معركة حلب .. هل تحسم مصير الثورة السورية ؟
30 نوفمبر، 2016
بعد حوالي أسبوعين من الحملة الشرسة على الأحياء الشرقية في مدينة حلب تمكنت قوات النظام وروسيا والميليشيات الايرانية من السيطرة على عدد من تلك الأحياء باتباع سياسة الأرض المحروقة واستخدام غاز الكلور السام، وسط صمت دولي مريب، يتممه سكون غريب أيضاً من جانب فصائل المعارضة خارج المدينة، التي لم تحرك ساكناً لتخفيف الضغط عن المحاصرين في حلب.
وحتى ساعة اعداد هذا التقرير يوم الاثنين 28/11/ 2016 تمكنت قوات النظام من تحقيق تقدم كبير في هجومها على حلب وسيطرت على كامل حي هنانو، وجبل بدرو القريب منه، إضافة إلى حي الصاخور بينما تولت الوحدات الكردية السيطرة على أحياء أخرى شمال وشرق المدينة مثل الهلك والانذارات.
وتسعى قوات النظام إلى السيطرة على حي طريق الباب تزامناً مع اشتباكات تجري على محاور حيي الطراب وعزيزة اللتين يعني سقوطهما فصل الأحياء الشرقية
والوسطى عن الأحياء الغربية في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة في المدينة.
وبعد هذا التطورات من الواضح أن فصائل المعارضة المسلحة تعيش وضعاً صعباً للغاية، حيث تقول مصادر محلية أن الأحياء الشرقية من المدينة المحاصرة ليس فيها مخزون للصمود، في حين أصبح المدنيون النازحون من أحياء الصاخور والإنذارات والحيديرية عبئاً كبيراً على المناطق الغربية التي تسيطر عليها قوات المعارضة، حيث يفترش المئات منهم الشوارع خاصة في حيي الشعار والمواصلات.
ومع استمرار هجومها البري تُواصل قوات النظام قصفها المدفعي والجوي والصاروخي على بقية أحياء المدينة خاصة أحياء الميسر، الشعار، طريق الباب وكرم الطحّان موقعة المزيد من القتلى والجرحى.
الأرض المحروقة
ويرى متابعون أن هذا التقدم الذي حققته قوات النظام في حلب المحاصرة يعود بالدرجة الأولى لسياسة الأرض المحروقة التي تتبعها والتي تعتمد التركيز على منطقة صغيرة محددة وإنهاكها بالقصف المركز بالمدفعية والطيران، واذا تشبث المقاتلون بمواقعهم بعد هذا القصف يتم استخدام غاز الكلور السام ضدهم لإجبارهم على الانسحاب، ومن ثم تتقدم قوات النظام والميليشيات بأعداد كبيرة غير عابئة بالخسائر البشرية، خاصة أن الطلائع الأولى من المهاجمين ليست من قواتها، بل مما تسميه “القوات الرديفة” أي الميليشيات التي تقاتل معها مثل لواء القدس والميليشيات العراقية .
وبدأت قوات النظام هجومها على مساكن هنانو بقصف جنوني تبع ذلك تقدم وقضم كتل أبنية في الحي، ثم تابعت تقدمها لتسيطر على كامل الحي، وانتقلت بعده مباشرة الى حي جبل بدرو ثم الى الصاخور لتصبح على بعد أقل من كيلومتر واحد من قواتها الأخرى المتمركزة في حي سليمان الحلبي على الطرف الآخر من جهة الغرب.
ومع هذه التطورات تكون قوات النظام قد شطرت المناطق المحررة إلى قسمين شمالي في طريقه الى السقوط وجنوبي مساحته أكبر باتت تتجمع فيه قوات المعارضة.
وقد دفعت قوات المعارضة ثمن خطأ ارتكبته في وقت سابق بعدم القضاء على القوات الكردية المتمركزة في جيب الشيخ مقصود عندما كانت قوات المعارضة في أوج قوتها قبل عام من الآن، حيث تتواطأ القوات الكردية اليوم مع قوات النظام لطعن المعارضة في الظهر في لحظة صعبة.
ومن جهتها، لم تكتفِ روسيا بمشاركة طيرانها في قصف مناطق المعارضة، بل لجأت بوارجها البحرية المتمركزة في البحر المتوسط قبالة شواطئ طرطوس واللاذقية الى قصف مناطق المعارضة بالصواريخ البالستية.
ورأى خبراء أن الاستراتيجية التي اتبعها النظام في حلب اعتمدت على استنزاف قوات المعارضة عسكرياً وصحياً وغذائياً ونفسياً، وتدمير مصادر الحياة كافة من مشافي وأفران بحيث يصعب عليهم ليس القتال وحسب، بل ومواصلة العيش حتى هم والسكان المدنيين في المدينة، مع ما يشكل ذلك من ضغط هائل على الجميع.
كما اعتمدت هذه الاستراتيجية على منع مقاتلي المعارضة داخل المدينة من تجميع قوتهم أو شن هجوم مضاد، وذلك من خلال مهاجمة جميع الجبهات دفعة واحدة أو بشكل متتالي بهدف إجبارهم على الاستمرار بنشر مقاتليهم على كامل خطوط التماس وإرهاقهم بشكل دائم، ووضعهم في وضع دفاعي. ويترافق ذلك مع التقدم التدريجي في المناطق الرخوة أو التي يتم حرقها بالقصف بحي تنتفي فيها امكانية الصمود والمقاومة.
ويضيف هؤلاء أن استراتيجية النظام في حلب، وفي غيرها من المناطق التي تسيطر عليها قوات المعارضة تعتمد إجمالاً على الحصار ومنع المساعدات، وقصف المشافي، وقصف كل مقومات الحياة، والكثافة النارية العالية في القطاعات المطلوب السيطرة عليها، والكثافة البشرية التي تسمح له بإدامة زخم أي هجوم لفترة طويلة، وهي أمور غير متاحة لقوات المعارضة التي لا تستطيع بسبب نقص الموارد البشرية والتسليحية تكرار الهجوم على المحور نفسه، بهدف كشف نقاط القوة والضعف واستغلالها، وتحديد مرابض الأسلحة المختلفة.
وقد قتل أكثر من 600 شخص خلال أسبوعين من الحملة الحالية على أحياء حلب المحاصرة والتي تضم قرابة 275 ألف مدني.
وكانت قوات المعارضة سيطرت على نحو 70 % من مدينة حلب في تموز 2012 . لكن قوات النظام بدأت تستعيدها رويداً رويداً بدءا من العام 2013 حين تسللت من الجنوب الشرقي لتسيطر على منطقة السفيرة، وواصلت قضم الأراضي تدريجيا الى أن سيطرت على المدينة الصناعية عام 2015، لتفك الحصار عن السجن المركزي، ثم وصلت الى بلدتي نبّل والزهراء، وصولاً الى فرض الحصار على المدينة أخيراً بسيطرتها على طريق الكاستيلو.
هل معركة حلب فاصلة؟
ذهبت كثير من التحليلات الى أن معركة حلب ستكون فاصلة في تاريخ الثورة السورية، وأن سقوط المدينة سوف يعني بدء العد العكسي لنهاية الثورة السورية لأن النظام سيتمكن لاحقاً من تصفية جيوب الثوار في الريف الحلبي ومن ثم يطبق على إدلب التي يصورها اليوم كملاذ لـ”الارهاب” وبالتالي سوف يسهل عليه مهاجمتها بعنف وقسوة أشد من تلك التي استخدمها في حلب.
وإذا حسم معركة إدلب لا يبقى أمامه سوى جيوب في حماه وحمص بينما يقوم منذ بعض الوقت بتصفية هادئة لمراكز قوات المعارضة في الريف الدمشقي وآخرها خان الشيح وزاكية في الغوطة الغربية إضافة الى مدينة التل، وعلى الطريق كل من كناكر وربما الغوطة الشرقية أيضاً إذا واصل تقدمه هناك كما يحصل خلال الفترات الأخيرة، وبهذا يكون النظام وصل الى “سورية المفيدة” التي يعمل عليها منذ زمن، ويبقى مصير المناطق الشرقية الأقل أهمية بالنسبة له مرهون بالتفاهمات الاقليمية والدولية التي لها حسابات بالنسبة لتنظيم داعش.
ويرى هؤلاء أن معركة حلب اليوم تشبه معركة “غروزني” في حرب الشيشان والتي كان سقوطها المعركة الفاصلة التي حسمت الحرب لصالح روسيا.
غير أن الكثير من المعطيات تشير الى أن معركة حلب، على الرغم من أهميتها، وبغض النظر عن نتائجها لن تكون هي الحاسمة بل ستكون مجرد معركة في مسيرة طويلة، وان كانت نتائجها اذا توجت بسقوط المدينة في يد قوات النظام، سيكون لها نتائج عسكرية ونفسية سلبية على قوات المعارضة.
لكن من المبكر الحديث عن سقوط المدينة، حيث ما زالت قوات المعارضة تسيطر على نحو 20 كلم مربع من تعادل نحو نصف المساحة التي كانت تسيطر عليها قبل الخسارات الأخيرة، وهي أحياء وان كانت باتت مثقلة بالنازحين من الأحياء التي سيطرت عليها قوات النظام، الا أنها تملك مقومات صمود أكبر من الأحياء الشمالية خاصة أن مقاتلي المعارضة باتوا يتجمعون فيها الآن ما يعني توفر أعداد أكبر من المقاتلين لصد هجمات قوات النظام التي تكبدت بدورها خسائر كبيرة خلال هجماتها الأخيرة ومن الصعب عليها إدامة هجومها بالزخم نفسه بالرغم من المساندة الكبيرة التي تتلقاها من الميليشيات وايران وروسيا.
[sociallocker] صدى الشام
[/sociallocker]