صدى الشام تفتح ملف الجرحى السوريين… أكثر من 5% من السوريين جرحى حرب…وما يزيد عن 120 ألفا من المعاقين أو مبتوري الأطراف
5 سبتمبر، 2016
يعتبر ملف الجرحى والمعاقين في سوريا واحدا من أقسى المواضيع الإنسانية التي يعيشها المجتمع السوري، لا سيما مع زيادة أعداد المعاقين والمصابين نتيجة المعارك والقصف المتكرر على المدن السورية، ومعها يفقد هؤلاء جزءا من أعضاءهم، ويعانون يوميا من ظروف إنسانية ومعيشيه سيئة، فرضها عليهم الواقع الجديد الذي ينبغي لهم التعايش معه طوال عمرهم.
ورغم عدم وجود إحصائيات دقيقة وحديثة لأعداد الجرحى والمعاقين في سوريا جراء الحرب، فإن السنوات الأربع الأولى من عمر الثورة السورية شهدت بحسب دراسة أعدها فريق “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، في منتصف عام 2014 واستمرت لأشهر طويلة، “إصابة ما لا يقل عن مليون ومئة ألف سوري نصفهم تقريبا من الأطفال والنساء”، بينما توصلت المسوحات ذاتها إلى وجود “10% إلى 15% من حالات إعاقة أو بتر للأعضاء من هذه الأرقام، أي بما يقدر بـ 120 ألف حالة”.
في ظل الأرقام الكبيرة لحالات لأعداد الجرحى والمعاقين في سوريا، والتي تتزايد يوميا مع اشتداد وتيرة القصف والمعارك، يفتقد القطاع الطبي في سوريا للإمكانيات والمقدرة على مساعدة هذه الحالات، وتتزايد مع ندرة الأجهزة الطبية الحديثة، وغرف العمليات فرص بتر الأطراف ما يخلق واقعا مأساويا لهؤلاء الجرحى، ويمنعهم من مواصلة حياتهم بشكل اعتيادي.
أشهر طويلة لن ينساها أحمد، قضاها متنقلا في المشافي التركية يبحث عن علاج لساقه اليمنى بعد بترها جراء إصابته بلغم أرضي في أحد المعارك. يقول أحمد عن رحلة علاجه التي يصفها بالشاقة: “لا أذكر كيف حدثت الإصابة بالضبط لكني استيقظت ونظرت إلى جسدي محروقا وبه الكثير من الكسور، كانت المفاجئة أن لا أرى ساقي اليمنى وأحسست بعجزي عن تحريكها، أصابني اليأس وشعرت بأن حياتي ستصبح جحيما بعدها”.
تنقل أحمد بين مشافي أنطاكيا تعافيه من الإصابة خلال بضعة أشهر، بدأ بالبحث عن جزء صناعي يساعده في حركته: “كنت محظوظا لأن الفصيل الذي أقاتل معه تكفل بنفقات علاجي، وأرسلني إلى مشفى خاص في مدينة أضنة التركية، بقيت هناك قرابة الشهر ريثما تم أخذ قياس الساق والمفصل، وبعدها تم تأهيلي عضليا وفيزيائيا لأتعايش مع الطرف الجديد. كانت لحظات عصيبة تخللها الكثير من الصعوبات، لكنها مضت وأنا الآن أعيش حياتي بشكل شبه طبيعي لأنني استطعت أن أتأقلم مع وضعي الجديد”.
يعترف أحمد أن وضعه كان أفضل من آلاف المصابين الآخرين الذين تعج بهم المشافي والمراكز الصحية التي رآها، فالكثير من المصابين خاصة في سوريا لا يحظون بفرصة تركيب أطراف صناعية لارتفاع تكاليفها، وإغلاق الحدود التركية، بالإضافة للحصار الذي يلعب دورا كبير في منع بعضهم من التنقل.
وفي السياق ذاته يعزو الطبيب محمد الشيخ، العامل في ريف اللاذقية، سبب ارتفاع حالات بتر الأطراف في سوريا لأسباب عديدة أهمها “حالات النزيف الحادة التي تسبب التهابات وانتانات ناتجة عن طول المدة التي قضاها المصاب للوصول إلى المركز الطبي”. فكلما طالت المدة كلما توسعت الالتهابات وأصبح معها العلاج أصعب، وفق رأيه.
ويضيف طبيب العظمية أن “نقص الخبرة الطبية، والضغط الكبير في حالات الإسعاف خاصة عند وجود عدد كبير من المصابين، مع نقص الكادر الطبي تؤدي إلى اتخاذ الحل الأسرع وهو البتر لأن بعض المشافي تعجز عن تقديم الرعاية الطبية، بينما يمكن أن يؤدي التأخر في علاج المصاب إلى التسبب في خطر على حياته”.
مشاريع وبادرة أمل:
يعتبر المشروع الوطني للأطراف الصناعية ومركزه مدينة الريحانية التركية، واحدا من أكبر المشاريع المهتمة بتركيب الأطراف الصناعية للجرحى السوريين بشكل مجاني.
وبحسب مدير المشروع، الطبيب رائد المصري، فقد بدأ العمل قبل أربع سنوات انطلاقا من مركز الريحانية بكادر طبي قليل وخبرة ضعيفة لمساعدة عدد من مصابي الحرب، ومع مرور الوقت ومساندة بعض الجمعيات والمنظمات الطبية العاملة، توسع المشروع وتم افتتاح مركزين لتركيب الأطراف الصناعية في ريف إدلب بشكل مجاني، كما تم تخصيص كرفانة متنقلة لمساعدة المصابين في مرحلة العلاج الفيزيائي.
وحول آلية العمل أجاب المصري في حديثه الخاص لـ”صدى الشام” أنّ: “المصاب بعد تعافيه من الإصابة يخضع لفحص يحدد إمكانية تركيب طرف، ويتم تأهيله عضليا وفيزيائيا خلال مدة شهر تقريبا”، موضحا أن “نوعية الأطراف التي يقوم المركز بتأمينها هي ميكانيكية وليست الكترونية بسبب ارتفاع تكاليف الأخيرة”.
وأضاف مدير المشروع أن المركز استطاع تركيب حوالي 3500 طرف علوي وسفلي خلال السنوات السابقة، ويجري العمل حاليا، وفق قوله، على تدريب كوادر جديدة بمساعدة جامعة أنقرة لإعدادهم للعمل مستقبلا في هذا المجال.
وعن أهم الصعوبات التي تواجه المشروع، أجاب المصري أن “الأعداد الكبيرة من المصابين وعدم قدرة المركز على تلبية احتياج هذه الأعداد الكبيرة، ونقص الخبرات الكافية هي أهم المشاكل التي تعيق العمل”.
مشروع آخر يعنى بالمصابين أقيم في مدينة غازي عنتاب التركية باسم مشروع “الساير للأطراف الصناعية وإعادة التأهيل”. وبحسب ما يوضح القائمون على الورشة، فإن المعمل يقدم خدماته مجانا بطاقم عمل سوري يشرف عليه خبراء أتراك وبدعم من شركة ألمانية مختصة.
وفي هذا السياق، أوضح الفني أسامة الحناوي في حديث صحفي سابق لوسائل إعلامية، أن: “العمل يبدأ بتصميم طرف تجريبي من مادة السيلكون لتفادي الأخطاء الممكنة، ليتم بعدها صناعة الطرف النهائي من مواد معدنية بإدخال مواد كيميائية تستورد من شركة ألمانية يجري التعاون معها”.
وأوضح الحناوي أن القدرة الإنتاجية للورشة تصل إلى 60 طرفا شهريا، لكن العمل يجري حاليا على إنتاج بين 12 إلى 15 طرف شهريا فقط وتضم الورشة أقساما مختلفة منها قسم الأفران والجبس، قسم الكيمياء، قسم المكنات، وقسم الميكانيك الذي يتم به تجميع الطرف، بالإضافة لمستودع رئيسي للتخزين، وفق قوله.
وأضاف الاختصاصي أن “الورشة تحوي أجهزة متطورة وتنتج أطرافا مكفولة لمدة عشر سنوات كمتابعة دورية، كما أنها قادرة على تصنيع جميع أنواع الأطراف لكنها حاليا تنتج أطرافا حركية فقط بسبب ارتفاع تكاليف إنتاج الأطراف العضلية والذكية”.
صعوبات مادية في الداخل السوري:
قبل أشهر قليلة تمكن عدد من الأطباء والفنيين السوريين المختصين من إنشاء أول مركز لتركيب الأطراف الصناعية في ريف درعا الشرقي باسم مشروع “حياة للأطراف الصناعية”.
وفي تصريح خاص لجريدة “صدى الشام” قال الدكتور قاسم حسيان، مدير المشروع، إن “الدعم المقدم حاليا للمشروع هو دعم جزئي فقط من رابطة أهل حوران، لتركيب 175 طرفا صناعيا فقط، علما أن إحصائية المبتورين لدينا تضم قرابة 500 شخص في الجنوب السوري جميعهم بحاجة لأطراف صناعية، بينما دعم المنظمات والهيئات هو دعم جزئي لا يسد الحاجة لهؤلاء المرضى”.
وتتمثل الصعوبات حاليا وفق حسيان، في تأمين مواد الأطراف الصناعية وغلاء أسعارها مع شح الدعم المالي، وهو ما يشكل عبئا كبير جدا على المشروع وفق قوله. مضيفا أن “ثمن الطرف الصناعي يكلف المشروع من 900 إلى 1200 دولار، كما أن المرضى بحاجة لوسائل مساعدة على المشي من عكازات وكراسي عجزة أثناء فترة العلاج، ومشروعنا غير مدعوم حتى تاريخه بهذه الوسائل”.
مركز آخر تم إنشاؤه حديثا في مدينة دوما بريف دمشق قبل حوالي 9 أشهر، يحمل اسم “المركز التخصصي للأطراف الصناعية” ويعمل على تركيب أطراف صناعية سفلية حاليا، تنتج معظمها من مواد محلية وبجهود ذاتية.
ووفق تصريحات صحفية سابقة لمدير المركز الدكتور راتب حمادة قبل نحو شهرين، تتراوح الطاقة الإنتاجية للمركز بين 15 إلى 20 طرفا سفليا في الشهر، وهو لا يتبع لأي جهة. وقد استطاع المركز تأمين 37 طرفا سفليا منذ بداية عمله، إلا أن هذا الرقم يعتبر ضئيلا قياسا لعدد الحالات في المنطقة والتي تبلغ بحسب إحصاءات جمعية الصحة الخيرية حوالي 1500 إعاقة بتر سفلي في غوطة دمشق.
الحصار يعيق علاج آلاف المصابين
تعاني المناطق الشرقية في سوريا من الإهمال الطبي والغياب التام لعمل المنظمات الطبية. ومع استمرار المعارك والقصف الجوي يزداد عدد المعاقين يوميا. وبحسب البراء الطه، مدير مكتب الدفاع المدني التابع للمجلس المحلي في المناطق المحررة من دير الزور، فإن “مجمل المنطقة الشرقية تخلو من أي مركز لصناعة أو تركيب الأطراف الصناعية كونها تحتاج إلى كادر مختص وأجهزة معينة، وهي غير متواجدة في تلك المناطق، كما أن أغلب مراكز العلاج الفيزيائي التي كانت تعمل في المنطقة الشرقية توقفت بسب سفر كوادرها من أطباء مختصين وعاملين”.
ويضيف الطه في حديثه الخاص لـ”صدى الشام”: “أغلب الجروح المتوسطة في المنطقة الشرقية تؤدي الى بتر الأطراف، وذلك بسب غياب الأدوية والأدوات الضرورية للعلاج، في الوقت الذي ترتفع فيه أعداد الإصابات بسب استمرار المعارك على جبهات المدينة، كما أن هذا الوضع يشمل المناطق المحاصرة التي يسيطر عليها النظام حيث تنطبق عليها ذات الشروط والمشكلات”.
وتتمثل أهم المشكلات وفق الطه في “غياب الكادر الطبي، وغياب الأجهزة الضرورية، وصعوبات في نقل المصابين بين المناطق بالإضافة إلى الضعف المادي”.
ويقسم المصابون إلى فئتين:
1- قديم: من جرحى الفصائل المقاتلة في دير الزور قبل سيطرة “تنظيم الدولة الإسلامية” وهؤلاء يشملون عدة فصائل، أغلبهم يعاني من الإهمال وفقدان الظروف المناسبة للعلاج، وغالبية المصابين من الفصائل لا يزالون يعانون من آثار إصاباتهم السابقة، وهم عاجزون عن استكمال علاجهم بسب الضعف المادي.
2- جديد: وهم المصابون بعد دخول تنظيم الدولة الإسلامية، حيث يتكفل تنظيم الدولة بعلاج العناصر(المبايعين) فيما يتم إهمال “الأنصار”، وعلاج اغلبهم يتم داخليا حيث يكون مصيرهم بتر الأطراف.
تتكرر المعاناة نفسها في ريف حمص الشمالي وحي الوعر مع الحصار الذي تفرضه قوات النظام على هاتين المنطقتين، حيث لا وجود لأي مركز تصنيع للأطراف، ويمنع المصابون المطلوبون أمنيا للنظام في هذه المنطقة من مغادرتها للعلاج، فيما يضطر بعض المدنيين للمغامرة والخروج عبر حواجز النظام للعلاج.
وبحسب إحصائية حديثة نقلها لنا الناشط الإعلامي يعرب الدالي في ريف حمص الشمالي عن مكتب الإغاثة في حمص، فإن أكثر من 800 شخص لديهم بتر في أحد الأطراف في حمص معظمهم لم يتم تركيب أطراف صناعية لهم.
ووفق الدالي تم افتتاح مركز “شمس للعلاج الفيزيائي” سابقا لمدة 4 أشهر، لكن وبسبب “غياب التمويل أغلق المركز الذي كان من المقرر أن يعنى بهذه الحالات”.
مناشدات إنسانية
يروي محمود، وهو شاب من مدينة تلبيسة بريف حمص، الظروف الصعبة التي يعيشها. فبعد إصابته بقصف قذيفة هاون قبل حوالي عام، خضع لفترة علاج طويلة تنقل فيها بين عدة مشافٍ في ريف حمص قبل أن يتم بتر ساقه اليسرى.
لا يجد محمود المقعد حاليا أي وسيلة للخروج من ريف حمص للعلاج وتركيب طرف صناعي، رغم أنه مستعد، وفق قوله، لدفع كل ما يملك في سبيل ذلك.
يتمنى الشاب المعيل لأفراد أسرته المكونة من طفلين وزوجة أن يتمكن من المشي قريبا ليعيلهم، خاصة أنه يعيش ظروفا اقتصادية ونفسية سيئة في ظل عجزه عن العمل والتنقل.
ويناشد محمود في حديثه الخاص لـ”صدى الشام”، الهلال الأحمر ومنظمات الأمم المتحدة أن تعينه على الخروج للعلاج مع جميع المصابين، خاصة أن معظمهم يعيش ظروفا مشابهة لوضعه.
خمسة أعوام من الحرب كانت كفيلة بالتسبب بوجود آلاف المعاقين والجرحى، لكل واحد منهم قصة إنسانية ومعاناة مؤلمة تختلف أوجهها. وبينما لقي البعض منهم تعويضا بسيطا عن إصابته ومساندة من قبل الجمعيات والأطباء المهتمة، ما يزال الآلاف من المعاقين ينتظرون دورهم للحصول على فرصة تركيب طرف صناعي يعينهم قدر الإمكان على تجاوز الصعوبات. أمنية قد تبدو حاليا صعبة المنال في ظل تصاعد كبير في أرقام حالات البتر، وفي ظل غياب الاهتمام الكافي، وتوفر الإمكانيات المادية، والأخصائيين، خاصة في المناطق المحاصرة من سوريا وفي مناطق تواصل القتال والقصف الوحشي المتصاعد على المدنيين.