عوائد الاستثمار في نظام الأسد العائلي

30 نوفمبر، 2016

فؤاد عزام

لم يكن بلا ثمن منع سقوط “الأسد” الذي كان حتميًا قبل دخول حزب الله، ثم إيران، وبعدها روسيا، إلى سورية، برضى ومباركة الولايات المتحدة.

هؤلاء المتدخلون سيقبضون، لا شكّ، عوائد استثمارهم في النظام السوري “العائلي” القديم، كما في النظام العالمي الجديد، لكن من يدفع هذا الثمن وكيف؟ هل سيكون، فحسب، كما صفقة الكيماوي التي كانت الحصّة الأوليّة للولايات المتحدة، والتي وقّعت عليها، بوصفها شاهدًا ومراقبًا، على كفالة الروس التضامنية لنظام طرح البلاد ومخزوناتها الاستراتيجية للبيع لمن يضمن بقاءه في الحكم، أم ثمة صفقات من نوع مختلف وأكثر خطورة؟

ما بدا أميركيًا أنه إطلاق يد روسيا في سورية بـ ” وصاية”، من خلال توزيع “مناطق نفوذ”، كانت ضمانته الدولية هو اتفاق “كيري – لافروف” الذي احتاج التوصّل إليه لنحو خمسين ساعة من المحادثات بين وزيري خارجية الدولتين العظميين، على مدى ثلاثة أشهر، وبقيت وثائقه الخمس سريّة، ما عدا وثيقة واحدة تتعلق بما يسمى بـ “محاربة الإرهاب”، ووقف الأعمال العدائية في حلب، بحسب المتحدثة باسم الخارجية الروسية، ماريا زخاروفا، وهذا يُفسر عدم الاكتراث الأميركي بشأن حلب، سواء من أوباما أو القادم الجديد (ترمب) الذي بدأ “فلاديمير بوتين” الهجوم الواسع النطاق على حلب إثر اتصال بينهما. ومن المرجّح أن تكون بعد اتصاله “مناطق النفوذ” في سورية هي بعض الثمن، في ظل ما تشهده القضية السورية من تطورات، ستكشف عنها الأشهر القليلة المقبلة، خاصة بعد الحديث عن تفاهمات دولية، تستند إلى اتفاق “كيري – لافروف”.

أبرز مناطق النفوذ هذه ترتكز على رؤية الروس “الوصائية”، حين أطلقوا ما يسمى بـ “سورية المفيدة”، وقسّموا البلاد بناء عليها، كما تقول صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية، إلى منطقتي نفوذ أو سيطرة. الأولى “جنوب غرب” وقد كُلفت فيها إيران وميليشياتها، ومنها “الباسيج” و”الحرس الثوري” و”حزب الله”، وما يؤكّد ذلك بناء الروس قواعدَ عسكرية لهم في الساحل السوري وتدمر؛ لضمان حماية منشآتها النفطية والبحرية في كل من طرطوس وحميميم ومصفاة بانياس التي أصبحت أخيرًا تحت إشرافهم.

وعلى الرغم مما توفّره القواعد الروسية من حماية لمنشآت الروس ومصالحهم، فإن عدم ثقتهم باستمرار النظام في الحكم إلى أمد بعيد، جعلهم يقومون بتدابير إضافية، أقلها اتفاقيات عقدوها مع النظام تضمن لجنودهم وجودًا غير محدّد، وحصانة من المحاكمات، وهو ما صوّت عليه “الدوما” أخيرًا، وأكثرها الحماية “البشرية” السورية لهذه المصالح، من خلال تشكيلهم ما سمي بـ “الفيلق الرابع” بإشراف نحو أربعة آلاف وخمسمئة عسكري روسي، ونواته أحد ألوية الحرس الجمهوري، فيما انضمّت إليه ميليشيات “الدفاع الوطني” من أبناء الساحل خصوصًا. والضمانة الدولية أيضًا، بالنسبة لتدخل إيران في سورية، حصلت عليها من خلال الاتفاق النووي الذي توصّلت إليه مع الغرب، وعمليًا مع الولايات المتحدة، وهو الاتفاق الذي تضمّن -أيضًا- بنودًا سريّة تتعلق بسورية، كما كشفت عنه بعض وسائل الإعلام الإيرانية، ويدعم هذه الرؤية استباحة إيران للأراضي السورية، على مرأى من قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة، والتي -أيضًا- لم تتوقف عند هذا الحد، بل ساهمت في تمدّد إيران في كل من العراق وسورية، خصوصًا حين وفّرت الدعم الجوي لميليشيا  “الحشد الشعبي” المرتبطة بإيران، التي أصبحت شرعية بموافقة البرلمان العراقي على دمجها في الجيش النظامي؛ ما يعني تسليم الدولة لهذه الميليشيا التي هي النسخة العراقية من ميليشيا “الباسيج” الإيرانية.

يُرجّح أن يكون الثمن الذي تقبضه إيران من النظام، لقاء حمايتها له، هو تعميم تجربتها الميليشياوية في البلاد، وحماية مناطق نفوذها التي اقتطعها لها النظام في قلب دمشق، وما حولها، والتي تحوّلت إلى مستوطنات تعجّ بالميليشيا الطائفية، خصوصًا حول مقامات السيدات “زينب – رقية – سكينة” ومُجمّع الرسول الأعظم في اللاذقية.

ليس من المستغرب أن يتزامن إعلان النظام عن تشكيل “الفيلق الخامس – اقتحام” -في الآونة الأخيرة- والذي قال أنه سيجري تجهيزه و”تمويله وتسليحه وتدريبه” من قبل الصديقين، “إيران وروسيا”، مع إعلان قائد الباسيج، محمد رضا نقدي، عن أن الألاف من قواته تنتظر قرار “الخامنئي” للتوجه إلى سورية.

وبالتزامن -أيضا- مع إعلان تشكيل الفيلق الخامس، أعلن قائد “الباسيج” عن عدد قتلاه في سورية، الذي قال أنه تجاوز الألف، وهو يهدف بذلك إلى الترويج لهذا التنظيم الذي قال عنه الخامنئي ممتدحًا دوره: إن إيران “أصبحت غير قابلة للهزيمة، بسبب وجود الفكر والعمل الباسيجي” الذي وصل إلى العراق وسورية ولبنان وغزة.

“الباسيج” الذي يعدّ رأس حربة إيران في مشروعها لتصدير “الخمينية الفارسية”، هو تنظيم عقائدي، أوكلت إليه مهمة قمع “الثورة الخضراء” الإيرانية التي ترافقت مع صعود المتشددين وإقصاء الإصلاحيين،  وهو يرعى ويحمي منذ سنوات مناطق نفوذ إيران في سورية، من خلال الآلاف من جنوده التي مازالت تقاتل الشعب منذ بداية الثورة السورية، وهو ما يرجّح أن يكون نواة الفيلق الخامس والذي ستكون مهمته -بحسب صفته “اقتحام”- الهجوم باتجاه الشمال الشرقي للالتقاء مع قوات الحشد الشعبي الطائفية التي أعلن “نوري المالكي”،  نائب الرئيس العراقي، أنها ستحارب في الرقة وحلب، وهو ما يتيح لإيران -في حال تحقق ذلك- توفير ممرها البري الاستراتيجي  الذي تعمل عليه منذ سنوات إلى البحر المتوسط.

الروس والإيرانيون سيبقون على دعمهم للنظام طالما يحمي نفوذهم بشرعيّة وجوده القانونية الدولية التي منعت الولايات المتحدة من نزعها.

الشرعية هي مصدر عقود بيع يوقّع عليها  بصفته المعنوية تلك، لكن تلك الشرعية التي يستندون عليها يدركون أنها لن تستمر طويلا فهي شكلية وليس لها مرتكزات وجذور في الأرض السورية  ولهذا تعمل إيران خصوصًا على السيطرة على مناطق البلاد كاملة، من خلال رغبة النظام في ذلك، مستفيدة من الدعم الروسي الجويّ الحالي لتعزيز وجودها  العسكري.

تلتقي روسيا وإيران في تقاسم هذا النفوذ، الذي تحصّنه فيالقهما، وخطوة تشكيل “الفيلق الخامس” ستضم ميليشيات “الباسيج”، والميليشيات الأفغانية والباكستانية التابعة لها؛ بهدف إعطائهم صفة الشرعية التي قد تصل إلى تجنيس هؤلاء المرتزقة.

لم يكن منع سقوط الأسد بلا ثمن -بكل تأكيد- فمناطق النفوذ، والتي هي عمليًا مناطق بحكم “المباعة” بطاقاتها وبشرها وحجرها، ستكون بالنسبة لإيران خصوصًا، إحدى مرتكزات مشروعها  التوسعي في سورية، كما في العراق ولبنان، بعد أن عملت على تغيير الطابع الديمغرافي في هذه المناطق تغييرًا تخريبيًا، تريد من خلاله التأسيس لمرحلة “مستدامة” في أسوأ أيام يمر بها العرب الذين إن بقوا على هذه الحال، ولم يستثمروا تاريخهم وحاضرهم وإمكاناتهم في الثورة السوريّة المباركة، فسيكون التلاشي والاضمحلال مصير الأمّة كلها، التي ستكون بحضارتها وتاريخها ومستقبلها هي “الثمن”.

[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]