سائدا قبل الحرب على العراق.
لا يجب أن تذهب التضحيات التي لا يمكن تصورها التي بذلها الشعب السوري هباء. النظام الدولي والأخلاقي على المحك. وإذا فشل المجتمع الدولي في التحرك الآن، فإن الأجيال القادمة سوف تذكر كيف فقدت الأمم المتحدة بوصلتها الأخلاقية وإنسانيتها، بما يعرض العالم بأسره لأيام قاتمة في المستقبل.