‘محمد أبو رمان يكتب: هل ذلك ممكن حقاً؟!’

2 ديسمبر، 2016

محمد أبو رمان

أُطلق في بيروت (قبل ثلاثة أيام) تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2016، وجاء هذه المرّة بعنوان “الشباب وآفاق التنمية الإنسانية في واقع متغير”. وهو وثيقة كبيرة مهمة، متخمة بالأرقام والمؤشرات المرعبة عن حالة المنطقة العربية وجيل الشباب الضائع!
حتى نخفّف على المسؤولين من “ثقل” حجم القراءة، فإنّني أدعو -في الحدّ الأدنى- إلى توزيع نسخٍ (ولو إلكترونياً) من الملخص التنفيذي للتقرير، وهو في حدود 44 صفحة، تلخّص حجم الكارثة الحالية والمقبلة. وفي حال استمر الاتجاه الحالي في تراجع النمو الاقتصادي وعدم الاستقرار، فإنّ المنطقة العربية ستكون في المرتبة الخامسة عالمياً (من بين ست مناطق) تسبق فقط أفريقيا جنوب الصحراء!
أهم ما في التقرير، برأيي، هو أنّه في تصميمه للسياسات المطلوبة لمواجهة أزمة الشباب العربي، لم يختزل ذلك -كما هي السياسات الحكومية العربية- في قطاع خاص اسمه الشباب، وكأنّه يعيش في المريخ، أو يعاني من مشكلات ذاتية؛ بل تحدث عن ثلاثة مستويات من السياسات التي تمسّ الجوانب السياسية والاقتصادية والثقافية عموما، أولاً؛ وتحسين قطاعات مهمة وأساسية، مثل الصحة والتعليم والعمل، ثانياً؛ وأخيراً ما يرتبط بجيل الشباب ومشكلاته.
ولخّص التقرير مشكلات الشباب في ست نقاط رئيسة؛ في مقدمتها ضعف المشاركة السياسية (التي تعزّز مشاعر الإقصاء والتهميش والاغتراب لدى الشريحة الواسعة من الشباب)، وانخفاض جودة الخدمات العامة في التعليم والصحة، وسوء إدارة التنوع في المجتمع، ومفاهيم وأفكار موروثة تعيق المساواة بين الجنسين، وصراعات مطولة تقوّض مكتسبات التنمية.
يقدم التقرير، أيضاً، بعض المؤشرات التي تعزز الخلاصات السابقة؛ فنسبة المشاركة في العمل المدنى والتطوعي لدى جيل الشباب في العالم العربي هي الأقل عالمياً، ومعدل مشاركتهم في القوى العاملة هو الأقل عالمياً أيضاً، بينما يحتاج العالم العربي إلى توفير 60 مليون فرصة عمل فقط في العام 2020 لتأمين احتياجات جيل الشباب. ولدينا أحد أعلى معدل هجرة للقوى العاملة في العالم. وبحلول العام 2050 سيعيش ثلاثة أرباع سكان العالم العربي في مناطق نزاعات مطولة (لأكثر من 16 عاماً). وحصة العالم العربي من وفيات المعارك في العالم (في العام 2014) وصلت إلى
68.5 %، وحصتنا من لاجئي العالم (في العام نفسه) وصلت إلى 57.5 %،
و47 % من نازحي الداخل. بينما هناك أكثر من 80 % من الشعب اليمني بحاجة إلى مساعدات إنسانية عاجلة، ونصف الشعب السوري مهجّر إما إلى الخارج أو في الداخل!
يطرح التقرير المنظور التنموي بمعناه الشامل لمعالجة أزمة المستقبل العربي (لأنّ الشباب هم المستقبل). ويؤصّل هذا المنظور من خلال ما حدث في الانتفاضات العربية في العام 2011؛ إذ يحيلها إلى جيل الشباب الذي تأثّر بانخفاض معدلات النمو، وارتفاع معدلات البطالة وانتشار الفساد في الأنظمة العربية، بسبب السياسات الاستبدادية وغياب الحاكمية والشفافية، وكذلك بسبب السياسات الريعية التي اتكأت على القطاع العام بوصفه النافذة الرئيسة لفرص العمل، ما خلق مشكلات وآفات سياسية واقتصادية واجتماعية كبيرة.
الشباب طاقة كبيرة ضخمة اليوم في العالم العربي؛ فإمّا أن تكون عاملا إيجابيا وفي مسار صحيح، وإما أن تؤدي إلى نسف ما تبقى من استقرار سياسي وأمني هشّ. والتعامل مع هذه الكتلة المتحرّكة المندفعة لا يمكن أن يتم عبر المنظور الأمني التقليدي العربي (كما يؤكّد التقرير)، فهو يعقّد المشكلة ويفاقم من الفجوة بينهم وبين الدولة؛ فإذا أردنا فعلاً التفكير في مستقبل مختلف لا بد من نقطة تحول جذرية في تفكير المسؤولين والسياسات الرسمية، وليس ديباجات إنشائية تتحدث عن الشباب وكأنّهم قادمون من المريخ. فهل ذلك ممكن؟!

المصدر: الغد

محمد أبو رمان يكتب: هل ذلك ممكن حقاً؟! على ميكروسيريا.
ميكروسيريا –

أخبار سوريا 

ميكرو سيريا