‘“حنظلة السوري” يرسم على الجدران بفرشاة ودهان “الطّرْش”’
19 أكتوبر، 2016
لم يغب عن شباب الثورة السورية، أهمية فن الرسم على الجدران في الشوارع والأزقة، لنَقلِ معاناة الشعب السوري بصورة سلمية، ذلك الفن المعروف بـ”الغرافيتي”، الذي تميز به الفراعنة والإغريق والرومان، ليتم تجديد هذا الفن من جديد في ستينات القرن الماضي في نيويورك، بإلهام موسيقى “هيب هوب”.
استخدم الشباب السوري فن “غرافيتي” منذ بداية الثورة، لإيصال رسائل سياسية واجتماعية ودولية، لكن لم تسلم هذه الفئة من الرسامين من اعتقالات النظام، رغم أنها لم تستخدم أكثر من فرشاة الرسم والألوان.
وبالرغم من أن هذا الفن لم يأخذ مجده في الثورة السورية، إلا أنه لم يندثر، وبدأ شبان من الغوطة الشرقية بالرسم على جدران الطرقات من جديد، لتبدو رغبتهم بنقل رسالتهم المتعلقة بالثورة للشعب أكبر من أية سلطة، بعد أن بات الإعلام نمطيًا، وأمسى طرح الأفكار نمطيًا بشكل يدخل الملل على روح الجمهور، فما كان منهم إلا أن حملوا الفرشاة وطلاء الجدران واعتمدوا الفكاهة أو الحزن لرسم أفكارهم، على حد قول رسام غرافيتي من الغوطة.
“لا أريد أن أعرض لوحاتي في المعارض، أريد أن أكون فنان شوارع” جملة بدأ بها رسام الغرافيتي أبو صلاح المعروف بـ”جعفر”، وقال “قمت أنا وفريق من الشبان بهذا النوع من الفن منذ أشهر، ورسمنا لوحات عدة من أهمها لوحة عن ذكرى الكيماوي، وأخرى عن التغيير الديموغرافي لداريا، وكانت إحدى لوحاتنا عن القصف الروسي، وهناك أفكار أخرى جديدة نجهز لها”.
لم يقتصر هذا النوع من الفن على الرسامين، أو خريجي الفنون الجميلة، بل شمل شبابًا لديهم مواهب وطاقات ويرغبون بالتعبير عنها على جدار شقة أو منزل تحول إلى ركام، لم يكن يهمهم إن كان سليماً أو متشققاً أو ثقبت أحد أطرافه قذيفة.
جعفر وهو طالب في كلية التجارة بدمشق، لم يكن ذات يوم يعتقد بأنه سيمسك فرشاة وطلاء جدرانٍ ليرسم على الجدران ما يجول بذهنه، إلا أن اعتقاله لدى النظام لفترة، وطول عمر الثورة وشرذمتها فيما بعد على حد قوله، دفعته لإخراج مواهبه التي كانت مكنونة.
يقول “كنت بطل سوريا في رياضة بناء الأجسام لعام 2009، هذا النشاط الذي يختلف 180 درجة عن الفن، إلا أنه لم يمنعني عن الفن، ودفعتني الظروف لأخوض هذه التجربة مع الغرافيتي”.
وأردف جعفر “نحن أربعة شبان، نرسم بطريقة الغرافيتي، أرسم أنا اللوحة، ويتولى الباقون عملية المونتاج والتصوير، لم يكن بيننا أحدٌ خريج فنون جميلة، ولكننا لجأنا إلى هذا النوع الحديث من الفن لنوصل أفكارنا لكافة الفئات العمرية، حتى أننا استهدفنا الأطفال من خلال رسومات قمنا برسمها على جدران دور الحضانة والروضات”.
في ظل الحصار الذي تعاني منه المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، كان هناك صعوبات عدة في وجه من يملكون موهبة الرسم على الجدران، نظراً لصعوبة وصول المواد اللازمة للعمل بها، خاصة مع صعوبة إقناع معظم التجار المسيطرين على السوق على المواد اللازمة للرسم ولكونهم يعتبرونه “لا يقدم ولا يؤخر”.
يضيف جعفر “واجهنا الكثير من الصعوبات وكان أهمها، تأمين الألوان والمواد الضرورية بسبب الحصار على المفروض الغوطة، وواجهتنا مشكلة تفاوت أسعارها، لاسيما أننا فريق تطوعي لا يدعمنا أحد، ولا نريد أن يرعانا أحد لأننا نريد أن نوصل رسالتنا بحُرية.”
واعتبر الرسام جعفر أن استخدام ألوان “الطرش” (نوع من أنواع الدهان منخفض السعر) أوفر بكثير من استخدام الألوان الزيتية، نظراً لغلاء الأخيرة، مبيناً أن “تكلفة اللوحة الواحدة قد تصل إلى 40 ألف ليرة سورية في حال تم استخدام الألوان الزيتية، بينما ستكلف النصف في حال استخدم الدهان الرخيص.”
وتابع جعفر “لقد خرجنا لنطالب بالعدالة والكرامة والحرية، وبعد مرور ست سنوات اعتقد العالم أننا اليوم بحرب عائلية، نظراً لكثرة الفصائل والتشتت الذي وصلنا له، ما دفعنا لاستخدام الفن من أجل تجاوز الصعاب ولإيصال فكرة أن الثورة قامت على إرادة شعب حر، ينادي بالحرية، وأن هناك مجرمون ومتسلقون لا محالة”.
يؤكد جعفر أن فريقه يبدأ بالرسم عندما يشعر أنه بحاجة لإيصال رسالة، مشيرًا إلى أنهم يتخذون إجراءات احترازية منها على سبيل المثال أنهم “لا يرسمون على الجدران المتواجدة بجانب المقرات العسكرية للفصائل المسلحة، إذ لم نسلم من بعض المضايقات من عناصر الفصائل العسكرية، خاصة المتشددة منها، في حال رسمنا أشخاصًا أو وجوهًا، ليدحضوا هذا العمل باعتباره يدخل ضمن محرمات الإسلام”. على حد قوله.
لم يكن فن “غرافيتي”، وإبداع الرسم على الجدران هو الوحيد الذي نقل به أبو جعفر معاناة الشعب السوري في الغوطة الشرقية، من حصار وقصف وإبادة، فقد طرق أبواب كل أنواع الفن، ودخل في عالم المسرح ليؤدي دوراً في مسرحية “الانسحاب” التي تم عرضها منذ حوالي أسبوعين في الغوطة الشرقية، كما أنه لجأ مع فريقه لعمل “سكيتشات” ستبدأ بالعرض أمام الجمهور في وقت قريب، وكان آخر أعماله بطولة فيلم “همام الحصري”، الذي سيتم عرضة في الأشهر المقبلة بعد أن يتم إنهاء تصويره، بحسب ما قال جعفر.
لم ينهِ حنظلة السوري حديثه بتفاؤل كبير، لكنه لم يدفن في بحات صوته الفرح والطموح، وقال “لا نعرف إلى أين سيسير عملنا، ولكن الشيء الجميل أن الناس بدأت تتابع هذا النوع من الفن، وبدأت تسأل عن الأعمال الجديدة، الأمر الذي جعل الأمل بنجاح هذا العمل يتسلل إلىى قلوبنا”.
[sociallocker] صدى الشام[/sociallocker]