الثورة المتروكة

5 ديسمبر، 2016

صبحي دسوقي

“في نهاية الأمر لن نتذكّر كلمات الأعداء… بل صمت الأصدقاء”

(مارتن لوثر كنج)

يومًا بعد يوم تظهر الحقائق وتسقط الأقنعة، وتتبدّى وضاعة العالم وتتكشف الأمور والقيم التي سوقوها -لزمن- بضاعةً رخيصة ومقيتة، على الرغم من بهرج الكلام الذي زينوها به.

لقد تُركت الثورة السورية وحيدة تذبح؛ لمطالبتها بالحرية والكرامة، وبموافقة أممية وصمت عالمي جارح، وتُرك الشعب السوري وحيدًا في مواجهة طواغيت الكون، بلا صديق حقيقي، وكل من مثّل عليه من خلال إعلان صداقته، كان مجرد ظواهر صوتية وفقاعات إعلامية.

قُتل السوريون بأيدي أصدقائهم قبل أعدائهم، وكم خُدعوا بالوعود المعسولة، وكم سوّروا بالوهم، وأُغرقوا في كلامهم المتكرر عن نُبل ثورتهم وسموّ أهدافهم، وتأييدهم منقطع النظير لها، واستعدادهم للوقوف إلى جانبهم؛ حتى تحقق ثورتهم أهدافها.

ثورة السوريين قامت من أجل الحرية والكرامة والعدالة، ولم تقم من أجل حاجات إنسانية دنيوية (الخبز مثلًا)، مؤتمرات ولقاءات لدعم الشعب السوري وثورته، ولم تخرج عن نطاق البيانات الاعلامية الفارغة التي أسهمت في زيادة معاناتنا وعذابنا.

الدول التي أعلنت وقوفها مع السفاح القاتل كانت أكثر صدقًا ووفاءً بتعهداتها، قدّمت له ما يلزمه ويمكّنه من الاستمرار خمس من السنين في تدمير مدننا وقتل شعبنا، ولم يبخلوا عليه بالمال والسلاح التدميري المتطور وأقاموا جسورًا جويّة ممتدة من طهران ومن العراق ومن روسيا؛ وحتى مدّه بمن يساعده من الجيوش والمرتزقة والميليشيات الطائفية على إتمام مهمته في ذبحنا.

أصدقاء السوريين كذبوا عليهم، واستراحوا لكذبهم، وسهروا على كتابة الخطب الرنانة، وكلٌ يُلقي اللوم على المجتمع الدولي، والعالم يُلقي اللوم على السوريين؛ لأنهم أرادوا التغيير وأردوا استعادة إنسانيتهم التي وجدوها أكبر من مقاسهم، وحرموهم من امتلاك الأدوات التي تُمكّنهم من تحقيق الحلم الذي قاموا من أجل تحقيقه.

المرعب أن العالم استسهل القول ووجد الفعل صعبًا؛ لأنه يصطدم بالمحظورات التي رسموها للسوريين وقيدوهم بها.

وحتى من وقف إلى جانب السوريين موقفًا إنسانيًا وأخلاقيًا، لم يتمكن، على الرغم من ثقله الإقليمي، من إحداث اختراق لتابو الحظر على وصول الأسلحة الدفاعية المضادة لسلاح الطيران القاتل إلى الشعب السوري. ولو أرادوا فعلًا نصرهم لقالوا للقاتل: كفى، ولو أرادوا فعلًا أن يكونوا أصدقاء حقيقيين لكانوا أعطوا السوريين سلاحًا لحماية شعبهم ومدنهم من طائراته القاتلة.

ثورة السوريين تُذبح علنًا، وبموافقة عالمية، وصمت عربي وإسلامي، وبموافقة غير معلنة ممن أسْمُوا أنفسهم بالأصدقاء.

العالم يقف مع الديكتاتور القاتل السفاح وعصابته، ويبارك أفعاله من قتلٍ وذبحٍ وتشريد وتدمير، وهم مُجمعُون على بقائه رئيسًا أبديًا لسورية، وها هو يُعلن من الآن أن وريثه الطفل (حافظ بشار الأسد) يستعد ويحضر لتولي مهمته في قيادة سورية وترؤس شعبها، السفاح بشار عدّ نفسه مالكًا لسورية (المزرعة) التي ورثها عن أبيه الديكتاتور، وهو مخول بتوريثها لابنه، ومن بعده لأحفاده حتى انتهاء الحياة.

والعالم يقف معه، ويُجمع على تركيع الشعب السوري، وتفتيت إرادته في التغيير والحصول على حريته والحياة الكريمة التي ينشدها.

الديمقراطية هي حكر لهم ولشعوبهم، وللشعوب العربية الخنوع، والعودة إلى بيت الطاعة، وما يحدث من تسابق بعض المعارضين للعودة إلى حضن الوطن (القبول والخنوع للبوط العسكري)، هو الرضوخ لإرادة القاتل، وتطبيق حرفي لما أعلنوه منذ بداية ثورتنا (الأسد أو نحرق البلد)، وهاهم قد دمروا سورية وحوّلوها إلى رماد، وتمادوا في إذلال شعبنا، وكل العالم يُسلّم بما يريده المجرم، ويطالبنا بالتوبة، وطلب الغفران من السفاح.

تناسى العالم أن من أجمل هتافات ثورة السوريين (الموت ولا المذلة)، وانطلاقًا من هذا الهتاف لن يقبل الشعب العودة إلى حياة الذلّ بعد تدمير المدن وقتل وتشريد الشعب الثائر، مادامت تنبض الحياة في أرواحهم.

[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]