حرائق مفتعلة من عصابات منظّمة وشبيحة… وحكومة النظام “تغض الطرف”

26 أكتوبر، 2016

رئة سورية تتعرض لتمدد سرطان المتاجرة من قبل الفاسدين والمتنفذين، فآلاف الدونمات من الغابات تعرضت للاحتراق المفتعل، وهذا ما حدث في الكثير من المناطق سواء في ريف دمشق أو في مناطق مشتى الحلو وصافيتا والقدموس وبقية المناطق الحراجية، وكان آخرها الحريق الذي حدث في بداية الشهر الحالي حيث التهمت النيران مئات الدونمات الزراعية والحراجية على امتداد مساحة محافظة طرطوس، حيث بلغ عدد الحرائق 24 حريقًا، كان أكبرها الحريق الذي شبّ في ضهر الدريكيش والذي التهم أكثر من 300 دونمًا زراعيًا، وحريق منطقة “البيسار” الذي التهم ما يزيد عن خمسين دونمًا من الأراضي الزراعية.

 

حرق الغابات..وجهان للمتاجرة

وصل عدد الحرائق الحراجية خلال الفترة الماضية من العام الحالي إلى 247 حريقًا تمت السيطرة عليها بعد أن التهمت 20141 دونمًا حراجيًا، وكان المتهم دائمًا “عود كبريت”، في حين أن الحقيقة مغايرة لذلك، فهناك وجهان لهذه التعديات، أولها يتعلق بالمتاجرة بالحطب، وثانيها اغتصاب الأرضي للبناء عليها وفق معلومات أكدت ذلك لـ”صدى الشام”.

في آخر مسح للغابات نفذته وزارة الزراعة في عام 1992، قدرت مساحة الغابات السورية بـ 232.840 ألف هكتار، معظمها طبيعي، وتقدر قيمتها المادية بـ43 مليار يورو، ولكن مع امتداد الحرب لنحو 6 أعوام، فقدت سورية الكثير من غطائها الأخضر، حيث أشارت وزارة الزراعة، في حكومة نظام الأسد، أنه خلال سنوات الحرب بلغ عدد الحرائق حوالي 1548 حريقًا، فبلغ عدد الحرائق عام 2011، أول أعوام الثورة، 351 حريقًا التهمت 3221 دونمًا، بينما في عام 2013  بلغت نحو 404 حرائق حراجية التهمت مساحة قدرت بـ 25586 دونمًا، وعام 2014 بلغت 393 حريقًا التهمت مساحة 19241 دونمًا، بينما في عام 2015 قُدّر عدد الحرائق بأكثر من 400 حريق التهمت حوالي 20 ألف دونم أكثرها في حماة (مصياف والغاب) وذلك بفعل التعديات.

تشير أرقام مديرية الحراج في وزارة الزراعة التابعة للنظام، أنه تم إصدار عدد كبير من قرارات نزع اليد الناجمة عن قيام البعض بمحاولات لاغتصاب أراضٍ زراعية بعد حرقها وبناء القصور عليها، حيث بلغت خلال عام 2012 ما يقارب 687 قرار نزع يد، وفي العام التالي 415 قرارًا وفي 2014 بلغت 583 قراراً.

 

عصابات منظمة وفساد في عقود الإطفاء

مهندس زراعي يقطن في منطقة الغاب، فضل عدم الكشف عن اسمه، أكد لـ”صدى الشام”، أن حرائق السفح الشرقي من جبال اللاذقية الممتدة من مصياف إلى الغاب بدأت في فصل الصيف وأخذت تلتهم الجبال، مؤكدًا أن القسم الأكبر من الحرائق يقع تحت إشراف الهيئة العامة لإدارة وتطوير الغاب، التابعة للنظام، والتي يحتج القائمون عليها منذ بدء الحرب على العجز المخيف في ميزانيتها، مما أخرج الكثير من سيارات الإطفاء من نطاق الخدمة بسب العجز عن الصيانة ما سبب عدم القدرة الكافية على إخماد الحرائق.

وأضاف المهندس: “يوجد خلل بعقود الإطفاء التي سيطر عليها مجموعة من المدراء القائمين الذين اعتبروها غنيمة يجب تقاسمها. ولا يخلو الأمر من ضعف إمكانيات المخافر الحراجية التي يجب أن تفعل وتعطى صلاحيات أكثر من ذلك، وأن تؤازر من قبل جميع الجهات الفاعلة والقادرة على المساعدة”.

أكد المهندس أن “ما يثير الريبة أكثر هو تزايد حالات الحرائق عاماً بعد عام”، مرجعاً سبب ذلك لرغبة الكثيرين بالحصول على “عقود الإطفاء”، فهي موسم استفادة للمدراء، عدا عن ضعف دور الرقابة مع عجز في المحاسبة لوجود جهات ضاغطة كثيرة أهمها “الشبيحة”. ففي حال أراد أي موظف في مخافر الحراج التبليغ أو كتابة ضبط بأي شخص، فإنهم سيتهمونه بقضية تتعلق بالخيانة الوطنية أو تهريب الذخيرة أو الفساد، أو أنهم يقومون بالتسلط عليه، وهذا ما أكدته مصادر في الإطفاء، حيث بينت أن عمليات قطع الأشجار وبيعها كحطب أو تفحيمها باتت مهنة منظمة تقوم بها مجموعة من “العصابات”.

المهندس لفت إلى أنه رغم ضخامة الحرائق فعدد آليات الإطفاء في منطقة الغاب لا يتجاوز 3 آليات فقط، في حين كان عددها 17 آلية إطفاء.

وأكد المهندس أنه “من الضروري التفريق بين الأشخاص الذين يقومون بالاحتطاب وأولئك الذين يقومون بحرق الغابات، فالمحتطبون مجبرون على ذلك لكي يحصلوا على الدفء في ظل ارتفاع أسعار المازوت والغاز وصعوبة الحصول عليهما، في حين أن من يقوم بحرق الغابات فهدفه أولاً: المتاجرة بالفحم، وثانياً: وضع اليد على الأراضي والبناء عليها، بحجة استصلاحها، وهذا الأمر لا يشمل المناطق الجبلية ذات التضاريس الصعبة”.

وعن مقترحاته للحد من هذه الحرائق لفت المهندس، إلى أهمية وجود إدارة قوية تكون قادرة على وضع حد للفاسدين “والشبيحة”، مع استنفار لكادر الهيئة طيلة فصل الصيف وإعطاء وتقسيم المنطقة إلى قطاعات صغيرة وتسليمها إلى مجموعات، مع تزويدها بالآليات للتمكن من إخماد الحريق قبل توسعه، مشيراً إلى أهمية أن يكون هناك تنظيم مختلف لإدارة الحرائق يتم تزويدها بكل الإمكانيات المتاحة طيلة أيام الصيف.

 

ملايين في ليلة وضحاها

المواطن خالد، من منطقة مصياف، قال لـ”صدى الشام”، إن “معظم الحرائق التي حدثت أثناء الحرب الدائرة هي بفعل فاعل ولا تعود لارتفاع درجات الحرارة كما تقول بعض الجهات الحكومية، بل إنها متعمدة بهدف وضع اليد والسيطرة على الأراضي لاستثمارها من قبل المتنفذين، سواء في البناء أو بيع الحطب والفحم للتجار، حيث يبلغ سعر كيلو الفحم حالياً نحو 300 ليرة، وهو لا يكلف سوى أن يقوم المتنفذ بإرسال مسلحيه إلى إحدى الإحراج ليرموا عود كبريت وقليل من المواد الحارقة على شجرة واحدة ليجني ملايين الليرات في مدة لا تتجاوز ليلة وضحاها”، مؤكداً أنه لا توجد متابعة من الجهات الحكومية لقضية الحرائق رغم خطورتها، فهناك “غض للطرف” عن الفاعلين، والدليل على ذلك أن الحرائق تزداد عاماً بعد عام.

وبيّن خالد أن “جهات الإطفاء تقوم بإخماد الحريق، ولكن خلال ساعات قليلة يعاود الحريق للاشتعال مجدداً في أماكن أخرى، ما يؤكد أن الأمر مفتعل، وهذا ما حدث بالضبط بداية هذا العام، على الطريق الممتدة بين قرية الرصافة والبيضة، وهي منطقة غنية بأشجار الصنوبر، وكانت غابات البيضة الأكثر احتراقاً، كما امتدت من قرية البستان حتى عين حلاقيم وحرش البيضة، مع الإشارة إلى أن أغلب المساحات احترقت في محمية البستان ووصلت إلى حدود طرطوس وفي عين حلاقيم وصلت إلى حدود المنازل”.

ولفت إلى أن المتتبع لواقع الحرائق يجد أن الفاعلين لا يقومون بإشعال الحريق إلا في أوقات محددة وظروف مناخية معينة، فمعظم الحرائق تبدأ خلال شهر نيسان، مستغلين هبوب الرياح الشديد، وتستمر حتى أيار وتشتد في الصيف، ومعظمها يكون في أيام العطل الرسمية.

بالمقابل، أكد أبو صفوان من محافظة القنيطرة، لـ”صدى الشام”، أن “المتاجرة بالحطب والفحم هي أحد أهم أسباب اندلاع الحرائق، ففي عام 2012، اندلعت الكثير من الحرائق طالت مناطق عين التينة وبئر عجم وغابة طرنجة، وبريقة، وسببت احتراق آلاف الدونمات المزروعة بالسنيدان والبلوط، ولا يمكن أن ننسى ما تعرضت له محمية جباتا الخشب، والتي خسرت كل أشجارها المقدرة بنحو 350 شجرة قطعت للمتاجرة بها وتفحيمها وبيعها للمواطنين بالسوق السوداء”.

وأشار إلى أن معظم الأشجار التي يتم قطعها معمرة، أي يصل عمرها إلى 20 عاماً وأكثر، ومعظمها مثمر، أي حرق الغابات والحراج وقطع الأشجار بهدف المتاجرة والاستغلال سيكون له أثر كبير على ناحيتين: أولها الغطاء الأخضر والبيئة، وثانيها الزراعة وتوفر المحاصيل.

 

سورية مقبلة على التصحر

المسافر من دمشق إلى درعا سيلاحظ أن معظم الأشجار على الطريق مقطوعة، وكذلك الأمر بالنسبة لمعظم الطرق من دمشق إلى ريف دمشق وحمص، حتى أن أشجار المزارع لم تسلم من عمليات السطو والقطع. ويحمّل باحث في الشؤون الزراعية طلب عدم الكشف عن اسمه، لـ”صدى الشام”، ما وصلت إليه الغابات والمناطق الحراجية في سورية من وضع مؤسف، إلى الحكومة التي “هيأت أسباب حدوث هذه الحرائق”، مشيراً إلى أنه “عندما قامت الحكومة برفع أسعار المازوت والغاز المنزلي، دون تقديم دعم مادي للأسر السورية التي يعيش معظمها تحت خط الفقر، توجهت هذه الأسر للحطب للحصول على الدفء في فصل الشتاء، كونه الوسيلة البديلة الأرخص والأكثر توفراً”، لافتاً إلى أن الحكومة لم تعي خطورة قرارات رفع أسعار المشتقات النفطية، حتى بدأت تلمس ذلك على الأسواق وأيضاً على الغابات، حيث أن زيادة الطلب على الحطب والفحم دفع بالمتاجرين وبعض أصحاب النفوذ إلى استغلال ذلك، فبدأت عمليات حرق الغابات تنتعش وتزداد عاماً بعد عام، وبدأت عمليات الاحتطاب تتوسع ولم تستثنِ لا شارعاً ولا حديقة. لكن الحكومة ما تزال مصرة على سياساتها الاقتصادية الفاشلة، وتقوم برفع أسعار المشتقات النفطية بشكل متواتر، ضاربة بعرض الحائط الآثار الكارثية لذلك على شتى قطاعات الإنتاج والزراعة ودخول المواطنين”.

وأكد الباحث أن “هناك ميزانيات ضخمة تصرف على إخماد الحرائق، معظمها وهمي، وتتم عبر مديرية الموارد الطبيعية، التي تضع فواتير ضخمة وبأرقام كبيرة، وطبعا لكل حصته من هذه الغنيمة”.

ونوه الباحث أنه “في حال استمرار هذه الحرائق، فسيأتي يوم على سورية، تصبح جرداء خاصة وأن عمليات التشجير للمناطق المحترقة لا تتم على الشكل الأمثل، حيث يتم احتراق ألف دونم ولا يتم تشجير سوى دونمين فقط، ما يعطي مؤشراً خطيراً بأن سورية مقبلة على التصحر، لا محالة، ومقبلة على تغير مناخي، كون هذه الغابات هي الرئة المنقية لكل الغازات السامة التي تطلق بالجو.

 

رسالة من مواطن للوزير

أحد المواطنين كتب لوزير الزراعة في حكومة الأسد، في إحدى التعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي، قائلاً: “السيد وزير الزراعة، أين الوعود التي قطعتها على نفسك من أجل الحرائق وأنك سوف تحاسب كل مقصر في هيئة تطوير الغاب، وعلى رأسهم المدير العام؟ لماذا لم يحاسب أحد حتى الآن؟ عشرات الحرائق طالت مساحات هائلة في مصياف ونهر البارد وأبو قبيس وآخرها قرية عناب ونبع الطيب والتي ما زالت مستمرة حتى هذا الوقت. لماذا لم تحاسب رؤوس الفساد في الهيئة؟ ألم تصرف الملايين من أجل إصلاح الإطفائيات ودعم الحراج بكل الوسائل لإنقاذ ما تبقى من الأشجار الخضراء في جبالنا؟ ألم يحن يا وزيرنا المحترم أيجاد حل فوري للهيئة؟”.

يشار إلى أن مساحة الغابات الطبيعية في سورية تبلغ حوالي 232.8 ألف هكتار موزعة على معظم المحافظات، ويبلغ عدد المحميات والمنتزهات الوطنية في سورية 30 محمية تغطي نظما بيئية متنوعة وبمساحة إجمالية قدرها 186358 هكتاراً موزعة في جميع مناطق سورية.

 

إضاءات:

باحث في الشؤون الزراعية: سورية مقبلة على التصحر، لا محالة، ومقبلة على تغير مناخي، لأن الغابات هي الرئة المنقية لكل الغازات السامة التي تطلق بالجو

يزداد عدد الحرائق في الحراج والغابات السورية عاما بعد آخر بالرغم من الميزانيات الضخمة التي تُصرف بحجة إخماد الحرائق، والتي تكون وهميّة في معظمها، وتقدمها مديرية الموارد الطبيعية

باتت عمليات قطع الأشجار وبيعها كحطب أو تفحيمها مهنة منظمة تقوم بها مجموعة من العصابات.

 

[sociallocker] صدى الشام
[/sociallocker]