‘محمد السعيد ادريس يكتب: خطاب موجه إلى الداخل الإيراني’

24 سبتمبر، 2016

محمد السعيد ادريس

موجة التصعيد الرسمية الإيرانية الراهنة ضد المملكة العربية السعودية بقدر ما تهدف إلى الدفع نحو استقطاب سياسي عربي بالأساس، وإسلامي بالتبعية ضد المملكة ضمن المواجهة الساخنة المتصاعدة بين طهران والرياض في أكثر من ساحة عربية، بقدر ما تستهدف الداخل الإيراني الذي بات يشعر بالضجر إزاء سياسات بلاده الخاطئة في علاقاتها مع الجوار العربي والخليجي بالأخص وبالذات مع المملكة العربية السعودية، لأسباب كثيرة، أبرزها بالطبع أن هذه السياسة كانت السبب المباشر في حرمان الشعب الإيراني من القيام بأداء فريضة الحج هذا العام.
قرار حرمان الإيرانيين من الحج هذا العام كان قراراً إيرانياً بامتياز، كشفه، دون قصد، المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية السيد علي خامنئي يوم الاثنين (4 سبتمبر/ أيلول 2016- الثالث من ذي الحجة) في خطاب ناري ضد السعودية حاول فيه تحميل المملكة كل المسؤولية عن حرمان الإيرانيين من أداء فريضة الحج هذا العام، عندما طالب العالم الإسلامي «إعادة التفكير بطريقة جوهرية في إدارة الحج».
فعندما دعا خامنئي العالم الإسلامي إلى «إعادة التفكير بطريقة جوهرية في إدارة الحج» وزاد الأمر وضوحاً بدعوته إلى «إقامة لجنة إسلامية- دولية لتقصي الحقائق» في الأحداث الأليمة التي حدثت في موسم الحج العام الماضي، كشف الخلفية الحقيقية للرفض الإيراني المشاركة في موسم الحج هذا العام. فالقضية لم تكن مطالب إيرانية بزيادة عدد الحجيج الإيرانيين، أو بدور إيراني في تنظيم عملية الحج تحت حجة تفادي حدوث ما حدث من أخطاء في العام الماضي، أو حتى بسبب عدم تقديم المملكة «اعتذاراً شفهياً للمسلمين» حسب ما جاء على لسان المرشد الإيراني، ولكن الدافع كان هو ما ورد على لسان خامنئي «إعادة التفكير في إدارة الحج» وعدم جعل هذه الإدارة سعودية خالصة، بأن تكون المسؤولية لإدارة إسلامية – دولية، أي تشكيل منظمة إسلامية من الدول الإسلامية لإدارة الحج. وربما تدويل الأماكن المقدسة في مكة المكرمة والمدينة المنورة، كي يكون لإيران يد في إدارة عملية الحج، وعدم جعل الحج مسؤولية سعودية مطلقة، انطلاقاً من قناعة إيرانية مضمونها أن المكانة الخاصة المرموقة للمملكة العربية السعودية في العالم الإسلامي كله، على وجه الخصوص، مرجعها مسؤولية المملكة عن إدارة تلك الأماكن الإسلامية المقدسة.
عندما تورط خامنئي بالخطاب العدائي ضد السعودية، الذي فضح فيه حقيقة النوايا الإيرانية كان يقصد، على ما يبدو، تبرئة نفسه وتبرئة نظامه من المسؤولية الخطيرة الدينية والأدبية عن حرمان أبناء الشعب الإيراني من أداء فريضة الحج هذا العام. كان خطاب خامنئي موجهاً إلى الداخل الإيراني، وإلى المواطن الإيراني، الذي كان يتابع بشغف أداء المسلمين فريضة الحج بسلام وتراحم على خلاف ما كان الإعلام الإيراني يروج من أكاذيب، الأمر الذي كشف بكل وضوح أن السلطات الإيرانية قد تورطت في جريمة تسييس فريضة الحج.
الانفعال الإيراني الرسمي الغاضب ضد المملكة كان يوم الجمعة السابع من ذي الحجة، أي في اليوم السابق ليوم التروية الذي تبدأ فيه مناسك الحج بانتقال الحجيج من مكة إلى منى استعداداً للذهاب إلى عرفات يوم التاسع من ذي الحجة. فقد انطلقت المظاهرات الغاضبة التي نظمتها المؤسسات الرسمية خاصة الحرس الثوري وقوات الباسيج من أكثر من 850 مسجداً في المدن الإيرانية.
هذه التظاهرات كانت بمثابة محاولة مستميتة من النظام لتبرئة الذمة أمام الشعب الإيراني، ومن هنا جاء الخلط في شعارات تلك التظاهرات بين تحميل السلطات السعودية مسؤولية حرمان الإيرانيين من أداء فريضة الحج وبين توجيه اتهامات للسعودية في أحداث اليمن وسوريا والبحرين، والتضخيم من أعداد ضحايا الحج في العام الماضي لإثارة مشاعر الإيرانيين. وجاءت دعوة المتحدث باسم الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي الدول العربية لإنهاء «دعمها الأحادي والمؤيد وغير المنصف» للسعودية/ ليكشف عن حقيقة التصعيد الإيراني وهو محاولة الاصطياد في المياه العكرة ضد إيران، وهو الأمر الذي كشفته المقالة التي نشرها محمد جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني في صحيفة «نيويورك تايمز الأمريكية».
مقال ظريف الذي جاء تحريضياً للغرب ضد السياسة السعودية لم يكن بعيداً عن أجواء تلك التظاهرات الإيرانية التي حمَّلت السعودية مسؤولية حرمان الإيرانيين من أداء فريضة الحج، ولم يكن بعيداً عن لغة التحريض التي تورط فيها المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية ضد المملكة، ودفعت زعماء التيار الإصلاحي أيضاً خاصة هاشمي رفسنجاني رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام وحسن روحاني رئيس الجمهورية للتورط في الجريمة ذاتها، وكلها مؤشرات تؤكد مدى عمق الأزمة الداخلية التي يدركها قادة إيران من جراء سياستهم الخاطئة التي حرمت مواطني بلدهم من أداء فريضة الحج، وهي أزمة ثقة تفاقم من مسلسل الأزمات الداخلية للنظام سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية لم يجد النظام وسيلة للهروب منها غير تحميل السعودية كل المسؤولية، ثم اللجوء إلى سياسة الاستعلاء العسكري في محاولة للتعويض عن مشاعر الإحباط الشعبية، على نحو ما يجري تنظيمه من عروض عسكرية ضخمة في طهران وبندر عباس.
رسائل مباشرة ليست للأمريكيين ولا لدول الجوار بل إلى الشعب الإيراني في محاولة مستميتة لاحتواء موجات الغضب المتصاعدة في الداخل الإيراني.

المصدر: الخليج

محمد السعيد ادريس يكتب: خطاب موجه إلى الداخل الإيراني على ميكروسيريا.
ميكروسيريا –

أخبار سوريا ميكرو سيريا

24 سبتمبر، 2016