الشاي والعنف ضد المرأة
24 نوفمبر، 2016
ميخائيل سعد
في اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة، حضر في ذهني كأس الشاي الذي أفضى إلى عودة أسرة سورية مهاجرة من مونتريال إلى دمشق عام 2000.
فقبل قصة كأس الشاي، التي سأرويها لاحقًا، بعام واحد، أي عام 1999، اعتمدت الهيئة العامة للأمم المتحدة يوم 25 تشرين ثاني/ نوفمبر من كل عام، بعدّه يومًا لمناهضة العنف ضد المرأة. استمد هذا التاريخ من يوم الاغتيال الوحشي الذي نفذه دكتاتور الدومينيكان، رفائيل تروفيليو، بحق 3 نساء من الناشطات السياسيات، هن “الأخوات ميرابال”، ومن تاريخ إقدام الطالب، مارك ليبان، على اقتحام كلية العلوم التطبيقية (البوليتكنيك) في جامعة مونتريال، وإطلاق النار على طالبات جامعيات؛ ما أسفر عن مقتل 14 منهن، وجرح عدد مشابه أيضًا.
وإذا كان سلوك ديكتاتور الدومينيكان بإعدامه ناشطات سياسيات ضد حكمه، لا يحتاج إلى تفسير؛ لأنه نهج عام لكل من سبقه ولحقه من المستبدين، فإن الطالب الجامعي (ليبان) كانت جريمته ستبقى لغزًا، لولا البيان الذي تلاه القاتل قبل انتحاره؛ فقد قال: لم يعجبه “حصول المرأة على وظائف قوية، كان يحصل عليها الرجال وحدهم”. وأضاف في خطاب انتحاره: “إن النساء لا يكتفين بحصولهن على مزايا تحصل عليها المرأة حصريًا، لكنهن يستولين أيضًا على وظائف الرجال”.
ما قبل العام 2011، كان من الممكن جدًا أن يستمع السوري باحترام لكل ما تقوله الأمم المتحدة، أو إحدى مؤسساتها، غاضًا الطرف عن تسامحها مع إسرائيل، ومواقفها المنحازة ضد الفلسطينيين وحقوقهم، ولكن بعد تجاهلها المجازر التي ارتكبها الديكتاتور السوري بشار الأسد، وقبله والده، بحق الشعب السوري، بات جميع ما يصدر عن المنظمة الدولية من كلام لا قيمة له في نظره؛ فكيف يمكنه قبول اهتمام الأمم المتحدة بإعدام أربع نساء في الدومينيكان، أو 14 طالبة في إحدى الجامعات الكندية، وتخصيص يوم عالمي لذكراهن، بينما تتجاهل جرائم الإعدام والاغتصاب والاعتقال لآلاف السوريات من نظام، تفوق في وحشيته على كل ما مرّ من أنظمة شمولية في العالم حتى الآن، هذا علاوة على ملايين البشر الذين هُجّروا وحوصروا وجوّعوا ودُمرت بيوتهم ومدارس أولادهم ومستشفياتهم وتاريخهم، كيف يمكن للسورية أو للسوري، بعد كل هذا، أن يحترم مناسبة أقرتها الأمم المتحدة، على الرغم من الرمزية المهمة لهذه المناسبة أو تلك، ويعمل على تنفيذها!!
لكن موقف الأمم المتحدة من سورية يجب ألا يجعلنا نقع في “المحظور”، ونتجاهل أن العنف ضد المرأة موجود في مجتمعنا وفي ثقافتنا، ومن واجبنا مقاومته، احترامنا لأنفسنا قبل أين يكون تنفيذًا لرغبة أممية، لذلك؛ سأعود بكم إلى قصة كأس الشاي، التي ذكرتها في المقدمة، ثم تجاهلتها من باب التشويق القصصي.
في مطلع عام 2000، جاءت إلى مونتريال عائلة سورية مهاجرة، مكونة من زوج وزوجة وولدين، انصرف جميع أفراد الأسرة إلى تعلم اللغة الفرنسية، والتأقلم مع المجتمع الجديد. كان الرجل مهندسًا، ويحتاج إلى بذل جهد عقلي كبير كي يستطيع تعديل شهادته، قبل إيجاد عمل ملائم له في مجال الهندسة. في أحد الأيام، وقبل مضي عام على هجرتهم، عاد الرجل إلى بيته، وما إن جلس؛ حتى طلب من زوجته إعداد كأس من الشاي له، ولما كانت الزوجة مشغولة مع طفلتها الصغيرة، قالت له: إذا سمحت، اعمل الشاي لنفسك؛ لأنني -كما ترى- مشغولة مع البنت.
لم يقل الرجل شيئًا. خرج من البيت مباشرة، وعاد بعد عدة ساعات. في اليوم التالي، بدأ بنشر أخبار بين المعارف عن نيته بيع أغراض منزله، وعندما سأله أحد أصدقائه عن السبب، قال له: قررت العودة إلى دمشق، كندا لا تناسبني. وبعد أخذ ورد مع الصديق اعترف بالسبب الأساسي، وقال: إذا كان لنا في مونتريال أقل من عام، وزوجتي تجرأت وقالت لي: “اعمل شاي لنفسك”، فماذا ستقول لي بعد أن تأخذ الجنسية، وتصبح كندية؟ وعاد الرجل وأسرته إلى سورية -فعلًا- قبل إتمام عامهم الأول في كندا.
قد يقول أحدكم: وما علاقة هذه الحادثة بمناهضة العنف ضد المرأة؟ وسأرد بأن سلوك هذا الرجل، في جذره العميق، يشبه السبب الذي دفع طالب جامعة مونتريال لارتكاب جريمته؛ لأنه كان يرى “أن النساء لا يكتفين بحصولهن على مزايا تحصل عليها المرأة حصريًا، لكنهن يستولين أيضًا على وظائف الرجال”. إن الموقفين تجمعهما النظرة الدونية إلى النساء، وعدّ أن للمرأة موقعًا يجب ألا تتخطاه، وعليها البقاء دون الرجل، وربما خادمة له، كما في قصة الشاي.
مهندس آخر، كان قد هاجر قبلي بنحو عشر سنوات، واعتاد على ضرب زوجته في كل مرة تعانده ولا تُطيعه، وكانت الزوجة تتحمل ولا تُخبر أحدًا؛ لأنها كانت قد نشأت على قبول فكرة أن من حق الرجل أن يعاقب زوجته، وربما لأنها لا تريد تدمير عائلتها، ولكن من سوء حظهم، ربما، أن ناطور البناية سمع، وهو يقص عشب الحديقة، صراخًا لامرأة ينبعث من الطابق الأول، فبادر إلى الاتصال بالشرطة التي جاءت فورًا، واعترفت المرأة أن زوجها يضربها دائمًا. وكانت النتيجة توقيف الزوج ثلاثة أيام، وهذه هي المدة القانونية، ثم الإفراج عنه بانتظار المحاكمة، التي أقرت طلب المرأة الطلاق، والعفو عن زوجها.
في قصة أخرى، كانت أم الزوجة هي من اتصل بالشرطة التي حققت في الأمر، وتبين أن الزوج يضرب زوجته منذ أن كانت عروسًا في سورية، واستمر الأمر سنوات قبل أن تتصل الأم بالشرطة ويحصل الطلاق.
وفي قصة فجائعية، لمن يعدّ الاغتصاب جريمة، قالت إحداهن لزوجتي: إن زوجها يغتصبها منذ عشرين عامًا، ولم يكن أمامها إلا الصمت أو التهرب، عندما تستطيع، من الاستجابة لرغبات زوجها.
ومن قصص السوريين الغريبة في مونتريال، أن أحد “الزكرتية” عندما يغادر البيت، كان يعمد إلى قفل الباب من الخارج، تاركًا عروسه سجينة البيت إلى أن يعود مساءً، وقد استمر الحال كذلك إلى أن جاء ولدهما الأول، وبعد سنوات قليلة من الزواج، استطاعت الزوجة الانتقام من سجانها بطرده من البيت نهائيًا.
في اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة، علينا التذكير بأن عنف (داعش) ضد النساء، كما عنف نظام الأسد ضدهن، هو صورة ما عن عنف الرجل -عامة- ضد المرأة، والاختلاف بينهما في الدرجة وليس في النوع.
أخيرًا، فإن السوري، الآن، كي يستعيد ثقته بالمنظمة الدولية ويحترم قراراتها، بحاجة إلى وقفة من الأمم المتحدة، تتبنى فيها “يومًا عالميًا لمناهضة العنف ضد السوري”، بحيث يشمل المرأة والرجل والطفل.
[sociallocker] [/sociallocker]