معارك حماة … قوة ثورية أم خدعة أسدية؟؟؟
6 سبتمبر، 2016
بالتأكيد لست في دور التشكيك بمعارك الثوار وأهدافها وصدق نواياهم وحسن تأديتهم لمهامهم الثورية التي يضحون بها بأرواحهم مقابل الواجب الوطني الذي يقدمونه لأبناء بلدهم وأهلهم وتراب وطنهم.
لكن ما يلفت الانتباه في معارك ريف “حماة” الشمالي هو هذا الانهيار السريع للخطوط الدفاعية والتخلي السريع عن أكثر من (15) بلدة ومدينة وتحرير أكثر من (25) حاجز وقلعة عسكرية كانت تتحصن بها عصابات النظام وشبيحته للسيطرة على معظم الريف الشمالي لمدينة حماة، مع عدم إغفالي للقوة العسكرية والطرق التكتيكية وأساليب القتال الجديدة التي اتبعتها الفصائل الثورية التي استطاعت فتح ثلاث معارك بثلاث غرف عمليات وفي وقت واحد.
في سبيل الله نمضي، حمم الغضب نصرة لحلب، غزوة مروان الحديد، هي أسماء المعارك التي أعلنتها الفصائل المشاركة في عمليات تحرير ريف ومدينة حماة الشمالي، والتي استطاعت أن تزلزل الخطوط الدفاعية لنظام “الأسد” وحلفائه في مناطق يعتبرها النظام حديقته الخلفية والمناطق الأكثر حساسية والتي لا يمكنه التخلي عنها، فهي تشكل خزانه البشري للتجنيد والتشبيح والقتال كما هي قريتي “قمحانة” و”معان”، وهي بنفس الوقت تشكل الخطوط الحمراء التي تلامس حاضنته الطائفية عبر القرى “العلوية” التي تتواجد في ريف “حماة”، والتي يعني خسارتها خسارة آخر ستار يمكن أن يختبئ خلفه النظام، وهي أيضاً الحدود التي تسعى إليها “إيران” لرسم حدود الدويلة “العلوية” أو خريطة “سورية المفيدة” بعد أن تيقنت باستحالة إعادة كامل الجغرافية السورية لعهدة حليفها “الأسد”.
من المؤكد أن المعارك الثلاث التي بدأها الثوار بلحظة (صفر) متفق عليها، وبجبهة تصل لحوالي (20) كم وتتشارك بالهدف النهائي وهو تطهير ريف حماة الشمالي من رجس ميليشيات “الأسد” وحلفائه والوصول إلى معاقله الأساسية، مع إعلان غرف عمليات الثوار عن عدم وجود خطة للدخول لداخل مدينة “حماة” بل الاكتفاء بحصارها منعاً للتدمير المتوقع في حال السيطرة عليها كما حصل في مدينة “إدلب”، لكن مخططو غرف العمليات لم يغب عن ذاكرتهم الفطنة أن هناك عثرات، وأن هناك موانع شديدة ستعترض طريقهم وتتمثل بالقلاع العسكرية والتحشدات التي وضعها نظام “الأسد” و”قاسم سليماني” للدفاع عن تلك المنطقة، والمقصود بالأمر هو جبل “زين العابدين” وما يحتويه، ومعسكر “قمحانة” وما تم تحشيده هناك، ونادي “الفروسية” حيث تتواجد القوات الروسية، إضافة لمطار “حماة” العسكري مع ما يشكله من نقطة ثقل عسكري وميداني عبر أسراب من الطائرات القاذفة وحوامات البراميل التي تعطيه الأرجحية في السيطرة على تلك المساحات المحيطة به. وبالتالي وأمام تلك النقاط الحاضرة في ذهن المخطط العسكري لغرف عمليات “الجيش الحر” فمن المؤكد أن يكون هناك رصد لإمكانيات وقدرات عسكرية وبشرية تستطيع تحقيق الأهداف المرسومة للوصول للنتائج الموضوعة على خرائط العمليات.
الملفت بالأمر أنه مع تقدم قوات الفصائل الثورية ومع الانتصارات التي تم تحقيقها وبفترة زمنية تتغلب على المعايير العسكرية المعتمدة، وجدنا أن هناك مؤازرات لفصائل جديدة لم تكن مشاركة من قبل قد دخلت على خطوط الجبهات، لكن بقدر ما شكلت تلك المؤازرات إضافة قتالية بقدر ما قد تكون أضعفت جبهات أخرى قد تكون بحاجة أمس للدعم، ونقصد جبهات الساحل وجبهة حلب الجنوبية التي عانت أساساً من نزيف لبعض الفصائل التي فضلت القتال على الحدود الشمالية ضد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” وضد الفصائل الانفصالية لميليشيات “صالح مسلم” على حساب تدعيم وصد الهجمات المعاكسة التي تشنها عصابات “إيران” و”حزب الله” إضافة لميليشيات “الأسد” في منطقة الكليات والراموسة، والمدعومة بتغطية ومظلة جوية “روسية وأسدية”، والتي لم تتوقف منذ إعلان فك الحصار عن الأحياء الشرقية لمدينة “حلب”.
ما يقلق الشارع الثوري السوري هو أن هناك جبهات قد تكون الأولى بالدعم والقتال نظراً لعمق تأثيرها على نظام “الأسد”، ونظراً لمدى أهميتها أيضاً على القابعين في الغرف السوداء وهم مندوبو الدول الذين يراقبون التحركات ويرسمون الخطط لإفشال الثورة، وبالتالي كان الأجدى عدم الوقوع بفخ النظام وبعض الدول الذين (قد) يكون أغروا الفصائل بمعارك جانبية كـ”معارك حماة” و”معركة درع الفرات” على حساب معارك مصيرية كـ “جبهة حلب الجنوبية” مثلاً أو جبهة “الساحل” التي تعاني من نزيف بشري وجغرافي، باعتبار أن الأرصدة التي وضعها نظام الأسد تتخطى إمكانيات وقدرات من يقاتل في جبلي الأكراد والتركمان.
ما يدفع لهذا الكلام هو ما حصل في جبهة حلب الجنوبية التي تعرضت لهجوم معاكس كبير من قبل ميليشيات “إيرانية” ومن “حزب الله” ومن عصابات “الأسد” تدعمه مظلة جوية أمنتها مطارات النظام، إضافة إلى معظم جهود قاعدة “حميميم” الروسية، والتي استطاعت إحداث خرق في خطوط الفصائل المدافعة أجبرتها على التراجع، لتسيطر ميليشيات “الأسد” وحلفائه على المعهد الفني الجوي وكلية التسليح، مع ما يعنيه ذلك من إعادة قطع الطرق عن المناطق الشرقية من مدينة “حلب”، وعودة كابوس “الحصار” الذي أصبح السلاح الأمضى في يد تلك العصابات من خلال تطبيق مبدأ “الجوع أو الركوع”، وأمام أعين ومشاهدة العالم أجمع والذي يكتفي بإصدار بيانات القلق التي لا تغني ولا تسمن من جوع.
على المقلب الآخر وباتجاه الخطوات السياسية، فمن الواضح أن حجم الجلوس على طاولة المفاوضات أصبح يتناسب طرداً مع حجم السيطرة على الجغرافية على الأرض، وكاد الضغط السياسي الذي مارسته واشنطن (المشكوك فيه) أن يوصل لاتفاق لم تبرز كافة معالمه، لكن مع الإعلان عن إعادة حصار”حلب” تراجع الوفد الروسي عن التوقيع وعاد الجميع إلى المربع الأول ربما، بتأكيد مرة أخرى على أن كل ما يتم الحديث عنه عبر حلول سياسية هو مضيعة للوقت، وأن الخيار العسكري هو الخيار الاستراتيجي والوحيد الذي تعتمده كل من عواصم “إيران” و”روسيا”، وينفذه على الأرض حلفاء إيران من حزب الله وغيره و”الولد المطيع” بشار الأسد.
القراءة العسكرية لبعض الجغرافية السورية تقول:
الحدود مع تركيا أصبحت خالية من “داعش”، والجيش الحر وصل مناطق سيطرته من بلدة “إعزاز” حتى مدينة”جرابلس” بإسناد ودعم أرضي وجوي “تركي” مع غياب في الرؤية حول من يدخل ليحرر مدينة “الباب”، أهم الجيش الحر حليف “تركيا”، أم ميليشيات “مسلم” حليف الأمريكان؟؟
الفصائل الثورية في معارك “حماة” استطاعت الوصول إلى عتبات جبل “زين العابدين” ومطار “حماة” العسكري وحاصرت بلدتي”معان” و”قمحانة” ذوات الأهمية المعنوية لعصابات “الأسد”، بل وأصبحت أقواس نيران الثوار تشمل معظم مدينة “حماة”.
في جبلي “الأكراد” و”التركمان” ورغم القدرات المحدودة، ما زال أبطال الساحل يقدمون لوحات قتالية غاية بالروعة في قرية “كبينة” في أعلى نقاط جبل “الأكراد”، وفي محيط بلدة “كنسبا”، وعلى كافة محاور التماس في جبل “التركمان”.
ما يخسره تنظيم “داعش” من مواقع في الشمال يعوضه عنها نظام “الأسد” في ريف “حمص” الشرقي عبر خمس حواجز سيطر عليها خلال الأيام القليلة الماضية.
قد يكون النظام مارس خديعة وسحب بعض الفصائل لمعارك في مواقع قد لا تكون بأهمية جبهات “حلب” والساحل”.
وقد نكون خسرنا بعض المواقع في جبهة “حلب الجنوبية”.
وقد تكون غاية “الأسد” لفت الأنظار عن جرائم التغيير الديموغرافي التي تتبعها إيران في سورية وتمثلت بطرد سكان “داريا” وما سيتبعه في “المعضمية” وحي “الوعر” في مدينة “حمص”.
لكن هناك نقاط غابت عن أعين غرف عمليات نظام البعث الأسدي وداعميه:
– إن المعارك كر وفر، وتجربة خمس سنوات من القتال علمتنا أن الضربة التي لا تقتلنا تزيدنا قوة، وإن خسارة بعض المواقع لن تٌلين من عزيمة الثوار ولن تقلق توجهاتهم في متابعة الطريق.
– إنه برغم الحصار الذي يسعون جاهدين للوصول إليه في “حلب”، اعتاد ـشعبنا تلك الأجواء واعتاد التأقلم مع تلك الظروف، لكنه لن يركع ولن يعود إلا بما خرج من أجله مهما اشتدت الظروف.
– إن ثقة الثوار بمقاتليهم وعلى كافة الجبهات من ريف حماة إلى الساحل إلى حلب إلى جرابلس لا يشوبها غبار، وهم السند الأقوى لتحركاتهم وقتالهم وأنهم أولوهم ثقتهم وهم خير من يؤتمن على الأمانة.
– أما النقطة الأهم التي كان على نظام “الأسد” وكل من يقف بجانبه أن يعلمها:
إن من حرر تلك الكليات مرة سيحررها ثانية، وإن من فك الحصار عن حلب مرة سيفكه مرة أخرى، وإن إرادة الشعب هي السلاح الأمضى بيد الثورة، ومن صبر لخمس سنوات تحت قتل وتدمير وتهجير وتجويع لم يعد لديه ما يخسره وهو متابع بطريق إسقاط “الأسد” مهما طال الزمن.