التنقيب عن العملات والقطع المعدنية …مصدر دخل غير قانوني للسوريين في ريف إدلب
12 أكتوبر، 2016
في ظل قلّة أو انعدام فرص العمل بسبب الوضع الأمني المتردي في مختلف أنحاء سوريا، لجأ السوريون النازحون والمقيمون في مختلف أنحاء البلاد إلى البحث عن سبل جديدة لتأمين دخل يغطي مصاريفهم بعد انهيار الاقتصاد السوري نتيجة الحرب والحصار وغياب قوانين الدولة.
في ريف إدلب، اكتشف النازحون مؤخرا وجود عملات قديمة تحت تراب المنطقة، وهي ذات قيم مادية تختلف باختلاف تاريخ تلك العملات وأهميتها الأثرية. وهنا بدا العديد منهن بمحاولة التنقيب عن تلك العملات وبيعها لتجار يعملون في هذا المجال، وهو ما تحول إلى عمل لدى البعض منهم، رغم عدم شرعيته قانونيا وأخلاقيا.
التقى مراسل “صدى الشام” في إدلب “جابر أبو محمد” مجموعة مؤلفة من أربعة أشخاص مدنيين يعملون في البحث عن المعادن والعملات القديمة الموجودة تحت الأتربة في منطقة سنجار بريف إدلب.
“أحمد أبو علي”، أحد أفراد المجموعة، قال أنّه لجأ إلى مثل هذا العمل بسبب صعوبة الوضع المعيشي الذي فرضته الحرب والدمار والهروب من نيران نظام الأسد، وصعوبة السفر إلى خارج سوريا.
أما “محمد السنجاري”، وهو أيضاً من أفراد المجموعة، فقد قال بأن الدافع إلى هذا العمل هو عدم وجود أي عمل آخر يمكن أن يعمل به غير حمل السلاح والموت في الحرب ضد قوات نظام الأسد. بينما عليه تأمين قوته وقوت عائلته المكونة من زوجته وثلاثة أطفال.
وعن تهمة الاتجار بالآثار، قال السنجاري: “إنّنا لا نتاجر بآثار البلاد لأننا لا نبحث أصلا في مناطق أثرية، بل نبحث في أراض زراعية عادية، بين الكروم والبساتين، وما نجده من قطع لا يعد أثريا كونه في الغالب عبارة عن نقود تعود لمئة عام أو أكثر قليلا”.
اكتسب العاملون في هذا المجال خبرة بسيطة جعلتهم قادرين على تحديد قيمة ما يخرجونه من تحت التراب، وهو ما يساعدهم عليه “تجار موثوقون” يشترون منهم تلك القطع. وقد أشار السنجاري في حديثه الخاص بـ”صدى الشام”، إلى أنّ أثمن قطعة عثروا عليها باعوها بمئة دولار، كما انهم استخرجوا الكثير من العملات التي لم تكن لها أي قيمة تذكر.
وعن كيفية العثور على تلك العملات، قال السنجاري: “إنّنا نعمل على جهاز بسيط قيمته ألف دولار أمريكي، وهو يعمل على بطارية (12ab)، وهي بطارية تشغيل دراجة نارية. وللجهاز حسّاس يعطي إشارات على وجود قطعة معدنية دون التمييز بين القطع من حيث الأهمية والنوع”.
ولفت السنجاري إلى أن الأجهزة تصل عن طريق تجار عبر الحدود التركية السورية، وهي اجهزة تختلف عن تلك التي يعمل بها النظام السوري وتجار الآثار، حيث لا تكشف هذه الأجهزة أكثر من 50 سم تحت الأرض، بينما تملك عصابات النظام أجهزة أكثر تطوراً للبحث عن الآثار.
من جهته، قال أبو على: “تشاركنا نحن الأربعة على ثمن جهاز واحد، ونخرج إلى العمل سويا منذ الصباح وحتى المساء”، مضيفاً: “أمس لم نجد سوى قطعة واحدة قيمتها 4 دولارات، أي حوالي ألفي ليرة سورية”. ثم أردف كمن يحاول تبرير عمل خاطئ: “هذا العمل أفضل عندي من أن أسرق أو أقف على طابور منظمات الشحادة”، وفق تعبيره.
وشدد أبو علي على أنّ الجهاز الذي يعملون به لا يمكنه كشف مخازن الذهب والقطع الأثرية غير المعدنية، كونها حتما ستكون على بعد أمتار تحت الأرض. كما أن الجهاز “يباع في الأسواق الأوروبية بشكل طبيعي، وهو في متناول جميع الناس”، وفق قوله.
وعن طريقة تصريف البضاعة التي يتم العثور عليها، قال أبو على: “لقد أصبحت لدينا خبرة جيدة للتمييز بين القطع القيمة وغيرها، وذلك عن طريق العرض على أكثر من تاجر وطبيعة تفاعل التجار مع القطع. نحن نبيع لتجار عاديين، وهم يبيعون لتجار أكبر، وهكذا حتى تصل القطعة إلى خارج سوريا”.
وقال أبو علي إن الكثير من سكان المنطقة باتو يعملون في هذه التجارة، حيث تجوب مجموعات بشكل شبه يومي، الحقول والبساتين بحثا عن تلك النقود، وأحيانا يمكن العثور على قطع معدنية نحاسية، يجمعها البعض ويبيعونها على الوزن بمبلغ معين للكيلو غرام الواحد.
وأوضح ابو علي بأن الربح والخسارة واردان في هذا النوع من العمل، لأنه يعتمد على الحظ، حيث “ندفع أحيانا مبلغا مرتفعا كثمن لوقود الدراجات النارية لنعود مساء بلا أي نتيجة”، مضيفا: “يمكن أحياناً أخرى أن تجد قطعة ثمينة ويكون يومك جميلا”.
ومن جانب آخر، يطرح البعض تساؤلا حول كون هذه المهنة تجارة بالآثار. وللإجابة على هذا التساؤل، قال رئيس تجمع المحامين السوريين الأحرار “غزوان قرنفل” لـ”صدى الشام”، إنّ “هذا العمل يعدّ في نظر القانون جرماً، حتى ولو كان الدافع له هو الحاجة”.
وأضاف قرنفل إن عمليات التنقيب بحد ذاتها وبصرف النظر عن حصولهم أو عدم حصولهم على نتيجة، يعد جريمة في نظر القانون، وهي “جريمة التنقيب بدون إذن رسمي من صفة مخولة”.
وأوضح رئيس تجمع المحامين السوريين الأحرار أنّ “الحصول على آثار بعد التنقيب ومحاولة بيعها هو جريمة أخرى، بغض النظر عن قيمة القطعة التي حصل عليها الشخص، وقانونياً بمجرد حصول الشخص على القطعة وشروعه في محاولة تداولها دون النظر إلى النتيجة هي جريمة”.
وعن الدور التركي في هذه القضية، أوضح قرنفل بأن السلطات التركية لا تتحمل قانونيا مسؤولية ملاحقة المتهمين بعملية التنقيب التي تتم داخل الأراضي السورية، بسبب حدوثها خارج الولاية القضائية التركية، لكنها مسؤولة عن ملاحقة عمليات البيع التي تتم داخل أراضيها ومحاكمة الفاعلين.
وشدد قرنفل على انّه في نظر القانون لا يمكن تبرير الجريمة بوجود حاجة، فوجود الحاجة لا يبرر للمدنيين التنقيب عن أي نوع من الآثار مهما كانت قيمته المادية قليلة أو مرتفعة.
يًذكر أنّ سوريا ومنذ اندلاع الثورة ضد نظام الأسد عام 2011، شهدت تدمير الكثير من المعالم الأثرية وسرقة الكثير غيرها من قبل عصابات تجارة الآثار التابعين لنظام الأسد وغيره من المستغلين للفلتان الأمني في البلاد.
ورغم عدم قانونية ما يقوم به بعض المدنيين في مناطق ريف إدلب وغيرها، من تنقيب بسيط عن آثار سطحية، إلا أن نظام الأسد يبقى المسؤول الأول والأخير عن كل قطعة أثرية فقدتها سوريا، حيث قام الأخير بإتاحة الفرصة لعصابات تابعة له لسرقة الآثار وبيعها مقابل القتال في صفوفه، بينما عمد إلى افتعال معارك في عدة مناطق أثرية بغية الظهور كحام لها في أعين المجتمع الدولي، وكان آخرها السماح لتنظيم الدولة الإسلامية داعش بالسيطرة على مدينة تدمر الأثرية ثم استعادتها واتهام التنظيم بسرقة الآثار المسروقة أصلا من قبل النظام وعصاباته الطائفية، وبالإضافة إلى تحمله مسؤولية ما فعله خلال السنوات الماضية، والذي نتج عنه نزوح الآلاف وفقدانهم لمصادر دخلهم، ما قادهم إلى اتباع طرق غير قانونية في البحث عن لقمة عيشهم.
[sociallocker] صدى الشام
[/sociallocker]