بين صرف الملايين على حديقة السبكي وازدياد الأوضاع المعيشية بؤسًا.. دمشق مريضة بالفصام .. البذخ مقابل التقنين
16 نوفمبر، 2016
قد يكون متوقعًا بشكل أو بآخر أن تشهد أية مدينة تعيش في ظل الحرب حالة من التناقض ببعض مظاهر الحياة فيها. ولكن ست سنوات دموية في سوريا أضافت على العاصمة المنهكة مزيدًا من الجنون الحكومي والشعبي على خلفية قرارات تميزت بالتضاد الصارخ أحيانًا.
التجول في شوارع دمشق لا يعطي أي مظهر للبهجة التي يحاول النظام رسمها بفعاليات متنوعة تحاول تجميل الحياة بعيدًا عن هموم الحرب اليومية، فصخب المجمعات التجارية وكبرى المقاهي ذات النجوم الخمس لا تخفي بؤس الحياة اليوم، إذ لا يمكن الإيحاء أن كل شيء على ما يرام. فهنا لعناصر النظام كلمتهم التي لا ترفض وهو ما يفسر لجوء البعض لارتداء زي عسكري كنوع من إظهار القوة وربما يفسر أيضًا وضع آخرين للمسدسات بحيث تظهر واضحة بين ثيابهم سواء في أرقى المناطق أو في الحارات الشعبية.
هذه المظاهر الغريبة تضفي مسحة إضافية على إجراءات وقرارات النظام التي زادت الضغط على أولئك الذين اختاروا البقاء في بلدهم محاولين التأقلم مع الظروف ولكن الجنون بلغ مستوى جديدًا في الفترة الماضية ليزيد الوضع المعيشي بؤسًا عما كان عليه.
استفاق سكان العاصمة قبل أيام على موجة قاسية من التقنين في التيار الكهربائي لتغيب أربع ساعات مقابل ساعتين قد لا يعود التيار فيها للعمل مجددًا وهو ما شمل كافة الأحياء بما فيها تلك “المدللة”. كل ذلك يحصل في شهر مازال فيه المناخ معتدلاً ولا يحتاج لكثير من أجهزة التدفئة التي قد تؤدي لحمولات عالية على قطاع الكهرباء المهترئ بالأساس. وللمرة الأولى بدا ملاحظًا أن مبرر موجة التقنين الجديدة لم يكن استهداف خطوط الغاز كما يردد إعلام النظام، فلم تمض سوى فترة قصيرة حتى صرح مسؤولو هذا القطاع أن الأزمة متعلقة بنقص حاد في مادة “الفيول” اللازمة لتوليد الطاقة، وذهب البعض للتصريح في جلسات مغلقة أن الأمر أكبر من توفير هذه المادة بقدر ما يتعلق بالسيولة المادية شبه المفقودة لدى حكام دمشق. المسألة إذًا تنذر بموسم شتوي قاسٍ خاصة أن كميات المادة المطلوبة التي نجح بعض رجال الأعمال في تأمينها لن تكفي لأكثر من شهر بحسب مصادر في وزارة النفط ما يعني أن القطع سيزيد في الفترة المقبلة مع الإشارة إلى أن الضغط العالي على الكهرباء سيؤدي لطلب متزايد على مادة المازوت اللازمة لعمل المولدات الكهربائية وهي المادة شبه المفقودة بالأساس.
جنون رسمي
قد يَمر الأمر ببساطة ويتناساه السوريون في زحمة يومياتهم المثقلة بتفاصيل الهم المعيشي لو لم يَرد خبر أثار حنق الناس على دولة تعيش الفصام بكل أشكاله. الخبر مفاده إعادة افتتاح حديقة “السبكي” وسط العاصمة بكلفة تجاوزت ملايين الليرات. وبالفعل كان مشهد الحديقة التي تتوسط حي “الشعلان” الشهير بديعًا بإضاءة جميلة وتقسيم للممرات العشبية مع برك صغيرة للمياه، ولكن كل هذا تلاشى حين بدأت المقارنة بين الكلفة الجنونية لترميم المكان وبين الأزمة المالية التي تضرب حكومة النظام وقطاعاتها إلى درجة أصبح هناك تقنين قاس في الكهرباء ويُتوقع أن يكون أعلى بموجب اقتراحات وزارية.
التناقضات لم تتوقف هنا، فشوارع دمشق كانت على موعد آخر من “حفلة الجنون الرسمي” حين قررت المحافظة إزالة عموم البسطات ومحلات بسيطة كانت تفترش الأرصفة وتؤمن موردًا بسيطًا لأصحابها. الهجوم وتدمير بعض المحال بالجرافات لم يمر بسهولة في مناطق تعتبر كثيفة الانتشار الأمني علمًا أن جزءًا من عناصر الأجهزة الأمنية يعمل بالأساس في هذا المجال، ليتحول الأمر بسرعة إلى مواجهات ضد عناصر الهدم قبل أن يكتشف الناس أن سيارات جوالة تبيع المشروبات الساخنة في قلب أحياء العاصمة الراقية مثل “أبو رمانة” شملها هذا القرار مع همس من مسؤول في البلدية أن الإجراء أكبر حتى من المحافظة وهو عائد لتوجيه “عالي المستوى” كما أسماه.
غضب واحتجاج افتراضي
وقد أججت ممارسات النظام الأخيرة غضبًا لدى جمهور الموالين دون أن يجرؤ أحد على الاحتجاج بعيدًا عن الفضاء الافتراضي. ولكن اللافت أن كل ما حصل تزامن مع جولة صحفية قادها أعضاء بمجلس الشعب التابع للنظام لإعلاميين بريطانيين وأمريكيين تنقلوا في شوارع العاصمة وقابلوا مسؤولين قبل أن ينزلوا لملاقاة الناس فخرجوا بانطباع لم يكن المسؤولون راضين عنه.
ربما يفسر كل ذلك الازدحام غير المسبوق على مكاتب تؤمن مواعيد المقابلة في السفارات الغربية في بيروت وأخرى تؤمن تذاكر الطيران للسودان مقصد السوريين الجديد. وربما هذا أيضًا ما يشرح سبب عمل المدرسين لأكثر من ثمانية عشر ساعة يوميًا وتنقل الأطباء اليومي من المشافي الحكومية للخاصة للقبول بأي أجر يضاف إلى دخلهم. كما أنه يفسر عُلوّ السلاح على ما تبقى من دولة حين يتعلق الأمر بعيش أفضل.
[sociallocker] صدى الشام
[/sociallocker]