جرائم الشرف تعود لتحصد أرواح أردنيات… بزيادة 53 في المئة عن 2015
8 نوفمبر، 2016
يصف زائر عربي قدِم إلى الأردن أخيراً، التحولات الاجتماعية التي شهدتها المملكة نحو الحياة المدنية بـ «القفزات»، إذ لم يعد جلوس الفتيات بالمقاهي وخروجهن في الرحلات مع زملائهن أمراً استثنائياً في المجتمع، كما كانت عليه الحال قبل نحو خمس سنوات أو أكثر.
فما هو متاح للفتيات اليوم، لم يكن يلقى أي قبول في مجتمع يعتنق القيم الذكورية، وينظر إلى المرأة بدونية، باعتبارها «عورة» وأنها لم تخلق إلا لخدمة الرجل. لكن ذلك لم ينعكس بالضرورة انفتاحاً لدى الشرائح الاجتماعية كافة، ولا في القوانين. فهنا، لا تزال الفتاة مكبّلة بثلة من القوانين المنحازة إلى الرجل، والتي تهضم حقوقها، وتدفع بها إلى مصاف ضحية معتد لن يلق عقاباً عادلاً على الأغلب.
ولا تزال المواد (98 و99 و340) من قانون العقوبات تعطّل حقوق المرأة، وتتيح للرجل تعنيفها وقتلها بداعي الشرف من دون أن يلقى عقوبة تتوافق وحجم الجرم الذي يسلبها حقها في الحياة.
ويستفيد الجاني، وغالباً ما يكون من عائلتها، من المادة 98 التي تمنحه «العذر المخفف في مجال ارتكاب الشخص الجريمة تحت بند سوْرة الغضب»، فيما تخفض العقوبة إلى النصف – وفق المادة 99 من القانون نفسه – في حال تنازل ذوو الضحية عن حقهم الشخصي، في وقت يلجأ آخرون الى تحريض قصّر على تنفيذ جرائم القتل، ليستفيدوا من الحكم المخفف الممنوح لعمرهم.
وتنص المادة 340: 1- يستفيد من العذر المخفف من فوجئ بزوجته أو أحد أصوله أو فروعه أو أخواته حال تلبّسها بجريمة الزنا أو في فراش غير مشروع فقتلها في الحال أو قتل من يزني بها أو قتلهما معاً أو اعتدى عليها أو عليهما اعتداء أفضى الى موت أو جرح أو إيذاء أو عاهة دائمة.
كما تنص المادة 98 على أنه: «يستفيد من العذر المخفف فاعل الجريمة الذي أقدم عليها بسورة غضب شديد ناتج من عمل غير محق وعلى جانب من الخطورة أتاه المجني عليه».
وجاءت الأرقام الرسمية الأخيرة التي كشفت ارتفاعاً كبيراً في جرائم الشرف، لتدق ناقوس الخطر لناحية الضعف التشريعي الذي تعيشه البلاد، واستمرار النظرة الاجتماعية الدونية بحق المرأة. ومنذ بداية العام الحالي، قضت 35 سيدة أردنية نحبهن، وفق إحصاءات رسمية، بذرائع الدفاع عن الشرف، ما عدا ما لم يسجل في دوائر الشرطة تحت هذه الخانة أصلاً. وأفادت الأرقام بأنه خلال الأشهر العشرة الأولى من عام 2016، ارتفع عدد جرائم قتل النساء بنسبة 53 في المئة، بالمقارنة مع الفترة نفسها من عام 2015، الذي شهد وقوع 17 جريمة.
ولمواجهة ارتفاع عدد جرائم القتل بحق الفتيات، تعتبر مديرة مركز العدل، المحامية هديل عبدالعزيز، المادتين 98 و99 من قانون العقوبات الأردني «تشريعاً للقتل بداعي الشرف»، مشيرة إلى أن ولي أمر الضحية هو طرف أيضاً باعتباره من أهل الجاني، ما يعني حتمية إسقاط الحق الشخصي، وبالتالي تحقيق الاستفادة من تخفيض الحكم إلى النصف.
وتستحضر عبدالعزيز في حديثها الى «الحياة»، قصصاً كثيرة كان فيها القاتل حدثاً، للإفلات من العقوبة، وهو ترتيب آخر بهدف الاستفادة من الحكم المخفف. وفي هذا المناخ، تبقى المرأة محل تهديد دائم إذا لم تتشكل بيئة قانونية تتكفل بحمايتها باعتبارها إنساناً كامل الحقوق، لا سيما أن هناك ضحايا كثيرات خسرن حياتهن بعد أن كان يتم تعنيفهن، مؤكدة أن حالات القتل ما كانت لتحدث لولا سكوت الضحية عن التعنيف بها سابقاً، ما يدفع الجاني الى التمادي، وهو ما تؤكده الحالات المرصودة.
وتنادي عبدالعزيز بضرورة تفعيل إجراءات التدابير الاحترازية في التشريعات الخاصة بالعنف الأسري، ومنع تخفيض العقوبة باعتباره عذراً مخففاً في حال إسقاط الحق الشخصي، تضاف إلى ذلك ضرورة تفعيل مبدأ التحريض على القتل في حال كان الجاني حدثاً.
والى ذلك، ترى الناشطة في قضايا حقوق المرأة كفاح الحيصة، أن ارتفاع عدد جرائم قتل النساء والفتيات بداعي الشرف أثار بالنسبة إليها والى كل المهتمين بحقوق المرأة تساؤلين رئيسيين، أولاً: لماذا؟ والثاني ما الحل؟
أسئلة الحيصة تبقى محل اجتهادات فردية، وسط مجتمع تربى على قيم وأعراف وعادات انتهت إلى تشكيل قناعات شعبية بمسؤولية المرأة وحدها عن «الشرف». تعود الحيصة إلى أسئلتها لتعيد إجابات يجدها المجتمع حاضرة ولصيقة بالأوضاع الاقتصادية والمعيشية المتردية. فهناك ثقافة العيب والخوف من المجتمع الذي يحمّل النساء أسباب وقوع هذه الجرائم، في وقت بات التصدي لها وضمان عدم إفلات مرتكبيها من العقاب ضرورة يجب على الجميع تبنيها.
«الجميع» كما تفهمه الحيصة في حديثها الى «الحياة»، يشمل مؤسسات المجتمع المدني والجهات القضائية ووزارة العدل ووزارة التنمية الاجتماعية، ومديرية الأمن العام، والطب الشرعي ودائرة قاضي القضاة ودائرة الإحصاءات العامة وغيرها من المؤسسات ذات العلاقة.
فحين يصل المجتمع إلى قناعة تامة بضرورة حماية المرأة، ستنبت هناك آليات فاعلة لمنع و/أو الحد من هذه الجرائم، من خلال جمع البيانات المتعلقة بتلك الجرائم ومرتكبيها وأسبابها ودوافعها وعلاقة الجناة بالمجني عليهن وجنسياتهم، ومناطق ارتكابها وأماكنه، والأحكام القضائية الصادرة بحق الجناة وتتبع حالاتهم بمراكز الإصلاح والتأهيل. إضافة الى ما يوفره ذلك من إمكان الكشف عن الجرائم المرتكبة ضد النساء والفتيات، ويتم إخفائها بذرائع مختلفة كالانتحار.
وبكلام آخر، يجب أن يتشكل وعي جمعي يقود إلى حراك معلن، يجعل من التدابير والإجراءات المتخذة طوق نجاة حقيقياً يصب في الاتجاه الصحيح، ثم ينتهي إلى تقديم التوصيات لمختلف الجهات ذات العلاقة والتي من شأنها منع و/أو الحد من الجرائم.
وتضيف الحيصة: «يزداد الأمر سوءاً مع الأعداد الكبيرة من اللاجئين في الأردن»، وما يرتبه ذلك من ضغوط اجتماعية واقتصادية، لافتة الى الحاجة الملحّة الى وجود متخصصين في حماية النساء من العنف، بخاصة مع تزايد عدد اللاجئات اللواتي يتعرضن لأنواع مختلفة من العنف، إضافة إلى ما تعرضن له أصلاً من صدمات نفسية ومشاكل جسدية وصحية بسبب النزاعات والحروب. وتنادي القانونية برفد المراكز الأمنية بالشرطة النسائية، بأعداد كافية، وبناء قدراتهن في مهارات التعامل مع حالة العنف، بغية القضاء على ثقافة الصمت لدى النساء والفتيات المعنفات، والتي تدفعهن الى عدم إبلاغ الجهات الرسمية عند تعرّضهن لأي شكل من أشكال الإساءة.
والواقع، أن ذلك كله غير ممكن من دون أرضية تشريعية صلبة، تنطلق من تعديل بعض النصوص في قانون العقوبات الأردني الذي يعود الى عام 1960، بخاصة الأحكام المتعلقة بإسقاط الحق الشخصي في الجرائم المرتكبة بذريعة «الشرف»، وأيضاً على وجه الخصوص المواد 98، 99، و340 منه. واليوم، تواصل النساء المعنفات مسيرتهن ضد العنف، وسط بيئة مجتمعية نهضت على قيم ذكورية، يسندها قانون تمنح نصوصه الجاني أكثر من فرصة، فيما تبقى الضحية رهينة سكين يحمله متهوّر أو حدث بغية تطهير الشرف.
[sociallocker] صدى الشام[/sociallocker]