ترامب وبوتين و«صفقة» تضعف إيران… وأوروبا تُعيد الإعمار

9 ديسمبر، 2016

الحياة

بعيدًا من التصريحات الإعلامية والبيانات السياسية، بدأت عواصم أوروبية بالتفكير في احتمالات «ما بعد حلب»، وبدأ مسؤولون أوروبيون ودوليون رحلة فهم الرئيس المنتخب دونالد ترامب وكيفية تعاطيه مع الموضوع السوري، حيث يراهن بعضهم على التوصل إلى «صفقة» بين ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين تتضمن «شراكة لحل سياسي ومحاربة داعش لمصلحة روسيا وتقليص النفوذ الإيراني» في سورية، إضافة إلى التلويح بـ «جزرة» إعادة الإعمار مدخلًا للتسوية والحلول الوسط بين مناطق تتضمن «خطوطًا مرنة» في سورية.

وبعد إلقائه إيجازًا سياسيًا في مجلس الأمن، يتوجه المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا إلى واشنطن الإثنين، للقاء فريق الرئيس باراك أوباما لحضه على البقاء للعمل على «خفض العنف وإيصال المساعدات الإنسانية» إلى آخر يوم من ولايته، إضافة إلى لقائه فريق ترامب لإبلاغه رسالة من أنه إذا أراد التعاون مع بوتين لمحاربة «داعش» في سورية فلا بد من حل سياسي يتضمن تشكيل حكومة شاملة تضم جميع السوريين.

وتستضيف باريس اجتماعًا وزاريًا لـ «مجموعة أصدقاء سورية» لتنسيق المواقف بين الدول الداعمة للمعارضة، إضافة إلى «ضبط» إيقاع موقف وزير الخارجية الأميركي جون كيري وسط تخوف من «المبالغة بالواقعية» واقترابه مرة أخرى من قبول طلبات نظيره الروسي سيرغي لافروف، إزاء شروط هدنة حلب واستئناف المفاوضات ودور الرئيس بشار الأسد في العملية السياسية وقبول «حل تجميلي». ونُقل عن كيري قوله في بروكسيل أمس: «اجتمعنا في فيينا قبل عامين لبدء عملية لخلق اتجاه سياسي في محاولة لوضع حل للحرب، وجلبنا الجميع، بما في ذلك روسيا وإيران، إلى طاولة المفاوضات. وسعينا من أجل وقف نار. كانت روسيا وإيران في ذلك مع وقف النار، لكن المعارضة لم تكن مهتمة بقبول وقف النار». وأضاف: «قلنا أن وقف القتال هو أفضل وسيلة للجلوس على طاولة المفاوضات والبدء بالتفاوض حتى يتم حل النزاع سياسيًا، لكن الناس اختاروا القتال… بما أنهم وليس نحن من يقاتل على الأرض، عليهم أن يقرروا خياراتهم».

وأضاف كيري، وفق نص مداخلة له في بروكسيل، أنه يحاول «إيجاد وسيلة للجلوس على طاولة المحادثات للبدء بعملية التفاوض التي كان الكثيرون يتوخون حصولها قبل عامين أو أكثر، غير أن أطراف النزاع لم تكن راغبة، وأعني بذلك كلا الجانبين. الأسد لم يتوقف أبدًا عن القتال ولم يكف أبدًا عن مواصلة الحرب ولم يظهر أي رغبة في الانخراط فعليًا في أي نقاش يمكن أن يفضي إلى نهاية للحرب… لذلك علينا أن ندفع الطرفين ليكونا جاهزين للجلوس إلى طاولة الحوار. روسيا الآن تقول أن الأسد جاهز للجلوس إلى الطاولة وأن جزءًا من الدعم له أن ينخرط بحسن نية في العملية التفاوضية وأميل بشدة لأضع ذلك على محك الاختبار من خلال محاولة الذهاب إلى جنيف من أجل أن نكون قادرين على التفاوض على الحل السياسي الذي لا غنى عنه».

عليه، فإن كيري يعتقد بأنه «حتى لو سقطت حلب»، لن يغير هذا من «عناصر التعقيد الجوهرية لهذه الحرب. هل ستنتهي الحرب لو استطاع الأسد أن ينتزع حلب؟ كلا. هل سيكون قادرًا على حل التحدي السياسي المتمثل في التقريب بين أفراد شعبه لتوحيد البلاد؟ كلا. هل سيستمر العديد من الذين ذاقوا مرارة ويلات ما حدث في حلب بالقتال وتفجير أنفسهم أو تفجير سيارة مفخخة أو حزام ناسف. الحرب ستستمر والعنف سيتواصل».

من هنا، دخل كيري إلى ميدان إعادة إعمار حلب وسورية، باعتباره «حافزًا» يمكن استخدامه في التفاوض مع دمشق وحلفائها. وقال: «لو أردت بناء سورية، هل سيتم ذلك من الأسد وحده بطريقة ما بعد سقوط حلب لو سقطت؟ الجواب كلا. سيتطلب ذلك بلايين الدولارات بمساهمة من المجتمع الدولي. ولن يشارك المجتمع الدولي في فعل أي شيء يتعلق بحلب ما لم تكن هناك تسوية سياسية»، ما جعل ذلك اساسًا لإقناع الروس بضرورة الجلوس على طاولة المحادثات والانخراط بالمفاوضات وعدم تأجيج المشاعر أكثر بالإيغال في التدمير الشامل لحلب».

وكانت مسؤولة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأووربي فيدريكا موغريني أعدت وثيقة نشرتها «الحياة» سابقًا، جاء فيها: «تشكل آفاق إعادة الإعمار حافزًا مهمًا للتوصُّل لاتفاقية سلام، ولا بد من البدء بالتخطيط منذ الآن للتمكُّن من التنفيذ السريع. كما يتطلب ذلك إشراك الجماعات السورية، باعتبار أن إعادة الإعمار من الأسفل للأعلى ستكون أساسية للنجاح وتفادي الفساد وعدم الكفاءة. وسيكون الاتحاد الأوروبي مستعدًا لتقديم مساهمته لكل من الاستقرار السريع في مرحلة ما بعد الصراع وإعادة إعمار على المدى الطويل في مرحلة ما بعد الصراع في سورية، لدعم عمل المؤسسات السورية» لكنها ربطت ذلك بـتنفيذ «انتقال سياسي» يؤدي لتأسيس نظام خاضع للمساءلة ويقوم على اللامركزية.

ورغم أن دولًا كبرى أعضاء في الاتحاد الأوروبي احتجت على استعجال موغريني بالتلويح بورقة إعادة الإعمار وإشارتها إلى الاستعداد إلى مراجعة ما للعقوبات على مؤسسات عامة سورية، وكانت هذه الدول لعبت دورًا في فرملة دي ميستورا من المشاركة في مؤتمر رتبه البنك الدولي لإعادة الإعمار في 7 تشرين الاول (اكتوبر)، فإنها (بعض الدول) بدأت تفكر في أدوات التأثير في الملف السوري باعتبار أن سورية «مهمة لمصالح أوروبا لثلاثة أسباب: الهجرة، الإرهاب، والاستقرار في الشرق الأوسط المجاور»… إضافة إلى الواقعية نظرًا لما يحصل في سورية وفوز اليمين في أوروبا.

وباعتبار أن أوروبا ليست قوة عسكرية وتعتمد على أميركا وكانت تنتظر كيري كي يؤكد أن «التزام واشنطن نحو حلف شمال الأطلسي (ناتو) والمادة الخامسة يتعدى السياسة»، بعدما أثار كلام ترامب عن تراجع عن التزامات مع «ناتو» قلقًا أوروبيًا، فإن دولًا أوروبية ترى أن نقاط قوتها هي «البعد الأخلاقي والتزام مبادئ دولية في سورية» والبعد الإنساني عبر تقديم بلايين الدولارات لدعم السوريين في سورية ودول الجوار، إضافة إلى الاستعداد للمساهمة مع البنك الدولي والدول العربية الفاعلة في إعادة إعمار سورية التي ستكلف اكثر من 250 بليون دولار اميركي، لتحفيز دمشق وحلفائها على البحث عن حل سياسي مقبول.

دور الأسد:

وتنقسم دول أوروبية إزاء العلاقة مع روسيا ودور الأسد في العملية السياسية. اذ يقترح بعض الدول «واقعية وقراءة الميدان، ذلك انه ليس هناك حل من دون روسيا وأن الأسد باق حاليًا وروسيا تقدم الدعم العسكري الكامل كي يعزز الجيش السوري مواقعه غرب نهر الفرات ويستعيد المدن الكبرى» في «سورية المفيدة»، مع إشارة إلى احتمال «انخراط ما» مع دمشق، فإن دولًا أخرى تقول ان لديها «تجارب في الانخراط وكانت التجارب غير مرضية أبدًا، بل جاءت بنتائج عكسية» مع إشارتها إلى التعبير عن القلق من انه «ما لم يحصل حل سياسي مرضٍ للسوريين، فإن الحرب ستستمر وسيتجه المقاتلون إلى حرب العصابات مع احتمالات زيادة التطرف الذي سيؤثر في الأمن الأوروبي».

ووفق قراءة أوروبية، مع قدوم ترامب إلى البيت الأبيض، هناك احتمالان: الأول، أن يعقد صفقة مع بوتين تتضمن حلًا سياسيًا مقبولًا تكون الغلبة فيه لروسيا، بحيث «تملك سورية بمشاكلها واحتمالاتها». ويتضمن الحل تراجعًا لنفوذ إيران وترتيبات ترضي تركيا ودولًا عربية، بين ذلك أن يضمن التوافق الأميركي – الروسي المنطقة الآمنة التي تقيمها تركيا شمال حلب لتكون خالية من «داعش» والمقاتلين الأكراد.

الثاني، عدم قبول موسكو أو عدم قدرتها بسبب «فيتو» إيراني على الوصول إلى اتفاق مع واشنطن الجديدة أو خضوع ترامب إلى «المؤسسة العميقة» في أميركا والمستشارين الذين يحيطون بها وبعضهم معاد جدًا لموسكو وطهران، ما يفسح في المجالات لترتيبات وتسويات صغيرة. بين الأفكار أن تتجه مشاريع إعادة الإعمار إلى «داعشستان» شرق نهر الفرات، بحيث تتحول الرقة بعد تحريرها من «داعش» إلى مدينة عصرية وتقدم نموذجًا آخر منافسًا لـ «سورية المفيدة» وليس نموذجًا للتطرف والفوضى كما تخطط دمشق وبعض حلفائها، وفق اعتقاد مسؤولين أوروبيين.

(*) كاتب سوري

[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]

9 ديسمبر، 2016