ارتدادات انتخاب ترامب على إيران والمنطقة العربية

16 نوفمبر، 2016

الحياة

يبدو واضحًا أن القادة الإيرانيين ينظرون إلى مستقبل جمهوريتهم من خلال العودة إلى أمجاد امبراطورية فارس كواحدة من أقدم الإمبراطوريات والحضارات. امتدت حدود امبراطورية فارس لتضم مصر في الغرب وتركيا في الشمال ومن بلاد الشام إلى قلب الهند في الشرق.

ويعتقد المسؤولون الإيرانيون اليوم أن لدى إيران الفرصة والقوة لاسترجاع دورها كقوة رئيسية على المستويين الإقليمي والدولي. ويبدو أن سعي إيران لامتلاك ترسانة نووية قد جاء على خلفية هذه الرؤية لدور إيران المستقبلي. وشكلت هذه المعادلة بالذات الدافع الأساسي للقيادة الإيرانية للخروج على اتفاقية الحد من انتشار الأسلحة النووية والتي كانت قد وقعت عليها سابقًا.

بعد توقيع الإتفاق النووي مع القوى الدولية الرئيسية (خمسة + واحد) تتوقع إيران حصول تحولات كبيرة في موازين القوى الإقليمية، حيث سيفتح هذا الاتفاق أمامها جميع الأبواب لتستعيد أموالها المجمدة في الخارج وتعيد بناء علاقاتها الاقتصادية مع العالم. وبدأت التحليلات السياسية والاقتصادية الغربية الحديث عن مدى الاستفادة من تدفق الاستثمارات مستقبلًا وعن النهضة الصناعية التي يمكن أن تشهدها الآن، بالإضافة إلى تطوير قدراتها الإنتاجية للنفط والغاز. سيؤهلها ذلك لتصبح قوة اقتصادية إقليمية، وسيؤثر ذلك بشكل كبير في دورها الإقليمي، وهو الأمر الذي سيثير مزيد من الهواجس لدى المملكة العربية السعودية وكل من مصر وتركيا وإسرائيل.

أما على الصعيد الجيوسياسي، فمن الواضح أن إيران ستعمل جاهدة على زيادة نفوذها في المنطقة سواء من خلال تدخلها المباشر على غرار ما يحدث في العراق وسوريا أو من خلال زيادة دعمها لحلفائها من الشرائح الشيعية المنتشرة في الدول العربية. ويبدو بوضوح أن المعركة خلال العقد المقبل ستتركز على محاولة إيران الحثيثة لكسب المواجهة التي تخوضها مع المملكة العربية السعودية والتحالف العربي والإسلامي الذي شكلته. وهنا لا يمكن واقعيًا الحديث عن دور إيران الإقليمي من دون النظر إلى المواقف التي تقودها السعودية من أجل عرقلة أو تعطيل هذا الدور. لكن يبدو أن تنامي مشاعر الانقسام السني- الشيعي يؤكد نزعة استمرار الصراع المتفجر في اليمن وسورية والعراق لسنوات عديدة مقبلة.
لكنْ لن تحول مشاركة إيران في مختلف هذه الصراعات والحروب دون سعيها للتحول قوة اقتصادية إقليمية كبيرة. يتوقع صندوق النقد الدولي نمو الاقتصاد الإيراني خلال عام 2016 بنسبة ثلاثة ونصف في المئة ليكون ثاني أسرع حركة نمو لدول الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا، ويأتي هذا النمو كنتيجة مباشرة لعملية رفع العقوبات بعد توقيع الاتفاق النووي مع القوى الدولية الرئيسية.

سيؤدي تدفق الأموال الإيرانية المجمدة بعد رفع العقوبات الدولية عنها إلى تنشيط جميع القطاعات الإنتاجية، ويؤمن بالتالي فتح الطريق لتحول اقتصادي واجتماعي. ولا بد في هذا السياق من احتساب قدرة إيران على زيادة صادراتها النفطية باضطراد لتعود إلى المستويات السابقة. صحيح أنها لن تستطيع منافسة إنتاج المملكة العربية السعودية من النفط ولكنها تملك اقتصادًا متنوعًا يسمح لها بالتحول سريعًا إلى قوة مؤثرة إقليميًا على المستويين الاقتصادي والسياسي.

وتعتقد القيادات المحافظة في إيران بأن الفرصة سانحة لاستغلال انكشاف الوضع العربي في ظل الأوضاع الراهنة، كما يمكنها الاعتداد بما حققته من نفوذ في العراق وسورية ولبنان واليمن والذي فتح أمامها الباب لتكون شريكًا دوليًا في أية مفاوضات مقبلة لتقرير الخريطة الجديدة للمنطقة والتي من المرتقب البحث في وضعها على أنقاض خريطة حدود سايكس- بيكو القائمة منذ ما يقارب مئة عام.

في هذا السياق لا بد من الإشارة إلى مدى استفادة إيران من التوجه الأميركي والأوروبي إلى حل المسألة النووية الإيرانية من خلال التفاوض والذي انتهى بنجاح من خلال توقيع الاتفاقية النووية في فيينا قبل ما يزيد عن عام. لكن بعد فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب بالرئاسة الأميركية فإن أجواء من الشك والغموض بدأت تلف مستقبل هذه الاتفاقية، خصوصًا أن ترامب كان قد وعد أثناء حملته الانتخابية بالعمل فورًا بعد انتخابه على إلغائها واعتبارها لم تكن. والسؤال المطروح الآن يتركز على مدى تنفيذ ترامب ما وعد به؟

لا يوجد أي التزامات تجبر الرئيس المنتخب على تنفيذ كل ما وعد به في حملته، حيث تؤكد مسيرة من سبقوه من الرؤساء على التراجع عن تنفيذ معظم الوعود التي أطلقوها أثناء حملاتهم الانتخابية وذلك انطلاقًا من مقولة أن «روما من فوق هي غير روما من تحت». لكن هذا الأمر سيتطلب من القيادة الإيرانية أن تأخذ في الاعتبار التبدل الكبير الذي حصل في القيادة الأميركية ومواقفها المرتقبة من طهران ومن مختلف أزمات المنطقة.

في رأينا ستتوقف سياسة ترامب تجاه منطقة الشرق الأوسط بصورة عامة وتجاه إيران بصورة خاصة على رؤيته للمصالح الأميركية في المنطقة وعلى مدى تأثير إسرائيل واللوبي الصهيوني على آلية صنع القرارات داخل البيت الأبيض، بالإضافة إلى ما يمكن أن يتوصل إليه ترامب من توافقات مع روسيا حول مدى الدور الذي يمكن أن تلعبه في سورية وفي شرقي البحر المتوسط. ستكون هذه التوافقات نتيجة «بازار» جيوستراتيجي بين ترامب وبوتين وهو أمر متوقع حصوله على خلفية «الغزل السياسي» الذي ساد بينهما أثناء الانتخابات الأميركية.

ولا بد من التساؤل عن مدى قدرة النظام الإيراني، خصوصًا السيد علي خامئني والتيار المحافظ، على التطور والتفاعل مع التوجهات الجديدة في السياسة الأميركية بقيادة ترامب. لم يعد من المجدي لإيران الاستمرار في رفع شعارات العداء لأميركا في كل المناسبات الدينية والوطنية.

في المقابل من المتوقع أن تنجح القيادة السعودية وبقية القيادات الخليجية في فتح صفحة جديدة للتعامل مع إدارة ترامب انطلاقًا من المصالح المشتركة الكبرى التي تربطها مع الاقتصاد الأميركي، بالإضافة إلى العلاقات التاريخية القائمة منذ نشوء هذه الدول. لكن هذا لا يعني حصول تبدّل كبير ومؤثر في استراتيجية أميركا تجاه أزمتي سورية واليمن حيث يؤكد ترامب أن من بين أولوياته عدم التورط في أي نزاع عسكري جديد في الشرق الأوسط أو في أي منطقة أخرى، وأن على القوى الإقليمية والمحلية العمل على حل مشاكلها بوسائلها الخاصة. لكن ذلك لا يعني حصول تراجع في الإستراتيجية الأميركية الراهنة في الحرب على الإرهاب، وخصوصًا انخراطها في المعركة الراهنة لتحرير الموصل والرقة من قبضة الدولة الإسلامية.

(*) كاتب لبناني

[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]

16 نوفمبر، 2016