‘عبد الرحمن الشهبندر: نضال ثوري وتنوّع فكري’

2 نوفمبر، 2016

آلاء عوض

طبيب ومُفكّر سياسي ومناضل وطني، جمع بشخصه وفكره كل المرجعيات؛ فكان منفتحًا على الآخر ومُتفهمًا له، قدّس العروبة على الرغم من إيمانه العميق بالعَلمانية، ودافع عن الحرّيات، وحثّ على الثورات، وصدرت بحقه أحكام عدة بالنفي والإعدام.

عبد الرحمن الشهبندر، المولود في دمشق عام 1879، من أسرة دمشقيّة مُتأصّلة، كان والده صالح الشهبندر صاحب إنسانيته عالية ومواقف نبيلة معادية لكل أنواع الطغيان.

ترعرع يتيم الأب، حيث تُوفي والده عندما كان عمره 6 سنوات، وربته أمه على حب العلم والتعلّم؛ ليثبت -فيما بعد- أن كل البذور التي زُرعت فيه أينعت خيًرا.

تلقّى علومه الابتدائية والثانوية في دمشق، وسافر إلى لبنان لدراسة الطب في الجامعة الأميركية في بيروت، وتخرّج منها عام 1906، وبعد تخرجه اختارته الجامعة؛ ليكون أستاذًا وطبيبًا فيها، ثمّ قرر العودة إلى دمشق عام 1908.

انضمّ -في سن مبكرة- إلى الحلقة الإصلاحية المُناوئة للحكم العثماني، والتي كان يرأسها الشيخ طاهر الجزائري، وكادَ أن يُعدم بسبب ذلك، وبسبب مقال كتبه في صحيفة “المقطّم” المصرية حول خلافة السلطان عبد الحميد الثاني، غير أن صغر سنه أنقذه، إذ كان تحت السن القانونية.

سافر إلى العراق والهند ومصر، وتولّى في مصر رئاسة تحرير جريدة “الكوكب”، وبعد فترة وجيزة، تخلّى عنها بعد أن تبيّنت له تبعيّتها للسياسة الإنكليزية.

عاد إلى دمشق عام 1919، بعد استقلال سورية عن الحكم العثماني، وأعدّ مع أصدقائه الناشطين في الأحزاب السياسية المختلفة حملة وطنية؛ لإظهار البلاد بالمظهر الذي تنشده من حرية واستقلال أمام اللجنة الاستفتائية الأميركية (لجنة كنغ – كراين)، التي عيّنها الرئيس الأميركي، ولسن، في أثناء انعقاد مؤتمر الصلح في باريس؛ للوقوف على آراء أبناء سورية وفلسطين في مستقبل بلادهم.

تسلّم وزارة الخارجيّة السورية في حكومة هاشم الأتاسي التي بدأت أعمالها عام 1920، وسقطت بدخول الفرنسيّين وفرضِهم الانتداب على سورية، وفي هذه الأثناء غادر الشهبندر إلى القاهرة، ولكنه ما لبث أن عاد إلى دمشق؛ ليباشر في تنظيم الأعمال السياسية لمقاومة الاحتلال الفرنسي، ونتيجةً لنشاطه السياسي والوطني؛ ألقى الفرنسيون القبض عليه، وحُكم عليه بالسجن لمدة عشرين عامًا، والنفي إلى بيت الدين في لبنان، ثم إلى جزيرة أرواد السورية، وبعد تسعة عشر شهرًا صدر العفو عنه؛ فسافر إلى أوروبا وأميركا؛ ليعرّف الغرب بأماني الوطن والعروبة، حيث كان من أوائل الزعماء السوريين الذين طرحوا القضية الوطنية أمام المحافل الدولية.

عاد الشهبندر عام 1924 إلى دمشق، وأسّس حزب الشعب، وتولى رئاسته، وناضل ليُثبّت تنظيمًا سياسًا واعيًا، يدعو -من خلاله- إلى الوحدة العربية، ويسأل البلدان العربية التوحّد؛ للتخلّص من الانتداب الفرنسي وتشكيل الجمهورية العربية السورية.

دعم الثورة السورية بكل شجاعة، وتواصل مع كبار قادتها، ولكن الثورة -بعد سنة من اندلاعها- بدأت تضعف؛ فانسحب إلى الأردن، ومن هناك سافر إلى العراق، ثم إلى مصر، وذلك بعد صدور حكم فرنسي بإعدامه، فاضطر للبقاء في القاهرة قرابة عشر سنوات، كان خلالها يعمل للقضية العربية، بالتعاون مع اللجنة التنفيذية للمؤتمر السوري الفلسطيني، إضافة إلى عمله في الطب.

بعد إلغاء حكم الإعدام، عاد إلى دمشق عام 1937، ولم يتوان عن إلقاء الخُطب والمحاضرات التي تعرّف الناس بإجحاف القوانين الفرنسية، وتحضّهم على التحصّن بالمعارف، والانتفاض في وجه الظُلم والظلّام.

اغتيل عام 1940 في عيادته الكائنة في حي الشعلان من دمشق، ووجّهت التهمة لثلاثة من زعماء الكتلة الوطنيّة، ودُفن إلى جوار قبر صلاح الدين الأيوبي، قرب الجامع الأموي الكبير، وعُدّ -بمسيرته النضالية- العقل المُخطّط للثورة السورية الكبرى، والتي مهّدت لخروج الفرنسيين خروجًا نهائيًا من سورية.

[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]