عشرة بالمئة من السكان يعيشون على إفقار البقية… تلاشي الطبقة الوسطى بين أمراء الحرب والفقر المدقع

2 نوفمبر، 2016

 

تلاشت الطبقةُ الوسطى في سوريا خلالَ سنواتِ الحربِ الخمسة التي مَضت، منذ نهاية عام 2011 وحتى نهاية عام 2015 الحالي، وانقسم المجتمع السوري إلى طبقتين إما شديدة الغنى أو شديدة الفقر، وسط غياب الطبقة الميسورة، التي كانت تشكل النسبة الأكبر من هذا المجتمع.

ولعل التعريف الأبرز لهذه الطبقة هو الشريحة الاجتماعية التي تتمكّن من تحصيل “حد الكفاية” وهو مصطلح يشير لتأمين جميع المستلزمات الأساسية لحياة الأسرة السورية من الغذاء ولكساء والسكن والتعليم والصحة والتنمية الاجتماعية، دون الرفاهيات، على ما تشرح الباحثة المتخصّصة في الوضع الاجتماعي ميسون القاضي لـ صدى الشام”.

 

الطبقة المخملية أم أمراء الحرب؟

دخل شابّان يرتديان الزي العسكري إلى أحد محلّات الألبسة باهظة الثمن في شارع الحمراء وسط العاصمة دمشق، واشتريا مجموعة ألبسة شتوية ودفعا ثمنها ما يقارب 90 ألف ليرة سورية ثم غادرا المكان.

وقد شهدَ علاء الطالب الجامعي الذي يعمل في شركةٍ للكومبيوتر ما جرى مع اثنين من أصدقائه وسط ذهولٍ انتابه.

يقول علاء لـ “صدى الشام”: “كل ما أعرفه أن العسكري في سوريا يكون عبارةً عن شخصٍ شديد الفقر، لأن دخله الشهري لا يتعدى 30 دولار، في حال كان متطوّعاً أما إذا كان يخدم إلزامياً فليس له أي راتب ” يتسائل الشاب “شهدت أكثر من موقفٍ مشابه فمن أين يأتي هؤلاء بالأموال ويصرفون بسخاء في أسواق العاصمة؟”.

ربما تحتاج الإجابة على سؤال علاء، أن يتم تحليل مرجعية الفصيل العسكري الموالي للنظام، الذي يقاتل به الشابّان زبونا الألبسة، فمن الممكن أن يكون مصدر الدخل هو تعفيش منازل المواطنين، وربما يقف خلف هذه الأمر حوادث أكثر فظاعةً ومنها التشليح والسلب وسمسرة مصير المعتقلين ربما، حيث يختلف هؤلاء في التصنيف، الأغنياء الذين كانوا يمتلكون أموالهم قبل الحرب أساساً، لأنهم حصّلوا ثرواتهم خلال الحرب.

 

تغيّر بنية المجتمع

ازدادت نسبة الغنى بين متعيشي الحرب في سورية، وأبرزهم “المقاتلون المتطوعون في فصائل تقاتل إلى جانب النظام كاللجان الشعبية والدفاع الوطني وصقور الصحراء، إضافة إلى سماسرة المعتقلين ووثائق السفر وتأجيل الخدمة الإلزامية، ومتعيشي المواد الأساسية كمحتكري الوقود والأغذية ومولدات الكهرباء.

يعتبر الحاصل على ماجستير في علوم الاقتصاد مازن حاج أحمد أنه من الطبيعي غياب الطبقة الوسطى في الحرب التي تستهدف المدن والبنى التحتية”، معتبراً أن الحرب المباشرة وما تخلّفه من قصفٍ وبراميلٍ واستهدافٍ ممنهج تعتبر مسؤولةً عن فقر الناس بشكلٍ ثانوي.

وأضاف حاج أحمد أن المسؤول الأساسي يعود إلى تعيّش 10% من السكّان وحيازتهم معظم الثورات والأموال، على حساب إفقار 80% من الشريحة الأخرى في ذات المجتمع، موضحاً أن من كانوا أغنياءَ في المجتمع ذاته والذين كانت نسبتهم حوالي 15% يتحولون إلى طبقة وسطى خلال الحرب، في حين تبقى الشرائح الأخرى إما شديدة الغنى أو شديدة الفقر، حيث تكون الأخيرة نسبتها أكبر

 

تحت خط الفقر

 ويبيّن حاج أحمد أن الأشخاص العاديين الذين يتضرّرون من الحرب بشكلٍ مباشر تكون نسبتهم هي الأكبر بين السوريين، ويكون الخطر الذي تلقّاه هؤلاء هو الأكبر على الإطلاق في الحرب.

وبحسب الإحصاءات المعلنة التي أتاحتها الأمم المتّحدة على مواقعها فإن أكثر من 4 مليون سوري لجؤوا إلى دول الجوار بما فيها لبنان والأردن والعراق وتركيا، إضافةً إلى الدول الأوروبية، يضاف إليهم 6.% مليون نازح داخل سوريا لم يعبر حدود البلاد، ويعيش هؤلاء النازحين الذين يشكّلون ربع عدد الشعب السوري تماماً في ظروفٍ قاسية تحت وطأة النزوح وقلّة المساعدات الإنسانية والأساسية المقدّمة لهم، وانعدام مستوى الدخل والتعليم والصحة وإقامة معظمهم في مراكز إيواء لا تحتوي على أدنى متطلّبات الحياة للإنسان العادي.

الدراسة الأخيرة والأشد إيلاماً تلك التي أجرتها لجنة “إسكوا” التابعة للأمم المتحدة، في شهر أيار من العام الجاري تحت عنوان “سوريا.. خمس سنواتٍ في خضم الحرب”، وتشير الدراسة إلى أن 83.4% من السوريين في الداخل السوري يعيشون تحت خط الفقر، مقارنةً بـ 28% في عام 2010.

أضافت الدراسة أن 13.5 مليون شخصاً، بينهم 6 ملايين طفل بحاجة إلى مساعدات ٍ أغاثية بين هؤلاء 4 ملايين يعيشون في دمشق العاصمة وريفها وريف حلب.

 

 

 

تبدّد الثروات

“ارحموا عزيز قومٍ ذُل”، قد يكون هذا المثل الشعبي هو الأكثر تعبيراً عن حالة مئات رجال الأعمال والأسر الغنية، الذين كان لديهم أعمالهم ورؤوس أموالهم في سوريا، وفقدوها نتيجة المعارك التي نسفت أموالهم ومواردهم الاقتصادية، وحوّلت الكثير منهم إلى لاجئين في دول الجوار يعملون في مصانع ومعامل عادية لتحصيل قوتهم وقوتِ عائلاتهم.

بالمقابل فإن عدداً كبير من رجال الأعمال السوريين، قد أدركوا منذ البداية بضرورة سحب ثرواتهم ومغادرة البلاد، وهذا ما فعلوه وتمكّنوا من استئناف صناعتهم وأعمالهم خارج البلاد، ولا سيما في دول الجوار كالأردن وتركيا، إضافةً إلى مصر، التي أسست مدينة صناعية كاملة للصناعيين ورجال الأعمال السوريين.

[sociallocker] صدى الشام
[/sociallocker]