بين لندن ولوزان رجل “الكاوبوي” بلا حصان

18 أكتوبر، 2016

حافظ قرقوط

لعبة التصريحات الدولية، بالتزامن مع لعبة الأماكن، نفادها إنتاج لعبة الوقت لصالح القتلة، هذا ما ميّز السياسة الدولية تجاه ما يجري بسورية، وذلك منذ اجتماع وزراء خارجية الدول العربية في مقر جامعة الدول العربية بمصر في تشرين الأول/ أكتوبر 2011، وأيضًا منذ إجهاض روسيا والصين باستعمال (الفيتو)، قرارًا لمجلس الأمن يدين النظام السوري، أيضًا في تشرين الأول/ أكتوبر 2011، منذ ذلك الحين حتى انعقاد اجتماعات لوزان الأخير، ثم لندن، لم يجد السوريون فارقًا سوى تبديل التواريخ.

نورد هنا -للتذكير- أن العاصمة التونسية، استقبلت المؤتمر الأول لمجموعة “أصدقاء الشعب السوري”، في 24 فبراير/ شباط 2012، لتكون بداية أخرى لاجتماعات تناوبية ما بين مجلس الأمن لاستعراض إمكانيات الخطابة الفردية، وبين عواصم ومدن تحضن اجتماعات، منها للبحث في حلول تضم خليط مختلف من الدول، ومنها اجتماعات لـ “أصدقاء الشعب السوري”، وتدرجّت الاجتماعات من التشكيك بشرعية للأسد، إلى التمنّي عليه وعلى روسيا إبداء بعض العطف على السوريين، وإدخال القليل من الطعام والدواء، وإيقاف قتلهم ولو لساعات.

فُتح باب قاعة الاجتماع بلوزان، وغادرت الوفود إلى بلاد الله الواسعة، وبقي السوريون في دوّامة الزمن، ودائرة الموت، وبقي الأسد يتفنن باختيار الحس الأنثوي؛ ليُجري مقابلة صحافية، لها طابع درامي خاص، فتعطي تلك الصحافية الروسية أفكارًا رئاسية للأسد، تشبه فن الاستعراض الجسدي الذي تتقنه -لمَ لا- عندما تصبح السياسة واجتماعاتها أشبه بلقاءات استعراض، إذ تشير عقارب الزمن أن البشرية في أسوأ مراحلها، فتكون الصورة بأوضح معالمها عندما تستعيض روسيا، عن تراث، وعن أجيال، نهلت من كتب دستوفسكي وتولستوي وتشيخوف وآنا أخماتوفا، بصحافية من وزن داريا أصلاموفا؛ لتطل مقابلتها مع بشار الأسد على الصفحات والمواقع مع صورها الخاصة بذلك الزخم، بالتوازي مع إطلالة وزراء خارجية أميركا جون كيري، وروسيا سيرغي لافروف، وضيوفهما في لوزان، ثم إطلالة أخرى في لندن بلا لافروف، فتتقاطع النتائج بالرقص على الدماء، ولا شيء يميز اللقاءات السياسية عن الصحافية ما بين لوزان ودمشق، سوى تثبيت هوية هذا الزمن بتلك الصور، دون الاكتراث لصور من تُنتشل أجزاؤه من تحت الركام في سورية.

لم يصدر بيان يوضح ما جرى أو اتُفق عليه في لوزان، ولم يعط أحد تصريحًا صحافيًا سوى الإشارة إلى أن اللقاءات ستستمر، وستُستتبع الاتصالات يوم 17 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، لكن ما صدر في لندن -لاحقًا- يُعطي بعض المؤشرات، فجون كيري مع نظيره البريطاني، بوريس جونسون، لوّحا بإمكانية فرض عقوبات على النظام السوري وروسيا، هذا يعني أن لا أمل من صدور قرارات؛ حتى لاحقة بعد الاتصالات المُزمعة، وكان قد صرح لافروف قبل لقاء لوزان بيوم، أنه لا يتوقع شيئًا جديدًا من اللقاء.

لقاء لوزان استمر نحو 5 ساعات، وضم على مقاعده دولتين، لهما قوتان فاعلتان على الأرض وفي السماء السورية، وتمارسان القتل العلني المباشر للمدنيين السوريين، هما روسيا وإيران، لكنهما، لمفارقات الزمن، تجتمعان هناك في لوزان؛ لتناقشا إن كانت هنالك آمال هدنة، أو عملية سياسية يشارك فيها الأسد، فيما صرّح جون كيري أن المحادثات تخللتها لحظات من التوتر، وذلك ليعطي للحالة شيئًا من (الأكشن)، ثم عاد ليطمئن الجمهور المترقب أن هنالك أفكارًا جديدة.

التقى كيري بلافروف في اجتماع ثنائي قبل اللقاء الموسع بلوزان، بلا أي معلومات عن فحواه، لتعنون بعض وكالات الأنباء الخبر بما معناه أنه اللقاء الأول بعد خلافات الشهر الماضي، حين عاش العالم واقفًا على ساق واحدة، مترقبًا نتائج (الحردة) بينهما؛ إذ دعا باراك أوباما مستشاريه للأمن القومي، وغيرهم لاجتماع معه، وسُرّبت أقاويل عن خطط عسكرية وغيرها، لكن سرعان ما ظهرت خيبة الجمهور من أداء بطل الفيلم الأميركي؛ إذ أعلن أن لا حل عسكري في سورية، بل على الجميع المضي في مسيرة الأسد وبوتين وخامنئي السلمية، ولا ندري حقيقة إن سقطت بعض الكلمات، التي رغب أن يوجهها أوباما إلى أهالي الضحايا في حلب الواقعين تحت الدمار، بأن عليهم عدم تصوير مشاهد العنف، حفاظًا على سلمية المشهد الديبلوماسي بلوزان والصحافة الروسية بآن.

جاء اجتماع الأحد في لندن بنكهة أوربية، حيث شارك فيه كل من بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وألمانيا وتركيا والسعودية وقطر والإمارات وأميركا، وقد بدا اجتماع لندن أنه إشارة إلى قارة تبحث عن قارب نجاة، يشبه قوارب الموت السورية التي اتجهت إلى الجارة الباردة، طلبًا للحياة، فإذا بالقارة تفقد بوصلة انتمائها للبحر المتوسط؛ لتطل عليه كأي ولد يقبع في الزاوية، عندما يأتي ولد شرير إلى باحة اللعب، ويأخذ منه لعبته، هذا ما فعله بوتين وتركهم يترقبون ولدًا أكثر شرًا من بوتين، علّه يخلّصهم من عبور آليات روسيا العسكرية من الشمال المتجمد إلى بحرهم التاريخي الدافئ في المتوسط، فكان أن فاجأهم كيري كرجل “كاوبوي” بلا حصان، فخرجت نتائج لقاء لندن بالوعيد عن بعد، بكتلة عقوبات تتم دراستها، وبحسب عدة وسائل إعلام غربية، فإن تلك العقوبات سيتم طرحها للنقاش خلال الأيام المقبلة، لكن الخلافات الغربية الداخلية، أعطت مبدئيًا بعض ملامح عدم الاتفاق على أي عقوبات أوروبية على روسيا.

كان الرئيس الروسي بوتين في لقاء تلفزيوني، قد حمّل واشنطن والغرب -عمومًا- تدهور الوضع في سورية والمنطقة، ثم بدا بوتين في تعليقه شامتًا بما آل إليه الربيع العربي، وكيف انتهى، مُذكرًا بالموقف الروسي، وعادًّا أن هذا الربيع أدى إلى ولادة الإرهاب، الذي أصبح يهدد العالم من موسكو إلى واشنطن مرورًا بأوروبا.

من جهتها، قالت وزارة الخارجية الروسية في بيان لها، إن الوزراء في اجتماع لوزان، أكدوا الالتزام بالحفاظ على سورية “دولة علمانية موحدة يُحدد السوريون مستقبلها، من خلال حوار سياسي، يجمع كافة الأطراف” وأوضحت الخارجية أنه بُحث “إطلاق العملية السياسية في أسرع وقت ممكن، وفقًا لقرارات مجلس الأمن الدولي، ومجموعة دعم سورية وبيان جنيف”.

من المرجّح أن مبادرة ديمستورا بإخراج عناصر (فتح الشام)، من الأحياء الشرقية المحاصرة في حلب، هي محور المرحلة المقبلة، ومفتاح إدخال المساعدات، وهذا ما يمكن استنتاجه حتى من التصريحات التركية، بضرورة الإسراع بخروجهم من حلب، والتي جاءت على لسان وزير الخارجية التركي، عقب لقاء لوزان بسويسرا، كما أن المرحلة المقبلة قد تشهد انفراجًا لغيوم الدخان الداكنة من القذائف والصواريخ الروسية لساعات، وإنشاء نقاط طبية لاستقبال المصابين، بحسب المبادرة التركية، قد تكون أممية بأعلام زرقاء، أو إقليمية، وتمنّ فيها روسيا على الغرب، بأنها تملك قرار السلم والحرب وعبور الدواء والغذاء، ولكن روسيا -بالتأكيد- تدرك أنها لن تمنّ على السوريين حتى بأوراق تسجيلهم جداول الجرائم، كونها تُسجَّل باللحم الحي والدم الساخن، فحرية الشعوب تستحق التضحية، ومدينة لوزان كما فيينا وجنيف وغيرهما، يُدرك السوريون أن لقاءاتها تجري على هامش مشوار طويل وشائك نحو الفجر.

[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]