درعا وسنوات الثورة (1/5)

13 ديسمبر، 2016

مضر الزعبي: المصدر

ستّة أعوامٍ من الثورة ومازالت درعا تتصدر واجهة المشهد السوري، تغير فيها المشهد مرات ومرات، وشكلت مفاجأة للنظام والسوريين في الأيام الأولى من الثورة، ونموذجاً ثورياً ناجحاً في الأعوام الأولى من الثورة، لتفاجئ السوريين من جديد في الأشهر الأخيرة عقب جمود جبهاتها.

هنا نحاول الوقوف عند أبرز الأحداث في المحافظة خلال السنوات الست الماضية، والحديث عنها في هذه السلسلة.

فعلتها درعا وكسرت قاعدة النظام

قبل تاريخ 18 آذار عام 2011 لم يكن أي سوري يعتقد بأن ثورة شعبية ستنطلق من محافظة درعا المحسوبة على نظام آل الأسد، والتي حصل سكانها على مجموعة من الامتيازات بالمقارنة مع باقي المناطق السورية، ولكن فعلتها درعا وأطلق أبناؤها الصرخة الأولى في ثورة القرن، وكسروا قاعدة النظام الذهبية التي اعتمد عليها نظام الأسد الأب والابن، وخلال أربعة عقود عمل وفق  قاعدة تجويع الشعب السوري، لكن دون الوصول إلى المجاعة، وكان النظام حريصاً على جعل رغيف الخبز هاجساً يلاحق السوريين مع الاعتماد على النعرات القومية والطائفية والمناطقية، يضاف إليها النعرات العشائرية.

قاعدة النظام خلال العقد الأخير قبل اندلاع الثورة لم يعد لها أية فاعلية في محافظة درعا لمجموعة من العوامل، ومنها  العامل المادي، فلم تعد المحافظة الجنوبية بحاجة للنظام، وذلك نتيجة ارتفاع نسبة هجرة أبنائها للخليج العربي ومختلف دول المهجر حول العالم، لذلك أصبح النظام هو من يحتاج للأهالي ويعمل على بناء علاقات اقتصادية واستقطاب رؤوس الأموال وفق نسبة من الأرباح لرموز النظام، كما أن المحافظة تعد أقل المحافظات السورية التي يعتمد أبناؤها على الوظائف الحكومية، وبهذا الشكل تكون قد خرجت من قبضة النظام المالية وباتت تشكل مورداً اقتصادياً هاماً من خلال التحويلات بالقطع الأجنبي.

ولم يكن العامل المادي هو العامل الوحيد التي ميز درعا، بل كان هناك عامل ثاني لا يقل أهمية في بنية المحافظة، وهو العامل الاجتماعي، فزائر درعا قبل العام 2011 لا يستطيع التميز بين أبعد بلدة عن مركز المحافظة ومركز المحافظة من ناحية البنية التحتية والمباني، بعكس جميع المحافظات السورية، يضاف إلى ذلك تلاشي دور الزعامات التاريخية المحسوبة على النظام مع التمسك بالعشائرية في المحافظة بشكلها الإيجابي.

ولم يقتصر تمايز المحافظة على الجانب الاقتصادي والاجتماعي، بل إن التطورات الجديدة دفعت أبناء المحافظة للتوجه نحو التعليم وبشكل كبير، لتصبح نسبة التعليم في المحافظة من أعلى النسب في سوريا، ولم تكن الوظيفة الحكومية هي الهدف من الحصول على الشهادة الجامعية.

وكل هذه العوامل مجتمعة جعلت من المحافظة أرضاً خصبة لإشعال شرارة الثورة، فمن الطبيعي أنه عندما يتمكن الإنسان من تأمين متطلبات الحياة أن يفكر بالحصول على حقوقه السياسية وأن يكون شريكاً في صنع القرار في وطنه.

النظام يتفاجأ بدرعا

وعقب اندلاع الربيع العربي بدأ النظام بالتجهّز وبدراسة الاحتمالات لمواجهة أي ثورة محتملة، ومع انطلاق الثورة بتاريخ 18 آذار/مارس من العام 2011، تفاجأ النظام بالمحافظة (الموالية) تاريخيا، ولم يكن يعتقد أي من أبناء درعا وثوارها الأوائل أن تتطور الأحداث بهذه السرعة، وكانت الأغلبية في سوريا تعتقد أن ما يحدث في المحافظة الجنوبية هو عبارة عن زوبعة في فنجان سرعان ما تنتهي.

وفي 23 آذار/مارس من العام 2011، كانت المواجهة الأولى بين وجهاء درعا ومسؤولي النظام، وعن هذه المواجهة التي رسمت ملامح ما تمر به سوريا اليوم، “المصدر” تمكنت من الوصول إلى أحد الأشخاص الذين حضروا تلك الحادثة، ورفض الكشف عن اسمه، وقال: “في الأيام الأولى من الثورة كان النظام يعمل على تطويق الثورة داخل أحياء درعا البلد، وكان يعتمد على القوة وتجاهل فعاليات المحافظة، حيث كان الخيار الأمني سيد الموقف منذ 18 آذار  وحتى 23 آذار، فالاحتجاجات كانت محصورة بأحياء درعا البلد، وكان إطلاق النار يومي، وفي صباح 23 آذار يوم الأربعاء، كان القرار بإنهاء الاحتجاجات واقتحام ساحة المسجد العمري، وهي ساحة الاعتصام، قبل يوم الجمعة 25 آذار”، وبالفعل تم اقتحام ساحة الاعتصام، وقتل أكثر من 11 شخصاً من المعتصمين، وباتت أحياء درعا البلد بالكامل تحت قبضة النظام”.

وأضاف المصدر أن النظام في ساعات الظهيرة بات يشعر وكان الأمور انتهت، وكل شيء أصبح خلف ظهرة، ونجح بتطويق الأحياء الثائرة، ولكن المحظور وقع من جديد، وكان للريف الشرقي بدرعا كلمة لم يتوقعها أشد المتشائمين في النظام، فخرجت مظاهرة من الريف الشرقي باتجاه مركز المدينة، وفي هذه اللحظات بات الارتباك واضحاً في أجهزة النظام الأمنية في المحافظة، وأصحبت معضلة حقيقة، فبعد نجاح النظام بفض اعتصام ساحة المسجد العمري والسيطرة على أحياء درعا البلد وفرض حظر للتجوال، أصبح هناك تهديد جديد يتمثل بالمد البشري القادم من الشرق، والذي بلغ عدده أكثر من 25 ألف متظاهر، وكان النظام أمام خيارين، إما التصدي للمتظاهرين بالرصاص الحي وهنا ستنتهي المظاهرة ولكن ستنتقل الثورة إلى عموم المحافظة، أو السماح لهم بالوصول إلى درعا البلد، وعندها يذهب كل جهد النظام في إنهاء الحراك سدى.

وأردف المصدر بأن قرار مسؤولي النظام في العاصمة دمشق كان سريعاً وهو إنهاء المظاهرة وعدم السماح لها بالوصول إلى أحياء درعا البلد وساحة المسجد العمري، وفي ساعات المساء من يوم الأربعاء وصل المتظاهرون إلى مشارف المدينة، وعندها تم تنفيذ القرار، لترتكب قوات النظام مجزرة الأربعاء الدامي وتنهي المظاهرة بعد أن تجاوز عدد القتلى 50 قتيلاً في صفوف المتظاهرين، وشكل يوم الأربعاء 23 آذار علامة فارقة، ففي ذلك اليوم سقط قتلى في أغلب بلدات ريف المحافظة الشرقي، وانتقلت الاحتجاجات إلى معظم مدن وبلدات المحافظة.

وأشار مصدر الذي رفض الكشف عن اسمه إلى أنه في صباح يوم الخميس 24 آذار من العام 2011، بدأ النظام وللمرة الأولى بالتواصل مع الفعاليات في المحافظة، وجمعها للتشاور فيما يجري في المحافظة، بعد تمدد الحراك.

وعن مشاورات النظام، قال المصدر إن وفداً مؤلفاً من 12 شخصاً من درعا المدينة تم طلبهم لمقابلة مسؤولي النظام في العاصمة، وعندما بدأ الحديث كان هناك جواب واضح بأن المسألة لم تعد محصورة بأحياء درعا البلد، وإن كان هناك جدية في التعامل يجب أن يتم إحضار وجهاء ريف درعا.

وأضاف أنه بالفعل تم تكليف (مفلح محمود الزعبي) ابن رئيس الوزراء الأسبق (محمود الزعبي) وصديق (بشار الأسد) بإعداد قائمة لوجهاء درعا والتواصل معهم ليتم جمع الوجهاء في مساء ذلك اليوم في منزل “أبو فريد الجاحد” في بلدة إبطع بريف درعا، وبعد وصول قرابة 16 شخصاً من الوجهاء، تم إبلاغهم بأنهم في طريقهم لمقابلة (بشار الأسد)، وتم إرسال سيارات مخصصة لنقل وفد الوجهاء.

وقال المصدر، وهو أحد أعضاء الوفد، في مدخل العاصمة تم إغلاق شبابيك السيارات ولم يعد أي أحد يعرف إلى أين نحن متوجهون، وبعد نصف ساعة وصلنا وتم إدخالنا في جو من الصمت إلى مكتب كان فيه لواء متقاعد اسمه (فجر عيسى)، وبعد جلوسنا دخل شاب وقد وجه له اللواء التحية العسكرية، وهنا أصيب الجميع بذهول من الموقف، فمعظم الحضور يعرفون اللواء (فجر عيسى) بشكل جيد كونه قضى فترة من الزمن بدرعا متنقلاً بين القطعات العسكرية، فكيف يوجه التحية العسكرية لشاب؟ وبعد التحية عرف عن الشاب أنه العقيد (حافظ مخلوف)، وبدأ العقيد (مخلوف) كلامه بأن (بشار الأسد) يحب أهل درعا، وكان يريد لقاء الوجهاء ولكن مشاغلة لم تمكنه من ذلك، ووعدهم بلقاء قريب، وبعد ذلك بدأ بعتاب الوجهاء والحديث بأن القيادة خلال الأشهر الماضية كانت تتجهز لأي حالة فوضى، وكان التركيز على (الحسكة – حلب – السويداء – الساحل – ريف دمشق) لكن لم يكن أحد يتوقع أن تكون درعا.

وبعد ذلك قال (مخلوف) للوجهاء “يا أهل درعا تريدون تقسيم سوريا؟” وأخرج خريطة من درج مكتبه، وقال إن المخطط هو لثلاثة دول وهي (سنية – علوية – كردية)، وأن “عبد الحليم خدام ورفعت الاسد هم من يقفون خلف هذه الخريطة كي يعودوا للسلطة”، وفي نهاية الكلام، بدأت لغة التهديد للوجهاء، وقال لهم (مخلوف) “في درعا الآن يوجد فيلق من الجيش وإن أستمر أبنائكم بالمظاهرات سيتم إنزال ثلاثة فيالق لطرقات درعا، فماذا تريدون؟ السيد الرئيس أمر بتحقيق مطالبكم، وقبل وصولكم لمنازلكم ستسمعون أخبار تؤكد ذلك”، وكانت هذه الأخبار كلام مستشارة بشار الأسد (بثينة شعبان) مساء نفس اليوم عن تخفيض سعر المازوت ورفع رواتب الموظفين بمقدار 15 ليرة سورية، بحسب الشاهد.

وختم المصدر حديثه لـ “المصدر”، بأن النظام في الأسبوع الأول من الثورة تعامل مع درعا وكأنه لا يزال في العام 1980، وتجاهل التغيرات الجوهرية في المحافظة الجنوبية التي أنتجت صرخات ثورة السوريين، حيث اعتقد أن الوجهاء التقليديين مازالوا يملكون الكلمة الفصل في المجتمع، ليكون كلام مستشارة بشار الأسد دافعاً جديداً لاستمرار الثورة، فقد أهانت ذوي الضحايا ليكون الرد الأول من شباب الثورة “يا بثينة ويا شعبان، شعب درعا مو جوعان”.

[sociallocker] المصدر
[/sociallocker]