تراث المونة في سورية ينهار بانهيار الدخل.. تموين المكدوس والفول والبازلاء أصبح من أرشيف الذكريات

6 سبتمبر، 2016

مع دخول أشهر الصيف يبدأ التحرك لموسم “المونة” والذي يعتبر عادة اقتصادية ذات طابع اجتماعي عكفت عليها الأسر السورية منذ زمن، لتحقيق أهداف اقتصادية أولها الحصول على المواد الغذائية “الخضار والفواكه” الصيفية في الشتاء، حيث تقوم الأسر بتموين هذه الخضار والفواكه في الصيف، حين يكون عرضها في السوق كبيراً وأسعارها مقبولة، لتستهلكها في الشتاء.

قبل الثورة السورية، كانت هذه العادة الاقتصادية تسير وفق خطى ثابتة، فأسعار الخضار كانت رخيصة نوعاً ما، ولكن بعد اندلاع الثورة ورفع حكومة النظام أسعار مستلزمات الإنتاج من محروقات وكهرباء وسماد وبذار وتوقف القروض الزراعية، وتقلص المساحات المزروعة في سورية، تغيرت الموازين كثيراً، فأسعار الخضار حتى في فصل الصيف -أوقات توفرها- باتت عالية جدا، وترافق ذلك مع ضعف القدرة الشرائية لمعظم المواطنين السوريين حيث انخفض الإقبال على تموين المواد لأكثر من 60%، وباتت هذه العادة الاقتصادية حكراً على الميسورين.

التقليد المتبع في التموين تغير كثيراً، فحالياً معظم الأسر تتبع أساليب الأجداد في تجفيف المونة عوضاً عن وضعها في الثلاجات التي باتت لا تعمل إلا ساعتين أو 4 ساعات في اليوم بأفضل حالاتها، نتيجة انقطاع الكهرباء، فخسائر كثيرة تعرضت لها الأسر السورية سابقاً نتيجة هذا الأمر، وتعرض ما قامت بتموينه إلى التلف. أما حالياً، فالبازلاء والبامياء والفول والباذنجان والكوسا والبندورة يتم تجفيفها، لكن مع دخول شهر أيلول، تبدأ الأسر بالبحث عن حلول لمتطلباتها المعيشية، حيث تشهد هذه الأيام ثالوثا مرعبا للأسر السورية…العيد، المدارس، والمكدوس.

 

المكدوسة تكلف 85 ليرة

باحث في حماية المستهلك لفت في تصريحه لـ”صدى الشام”، أن هناك إقبال ضعيف على موسم مونة المكدوس لضعف دخل معظم المواطنين، مشيراً إلى أنه في ظل انخفاض القوة الشرائية للمستهلك وتآكل دخله، فلا مجال لقيامه بتموين المكدوس، ويقتصر هذا الأمر على العائلات الميسورة إن وجدت، أو تلك التي تردها معونات مالية من أقاربها في الخارج، مضيفاً “العادات الاستهلاكية السابقة والتي كان المستهلكون يتقيدون باحترامها من تموين للمكدوس أو لغيره من المونة قد تلاشت وانعدمت بانعدام الدخل”.

 

تتراوح أسعار الباذنجان البلدي أو الحمصي بين 100 و125 ل س للكغ، في حين يتوقع ارتفاع السعر لزيادة الطلب إلى 200 ل س، ويحتوي كيلو الباذنجان حسب حجم الباذنجانة الوسطي، على 14 باذنجانة. وبحساب تكلفة مكونات المكدوس يتبين ما يلي:

10 كغ باذنجان × 200 = 2000 ل. س، 1 كغ جوز × 4000 = 4000 ل.س، 1 كغ فليفلة حمرة مفرومة بـ1000 ليرة، نصف كيلو غرام من الثوم، بسعر 700 ليرة، استهلاك للغاز يقدر بـ400 ليرة، 2 كغ زيت الزيتون × 1500 = 3 آلاف ليرة، لنصل إلى مجموع وهو: 11100÷140=78.5 ل س، أي تكلفة المكدوسة الواحدة تتراوح بين 80 ل س و85 ل.س حسب كلفة المكونات المستخدمة، ويمكن عدم احتساب تكلفة الزيت إذ أن بعض العائلات تفضل وضع المكدوس جافا في الفريزة وعند استخدامه يصب عليه الزيت.

 

الأسر تمون نصف حاجتها فقط

بالمقابل وجد بائع خضار، أن الإقبال على شراء الباذنجان إلى هذه اللحظة يعتبر منخفضاً، مقارنة مع العام الماضي، رغم أن أسعار الباذنجان تعتبر مقبولة، فسعر الكيلو يصل إلى 100 ليرة، ولكن الإقبال منخفض كثيراً، وهذا عرض البضائع للتلف، أي الخسائر لحقت بالتجار نتيجة عدم الإقبال على الشراء.

وأرجع البائع ذلك إلى الوضع الاقتصادي المتردي لمعظم المواطنين، والتوقيت أيضاً، فالأسر مشغولة بمستلزمات المدارس والعيد، وهذا يكلفها الكثير، مشيراً إلى أن معظم بائعي الخضار خفضوا كميات الباذنجان والفليفلة المعروضة ضمن محلاتهم لأكثر من 50% مقارنة مع العام الماضي، وذلك لأن هذا النوع من الخضار لا يستطيع التحمل كثيراً في ظل ارتفاع درجات الحرارة وعدم تصريفه بسرعة، ما يعرضه للتلف.

 

المؤونة باتت من الكماليات

أم رامي، ربة منزل من سكان مدينة دمشق، أكدت لـ”صدى الشام” أن هذا العام لن يختلف عن العام السابق، بل هو أسوأ منه، من حيث المونة وخاصة المكدوس، فهو بات ضمن خانة “المحظورات” و”حلما صعب التحقيق، وذلك لارتفاع تكاليفه”، في حين رأى أبا خالد، أنه سيقوم بشراء المكدوس، ولكن بنصف الكمية التي كان يمونها العام الماضي، حيث كان يمون 30 كيلو غراماً في حين سيقوم بشراء 15 كيلو غراماً هذا العام، وذلك لارتفاع أسعار مستلزمات المكدوس من زيت وجوز وثوم وغيرها بشكل كبير.

أبو كريم يعمل سائقاً لسرفيس قال: “كانت مأكولات المونة جزءاً لا يتجزأ من بيوتنا، فقراء أو أغنياء، ولكنها اليوم صارت مأكولات الأغنياء فقط، والدراويش أمثالنا ليس لهم سوى الله يشكون له الفاقة وقلة الحيلة، ولم يعد هناك أمل أن تنصفنا الجهات المعنية. كلفة المكدوسة تتجاوز 100 ليرة، فكيف لي أن أقوم بتموين المكدوس وأنا أعمل ليل نهار لكي ألبي حاجة أسرتي من لباس وطعام بحدوده الدنيا فقط، اعتقد أن الفلافل أفضل”.

أما أبو شادي، وهو موظف ورب لأسرة مكونة من 7 أشخاص، قال لـ”صدى الشام”: “إذا أقدمت على هذه الخطوة فإني سأنفق عليها راتبي كله، كي أستطيع أن أنعم بتناول مكدوسة واحدة صباحاً، فهل أضع كل راتبي الشهري ثمنا للمكدوس وأبقى طوال الشهر دون أي مصروف؟ سابقاً كانت مونة المكدوس تكلف 5 آلاف ليرة بأحسن حالتها، أما حالياً فهي تكلف من 15 إلى 30 ألف ليرة حسب الكمية والنوعية، وراتبي الحالي لا يكفني ثمناً لشراء الأساسيات فهل أعكف على شراء الرفاهيات..نعم للأسف بات المكدوس من الرفاهيات، يمكن الاستغناء عنه، فهناك أمور أكثر أهمية منه؛ الخبز وحده يكلفني شهرياً أكثر من 4 آلاف ليرة، هذا الخبز فقط، لم أقل لك شيء عن أجور الاتصالات والمواصلات والأطباء والألبسة والمدارس والطعام والفواتير الأخرى”

 

تغيير المواصفات لمواجهة الأسعار

المقبلون على شراء المكدوس قاموا بمجابهة الأسعار عبر تغيير المحتويات والتلاعب بالمواصفات؛ فاللوز أو الفستق بدلاً من الجوز، كونهما أقل ثمناً، رغم أن مذاق المكدوس سيتغير بالتأكيد، إذ جرت العادة على استخدام الجوز البلدي. كما تقوم معظم الاسر باستخدام زيوت نباتية خفيفة بدلا من زيت الزيتون الذي ارتفعت أسعاره بشكل كبير، كما يقلل البعض من كمية “الحشوة” تخفيفا للتكلفة.

أما بعض الأسر الميسورة مادياً فتتوجه لشراء المكدوس الجاهز، وخاصة من سوق التنابل في منطقة الشعلان بدمشق، كما تقوم شركات الأغذية الكونسروة بطرح منتجات المكدوس الجاهزة، حيث لفت أحد العاملين في مصنع كونسرورة لـ”صدى الشام”، أن المكدوسة الواحدة قبل بدء الثورة السورية كانت تكلف الشركة نحو 23 ليرة، أما حالياً فهي بحدود 60 ليرة، مشيراً إلى أن الإقبال على شراء منتجات الشركة ضعف كثيراً مقارنة مع الأعوام السابقة.