‘علي العبد الله يكتب: الرقة على صفيح ساخن’
4 يونيو، 2016
علي العبد الله
رغم قيام الادارة الاميركية بتنسيق عملية تحرير الرقة من “داعش” مع كل من السعودية وتركيا ومحاولتها طمأنتهما بطرق متعددة، من رفض تقديم دبابات وراجمات صواريخ لقوات سوريا الديمقراطية، الى منع هذه القوات من التوجه الى منطقة غرب الفرات(جرابلس – منبج)، وتأكيدها على عدم الاعتراف بأي كيان كردي، بما في ذلك الادارة الذاتية القائمة، فإن اختيارها لقوات سوريا الديمقراطية لتحرير الرقة من “داعش” أدى الى استفزازهما واستفزاز أكثر من جهة منخرطة في الصراع في سوريا وعليها. فالمعارضة السورية بمستوييها السياسي والعسكري رأت في الاختيار وصفة لحرب أهلية عربية كردية في ضوء ممارسات “وحدات حماية الشعب”، التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي(الكردي)، والتي تشكل معظم القوات التي حُشدت لتحرير الرقة، عددها وفق بعض التقديرات بحدود الـ 12 ألف مقاتل، في مناطق عربية او مختلطة سيطرت عليها في المراحل السابقة ان في تل حميس وجنوب الرد وتل ابيض، وخاصة بلدة سلوك التي باتت فارغة من سكانها العرب، او في الشدادي حيث قامت، وفق معارضين ومنظمات دولية، باعدامات لشباب من هذه المناطق، بذريعة تعاونهم مع “داعش”، ومنعت ابناء هذه المناطق من العودة الى قراهم بعد انتهاء المعارك، ناهيك عن رد فعل سكان الرقة نفسها الذين عبروا عن هواجس ومخاوف من دخول القوات الكردية الى مدينتهم، وقد زاد في درجة استفزاز المعارضة اعلان ممثل حزب الاتحاد الديمقراطي في كردستان العراق الاستاذ غريب حسو عن ضم الرقة بعد تحريرها الى الفدرالية، التي كان “تجمع سوريا الديمقراطية” قد اعلن عن تبنيها في مؤتمر رميلان يوم 17/3/2016، حاولت قيادة قوات سوريا الديمقراطية تخفيف الهواجس والمخاوف بالاعلان ان قواتها لن تدخل الى المدينة وانها ستحميها من الخارج، كما حاول الاستاذ صالح مسلم في مقابلة له مع وكالة الأنباء الألمانية احتواء رد الفعل بالقول: “بعد التحرير سيكون هناك مجالس إدارة مدنية ومحلية هي من تقرر أمر الرقة وشؤونها، مثلما صار في تل أبيض وغيرها من المناطق التي تم تحريرها. وأهل الرقة سيكونون أحرارا في اختيار من يريدون أن يحكمهم”، لكن كلامه جاء بمثابة صب الزيت على النار لان ما تم في تل ابيض عمليا هو الحاق المنطقة بالادارة الذاتية عبر تشكيل مجلس محلي مُسيطر عليه. النظام السوري الذي يحاول، وبشتى الطرق، اغواء الادارة الاميركية علها تقبله شريكا في محاربة الارهاب، أنتقد ارسال قوات اميركية الى الاراضي السورية، وعبّر عن استيائه من حزب الاتحاد الديمقراطي لقبوله التنسيق مع واشنطن بعد ان كان دعمه بطرق شتى وتغاضى عن مواقفه وممارساته وتعاون معه ومده بالدعم العسكري واللوجستي. موسكو هي الأخرى لم ترتح للانفراد الاميركي في تقرير مصير الرقة ونيل شرف تحريرها من “داعش” فقد انتقدت ارسال قوات خاصة أميركية الى شمال وشرق سوريا واعتبرته خرقا للسيادة السورية وطالبت واشنطن بتنسيق تحركها مع النظام السوري، وعند الاعلان عن بدء عملية تحرير الرقة اعلن وزير خارجيتها أن موسكو مستعدة للتنسيق مع التحالف الكردي العربي ومع التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، لشن هجوم من أجل طرد تنظيم “الدولة الإسلامية” من الرقة، وقال جازما “أقول بكل ثقة إننا مستعدون لمثل هذا التنسيق”. لكن رد واشنطن جاء بالرفض لانها رأت في الطلب مدخلا لاستدراج اشتراك قوات النظام والميليشيات التي تقاتل الى جانبه. تركيا كانت الاكثر استفزاز من الاختيار الاميركي، فقد أصرت على الاعتماد على المقاتلين العرب في تحرير الرقة، ردت واشنطن برفع نسبة المكونات العربية التي تقاتل تحت راية قوات سوريا الديمقراطية مثل: “لواء تحرير الرقة” و “جبهة ثوار الرقة” و “جيش العشائر” و “لواء أحرار عنزة” و “كتائب شمس الشمال”، بالاضافة الى”قوات النخبة السورية” التي تتبع “تيار الغد السوري”، لكن ذلك لم يقنع أنقرة التي ارتفعت حدة رد فعلها وتنوعت انتقاداتها من اتهام الادارة الاميركية بـ “الكيل بمكيالين” الى الاعلان عن خيانتها لتركيا لعدم تنفيذها الوعود التي قدمتها بخصوص طبيعة تعاونها مع حزب الاتحاد الديمقراطي(الكردي) وحدوده، وجاء الكشف عن وضع القوات الخاصة الاميركية شارات الحزب المذكور لتؤجج الانفعال التركي حيث دعا وزير الخارجية التركي القوات الاميركية الى وضع شارات “داعش” و “النصرة” في المرة القادمة. يبقى ان اختيار قوات سوريا الديمقراطية للقيام بتحرير الرقة، والثمن الذي ستقدمه واشنطن لهذه القوات، خاصة وان تقديرات المحللين العسكريين تتوقع ان تكون المعركة طويلة وقاسية وكثيرة الضحايا، والهدف النهائي للعملية غير واضح حيث اختلفت تقديرات المحللين بين القول بانها اختارت هذه القوات لاشغالها بعيدا عن توجهها الرئيس بالتوجه الى منطقة جرابلس ومنبج لاستكمال حدود الكيان الذي تسعى لاقامته وبذلك تضرب عصفورين بحجر واحد: تطمين تركيا وتحرير الرقة، في حين رأت تقديرات أخرى ان نجاح هذه القوات في تحرير الرقة سيفتح لها طريق جرابلس منبج في ضوء فشل المعارضة العسكرية السورية في طرد “داعش” من هذه المنطقة، كما اختلفت التقديرات حول الهدف من العملية أهو اضعاف “داعش” أم القضاء عليه حيث رجحت تقديرات الخيار الاول: الاضعاف، لان وظيفة الصراع في سوريا وعليها لم تنته بعد، ما يجعل بقاء “داعش” في المعادلة ضرورة، في حين رأت تقديرات أخرى ان القضاء على “داعش” بات ضرورة لانه جزء رئيس في الخطة ب الاميركية التي تسعى من خلال القضاء على “داعش” وضع النظام امام معادلة جديدة ليس فيها الا النظام والمعارضة السورية ما يضطره للقبول بالحل السياسي المطروح في القرارات الدولية ذات الصلة.
المصدر: المدن
علي العبد الله يكتب: الرقة على صفيح ساخن على ميكروسيريا.
ميكروسيريا –