قتلاً تهجيراً لا يهم … المطلوب رأس “حلب”
27 سبتمبر، 2016
ثلاثة أشهر من حصار وقصف مستمر عاشها القسم المحرر من مدينة “حلب”، أعقبتها هدنة بطعم الموت لم تٌوقف القتل الممنهج والتدمير المتسلسل لنظام “الأسد” ونظام “بوتين”، ثم أتى القرار من قاعدة “حميميم” بالإجهاز على ما تبقى من أحياء “حلب” وبكل الأسلحة والوسائط الممكنة.
الأيام الخمسة الأخيرة وما حملته آلة الحرب الروسية والأسدية عبر طائرات الموت وبراميل الحوامات وعبر صواريخ أرض_أرض وراجمات الصواريخ وعبر حمم المدفعية والدبابات، لا أعتقد أن كلمة حرب إبادة تٌوصف حالتها، وجريمة بحق البشرية هي أصغر من أن تٌعبر عما يعيشه أهلنا هناك. خمسة أيام لم تبخل فيها الطائرات بقنابلها المدمرة من نوع (فاب-500 أو فاب-1000 أو فاب-1500)، وكل قنبلة من تلك قادرة على جعل مبنى من خمس طبقات أثراً بعد عين، وزادت عليها باستخدام الصواريخ الفراغية والقنابل العنقودية والارتجاجية والحارقة المشبعة بالفوسفور الأبيض.
الواضح أن تجربة مدينة “داريا” تٌعاد الآن في مدينة “حلب”، فنظام الأسد الذي حاصر “داريا” وضيق عليها الخناق ودخل المدينة حتى حاصر الأهالي والثوار ضمن حدود لا تتجاوز كيلومتر مربع واحد لكنه رفض اقتحامها وأبقاها أكثر من شهرين ضمن حالة لا يعلمها إلا الله من نقص لكل مقومات الحياة حتى وافق أهلها وقادتها (قسراً) على النزوح والخروج إلى المناطق المحررة في مدينة “إدلب”، لأن النظام خطط لأن يستلمها فارغة، أما إشغالها وإسكانها فقد قالها رأس العصابة في دمشق “بشار الأسد” في خطابه الأخير من أن سورية ليست لمن يملك عقاراتها وجواز سفرها بل لمن يقاتل فيها مع النظام (ويقصد المرتزقة الأجنبية التي تقاتل معه)، فوجدنا أن بلدة “القصير” ذهبت لحزب الله وحي “بابا عمرو” في حمص أصبح موطناً لعائلات المرتزقة “الأفغان” و”داريا”أضحت لـ”حركة النجباء” العراقية و”فيلق بدر” بعد أن دخلها معممهم قبل “بشار الأسد”، وحمص أصبحت مدينة “الزهراء”، ودمشق الأموية أصبحت لإيران بعد أن منح “بشار الأسد” الضوء الأخضر لمشروع “الأبراج الإيرانية” الذي يسلخ ثلث مساحة مدينة دمشق ويمنح ملكيته للسفارة الإيرانية في المزة.
حجم الإبادة وحجم القتل والتدمير وعملية استهداف المشافي والمراكز الصحية ومراكز الدفاع المدني وحتى قصف محطات المياه (محطة النيرب) وكل مرافق الحياة، غايتها واضحة وهي إجبار أكثر من (350) ألف مواطن حلبي يتواجدون في الأحياء الشرقية على الهجرة والنزوح خارج مدينة حلب. وسبب دفع أهالي حلب للنزوح يأتي بغايتين: الأولى لتغيير ديموغرافي والثاني لعدم قدرة النظام على السيطرة على المناطق الثائرة بسكانها ولعدم وجود الكادر البشري لديه لتغطيتها بالحواجز الأمنية والعسكرية.
الحملة الجوية التي تطال “حلب” هي التمهيد الناري الذي يسبق عملية الهجوم البري والذي يهدف للإخلال بصفوف قتال الثوار ومن ثم التقدم للسيطرة. ويبدو أن محاولة السيطرة على “مخيم حندرات” شمالاً وأطراف حي “الشيخ سعيد” وحي “السكري” ومنطقة “الراموسة” جنوباً وفشلها واستعادة الثوار للمناطق التي فقدوها بعد ساعات قليلة قد أوحت لعصابات الأسد وإيران والنظام البوتيني أن الثوار ما زالوا بقدراتهم القتالية ولا يمكن اختراق صفوفهم، لذلك زادوا في اليومين الأخيرين من جرعة الموت عبر استخدام مزيد من قنابلهم الفراغية والارتجاجية التي طالت المدنيين وتسببت بمئات الشهداء والجرحى جٌلهم من الأطفال والنساء والشيوخ.
أمام هذا الواقع أصبح واضحاً أن الخيار العسكري كان ولا يزال الخيار الأوحد الذي يؤمن به حلفاء الأسد والذين يملكون القرار السياسي والعسكري لنظامه، بعد أن أصبح هذا الديكتاتور دمية بين أيدي قائد غرفة عمليات “حميميم” الروسي والإرهابي الإيراني “قاسم سليماني”، وكلام مندوب النظام “بشار الجعفري” في مجلس الأمن وحملة الأكاذيب والتضليل التي قادها عبر خطاب يمثل قمة الإجرام والسفاهة، وختم به تهديداً بأن نظامه سيستعيد كامل “حلب”، ومن قبله قالها سيده في الإجرام “بشار الأسد” من أنه سيستعيد كامل سورية، هي دعوات تعني السير بطريق يحمل مزيداً من الموت ومزيداً من الدمار، والواضح أنهم يريدون استعادة سورية كما تمت استعادة مدينة “داريا” وهي خالية من السكان، بفارق بسيط وبسؤال يفرض وجوده أين سيذهب أهل سورية أمام هذا الإجرام بعد أن أُغلقت في وجوههم حتى طرق الهروب والنزوح من قبل دول الجوار؟؟
على الضفة الأخرى علينا ألا نٌغفل قدرات وإمكانيات الثوار المؤمنين بعدالة قضيتهم والمدافعين عن أهلهم أمام زناة وزنادقة هذا العصر، وهم لا يستغربون كلام “الجعفري” في مجلس الأمن، فعالم يعيش تلك القباحة ويرضى بما يحصل للشعب السوري يستحق أن يكون جليسه هذا المجرم الذي ساق كل الاتهامات الموجهة إليه ونسبها للدول العظمى، والتي تستطيع (إذا أرادت) وبإيماءة أصبع واحدة جعل “بشار الأسد” لا ينام في دمشق، لا هو ولا كل زمرته من عصابة الإجرام التي ألحقت الموت بشعب سورية مع حلفائها من إيران وروسيا والضاحية الجنوبية في لبنان ومرتزقة العراق وأفغانستان والباكستان، وزاد عليهم الآن دخول كتيبتي قتل من كوريا والهند. وبالتالي ففصائل الثورة وحاضنتها الشعبية التي تساندها تدرك هذا الواقع المؤلم الذي تعيشه، وبعد حوالي الست سنوات من عمر الثورة خبرت خلالها هذا العالم وخبرت نفاقه وتدليسه ودجله، وعلمت أنها وحيدة في مواجهة آلة القتل الأسدية_الإيرانية_الروسية، وهي تدرك حجم المواجهة وأنها اتخذت قرارها بأن لا عودة للوراء ولا خطوة نحو الخلف، ولا تهم المساحات الجغرافية فمن حرر الأرض مرة يحررها مرات، والشعب السوري الحر وفصائله الثورية يعلمون أن “نظام الأسد” قد انتهى وأنهم يخوضون الآن حرب تحرير ضد محتل “روسي_إيراني”، وأن نظام “الأسد” قد سقط فعلياً منذ عام 2012 فاستنجد بحزب الله فسقط معه، استنجد بالفصائل الشيعية العراقية التي سرعان ما انكشف ضعفها، فتدخلت إيران التي أعلنت عن عجزها أيضاً فأرسلت جنرالها “سليماني” إلى موسكو يستجدي التدخل الروسي والذي سيسقط بدوره كما سقط كل من كان قبله.
الرسالة السورية الحرة أصبحت واضحة للجميع، أن الثورة السورية وفصائلها لن تعدم الوسيلة ولن تعدم الأسلوب ولن تعدم الأدوات، والثورات هي صبر وأنفاس طويلة، وصبر الشعوب لا ينفذ مهما زاد الطغيان، وأن تلك الدماء النازفة في شوارع “حلب” وكل المدن والبلدات السورية هي مشاعل نور ومشاعل أمل توقد لتضيء طريق الحرية لمستقبل أبناء الشهداء.
فليهنأ العالم بتلك الصفاقة التي يعيشها، وليهنأ العالم بتلك اللاأخلاق التي يتحلى بها، وليهنأ العالم بشريعة الغاب التي رضي بها، لكن طلاب الحرية لهم طريقهم الذي لن يحيدوا عنه، وهو طريق مضرج بالدماء. والشعب السوري الحر يدرك تلك الحقيقة قبل اتخاذه قرار إطلاق ثورته المباركة، فتجاربه مع نظام الأسد تمتد لعقود قد خبره فيها وعرفه وحفظه عن ظهر قلب.
كل المعطيات العسكرية وكل الإخفاقات السياسية تقول رسالة مفادها أنه الآن بدأت المعركة الحقيقية، معركة الوجود أو اللاوجود، معركة بقاء دمشق أموية أو تحويلها للمحافظة (35) التابعة لإيران، معركة تشييع سورية وفرسنتها أم بقائها عربية الهوية والعقيدة.
أمام هذا الواقع تبرز قضية لا تحمل التأجيل، الموقف الأمريكي أصبح واضحاً، والجميع أصبح يدرك أننا نقتل بأوامر أمريكية وبأدوات روسية وبأيدٍ إيرانية، فهل يبقى أشقاؤنا صامتون؟؟
رأس “حلب” الآن أصبح مطلوباً … قتلاً أو تهجيراً ونزوحاً على أيدي مجرمي إيران وروسيا …
فهل يٌترك الخندق الأموي لتجتازه برابرة الفرس؟؟
هل يترك الشعب السوري كرهائن وأسرى بيد “قاسم سليماني” و”حسن نصر الله” و”بوتين”؟؟؟
على الجميع أن يعلم:
دمشق هي خندق الدفاع الأول عن الرياض والكويت والمنامة والدوحة ودبي وعمان ومسقط وعن الشعب السوري الحر … فهل يدرك أشقاؤنا ذلك؟؟
الموقف جلل والخطب عظيم والمصاب كبير … فشوارع “حلب” تلونت بدماء أهلها
ومع ذلك فدماؤنا فداءً لسورية والعرب، وشبابنا فداءً للإسلام والعروبة، وأكفاننا عربون صدق أقوالنا … فهل من وقفة صدق مع شعب طلب الموت لتوهب لكم الحياة؟؟؟
[sociallocker] [/sociallocker]