ترامب رئيسًا في بلاد العم سام
10 نوفمبر، 2016
حافظ قرقوط
انتخبت الولايات المتحدة الأميركية دونالد ترامب، رئيسًا جديدًا لها عن الحزب الجمهوري، بعد منافسة حادة مع هيلاري كلينتون، مرشحة الحزب الديموقراطي، وخوض حملة انتخابية عُدّت الأغرب في تاريخ الانتخابات الأميركية، حيث غاصت في الأمور الشخصية، ولكن من المُلاحظ أن ترامب بعد فوزه، قد ألقى خطاب الفوز من مقره الانتخابي، كرجل سياسي مُحترف، ويختلف عمّا ظهر خلال تلك الحملة، فأعلن عن نفسه رئيسًا لكل الأميركيين، وسيعمل على ترسيخ السلم العالمي، وتعهد بتنمية الاقتصاد الأميركي، واعتماد برامج تُعيد أميركا إلى موقعها الريادي دولة عظمى.
في 4 تموز/ يوليو 1776، أعلن الكونغرس وثيقة استقلال الولايات المتحدة الأميركية، عن بريطانيا العظمى، وانفصلت 13 ولاية عن تلك المستعمرات، لتكون البدايات الأولى لقيام هذه الدولة العظمى (أميركا)، التي يُطلق عليها بلاد (العم سام)، وهذه التسمية تعود إلى عام 1812، حيث، بحسب الرواية المُعتمدة، زوّد رجل أعمال أميركي يدعى صموئيل ويلسون، أو سام ويلسون، الجيش الأميركي -إبان الحرب- باللحوم، ووضع خاتمًا مختصرًا يحمل الحرفين: u.s على البراميل أو الأوعية التي يُنقل فيها اللحم، كإشارة إلى أنها تتبع للحكومة، وقد لُقّب بالعم بسبب كبر سنه، ثم صادق الكونغرس الأميركي عام 1961، على قرار يعدّ “العم سام” أحد الرموز الوطنية الأميركية.
ما بين جورج واشنطن، أول رئيس للولايات المتحدة، ودونالد ترامب، الرئيس الـ 45، بالتأكيد تغيّرت أميركا وتغيّر العالم كله، وإن كانت تلك الولايات قد وَقعت تحت الاحتلال البريطاني، حين كانت بريطانيا إمبراطورية لا تغيب عن مُلكها الشمس، فقد تغيرت أيضًا من بريطانيا العُظمى إلى دولة كبرى رديفة وداعمة للولايات المتحدة، ومع خفوت وهج الإمبراطوريات الأوربية التاريخية، التي سادت لقرون عديدة، صعدت إمبراطورية الاقتصاد العالمي بعد الحرب العالمية الثانية، كقطب مقابل الاتحاد السوفياتي، حيث باتت حينها أوروبا مدمّرة وممزّقة، لتُصبح أميركا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ومنظومته الشرقية، صاحبة القوة الأهم عسكريًا ، وابتعدت كل الحروب عن حدودها.
أميركا وحدها كقوة عظمى من استخدم القنابل النووية، وذلك في قصفها لليابان منتصف القرن الماضي، وهي نفسها من بنت علاقات اقتصادية قوية مع اليابان بعد تلك الحرب، كما تساندها في المحافل الدولية بالقضايا التي تخصّها كافة، وأميركا التي عدّت الشيوعية عدوّها الأول على مدى عقود طويلة، هي أيضًا من سارت بعلاقات متينة اقتصاديًا مع الصين، الدولة الشيوعية القوية، وذلك في محاولة لاستيعاب نموها الاقتصادي والعسكري.
في داخل أميركا كان الزنجي ممنوعًا من مخالطة البيض، وبعد زمن طويل من الاستعباد وتجارة الرقيق، تُعطي الفرصة لرجل أسود، هو باراك أوباما؛ كي يُصبح رئيسًا لها، وعلى هذا المنوال، نستطيع أن نورد أمثلة كثيرة عن التبدلات السياسية وغيرها، التي طرأت دوليًا وفي الداخل الأميركي، بوصفها دولة حديثة نسبيًا، لكنها استطاعت أن تُصبح محورًا للسياسة وللاقتصاد العالمي، كما اعتُمدت عملتها عملة رئيسة في أسواق التداول، بحيث تُبنى على أساسها أسعار المواد المُحركة للاقتصاد العالمي، كالنفط والذهب والحبوب وغيرها، وكذلك الصناعات الكبرى، وبحركة من بنكها المركزي قد تؤدي إلى هزات اقتصادية دولية تُساهم في انتكاسات دول كاملة.
مع ثورة المعلومات والاتصالات، حجزت أميركا لنفسها مكانها الذي أصبح من الصعب مقارعتها فيه، فلديها عناصر الربط والمحركات والبرامج والتقنيات كافة، ومن خلال مؤشراتها تتحرك دفة الاستثمارات وتتبدل مراكز التجارة والنمو العالمية، وكقوة عسكرية ربما ستبقى لفترة غير قليلة أعظم قوة موجودة، حتى بدون اعتبار حلف شمال الأطلسي الذي تقوده.
ورث ترامب عن أوباما سياسة الرجل المتردد السلبي، الذي يقول صباحًا شيئَا، فيناقضه مساء، أو ينساه، وفي الربيع العربي كان لأوباما دور سلبي في المحصلة، وساهم في محاصرة هذا الربيع؛ بغية هزيمته ووأده مع المشروعات الإنسانية، التي رغبت شعوب المنطقة في تبنيها، وهو كذلك مكّن إيران من رقبة العراق وسورية واليمن ولبنان، لتبذر سموم الطائفية، وتخلق توترات اجتماعية، قد نحتاج عقودًا طويلة لمعالجتها بعد هزيمة هذا المشروع التدميري.
في هذا السياق أيضًا، أدّت سياسات أوباما إلى تضخم الدور الروسي في العديد من الملفات، تضخمًا لا يتناسب مع إمكانات روسيا الاقتصادية والعسكرية والسياسية، وكان هذا على حساب الدور الأوروبي، ومن المرجح أن ذلك سبب قلقًا لعدة دول أوروبية، لكن من جانب آخر، ومع صعود اليمين في عدة دول أوربية، يأتي صعود ترامب في أميركا أمرًا طبيعيًا ضمن حلقة التدهور الدولي في التعامل مع الملفّات الأخلاقية والقانونية، بما فيها قواعد القانون الدولي، فإن كان فوز ترامب هو محصلة تلك الانهزاميات الأخلاقية للسياسة الدولية، فتكون النتيجة سليمة، وإذا كان فوزه نتيجة المرحلة الأوبامية المترددة، التي بيّنت أن هيبة أميركا تدهورت عالميًا، تكون أيضًا النتيجة طبيعية، وإن كانت تشكل مرآة لما ظهر من قادة يحكمون دولًا عدة، كبوتين والخامنئي والأسد، لينتخب لبنان أخيرًا ميشيل عون، وتسبقه مصر بإظهار السيسي، وغير ذلك من دول وضعتنا أمام مفارقات غريبة في شكلها ومضمونها، فإنه ضمن ذلك أيضًا، يكون فوز ترامب طبيعيًا، لكها -في النتيجة- أميركا التي ساهمت في كثير من التغيّرات الحادة في التاريخ الحديث.
بالنسبة لمنطقتنا العربية، لا شك أننا لم ننجز -حتى الآن- مشروعًا، يُمكن عدّه رياديًا للبناء عليه في أي دولة، وعلى هذا كنّا وما زلنا أمام واقع، يُفرز كثيرًا من مُعطيات الاتكال على الغيبيات كي تحلّ مشكلاتنا، وهذا للأسف ما يغوص فيه السياسيون، حيث الاتكال على الغيبيات؛ حتى في علوم السياسة، وهي ما تجاوزتها دول العالم التي انبثقت وكبرت؛ لتحمي مُجتمعاتها، بينما تُصر القوى السياسية في المنطقة، على التمسّك بها، وترقّب انتصارات الحزب الجمهوري أو الديموقراطي في أميركا، لكي تُقرر أي عباءة ستلبسها لأربع سنوات مقبلة.
أما الثورة السورية فهي على هذا المنحى تسير؛ كون الهيئات السياسية والعسكرية التي تقدّمت للتحدث باسمها، قد رمت بدورها النرد في لعبة الغيب، حين وضعت أدواتها في يد الآخرين وسياساتهم، وهي الآن تُحاول التنجيم إن كان (العم ترامب) معها أم ضدها، دون أن تعمل خلال خمس سنوات ونصف، على امتلاك أوراقها وإمكاناتها الذاتية؛ لتجعل الآخرين يبحثون عنها، كما عمل (العم سام) في دعم استقلال بلاده.
في النهاية لا بد من الإشارة إلى أن وثيقة استقلال الولايات المتحدة الأميركية تقول في فقرتها الثانية، “إن جميع البشر خلقوا متساوين، وإنهم وهبوا من خالقهم حقوقًا غير قابلة للتصرف، وأن من بين هذه الحقوق حق الحياة والحرية والسعي وراء السعادة”.
[sociallocker] [/sociallocker]