علمانية النظام بكسر العين أم فتحها؟

13 ديسمبر، 2016

فؤاد عزام

لا يرى الشيخ الدكتور أحمد بدر الدين حسون، مفتي النظام، مانعًا من أن يكون رئيس الحكومة مسيحيًا أو ملحدًا، على عكس الثورة السورية التي يراها، بحسب ما يدعي النظام ويروج بأنها تكفيرية، وهي “داعش” و”القاعدة”، داعمًا موقفه هذا بالتراجع عن التهديدات التي كان قد أطلقها ضد أوروبا حول إرسال “استشهاديين” لضربها، في حال تدخلت عسكريًا في سورية.

رسالة حسون هذه التي وجهها إلى الغرب خلال زيارته إلى جمهورية إيرلندا، هي أحد أسس بروبغندا النظام بأنه حامي الأقليات، المسيحيين وغيرهم، وهو متسامح إلى أبعد الحدود، بينما أولئك الذين يريدون اسقاطه هم خطر ليس على سورية فحسب، بل على أوروبا والإنسانية جمعاء.

ينطلق الشيخ حسون من تصنيفه وتسميته من رؤية طائفية، وإن كان مستقرها الشكلي يشير إلى عكس ذلك، فحديثه عن التسامح مقابل “الإرهاب الإسلامي” موضوع لطالما تاجر به النظام، وإن كان هذا ليس جديدًا بالنسبة له، إلا أنه يطرح رؤية تختلف ليس من حيث الزمان والمكان فحسب، بل من حيث التناقض والتوظيف السياسي للدين كذلك، الذي دأب النظام طوال العقود الماضية على مأسسته وجعله عصًا؛ لإخضاع العامة من السوريين الذين خبروا تلك اللعبة الخطرة، وكانت من أسباب الثورة عليه.

كذب حسون

من حيث التوقيت لا شك في أن الشيخ حسون يندفع بأقواله تلك، وبهذه الطريقة الواضحة الصريحة، مما يراه النظام تقدمًا عسكريًا يحققه على الأرض، ويفترض أن يجني ثماره خارجيًا، ومن حيث المكان؛ فإن اختيار إيرلندا لضخ هذا الخطاب يشكل محاولةً لتلميع وجه النظام لدى الغرب، من خلال النفاق والكذب والتلاعب بالألفاظ.

فقد قال في العام 2011: “أنه في اللحظة التي تُقصف فيها أول قذيفة على سورية ولبنان … سينطلق كل واحد من أبنائها وبناتها؛ ليكونوا استشهاديين على أرض أوروبا وفلسطين. وأقولها لكل أوروبا وأقولها لأميركا: سنعد استشهاديين هم الأن عندكم، إن قصفتم سورية، أو قصفتم لبنان، فبعد اليوم العين بالعين والسن بالسن والبادئ أظلم”.

وينفي حسون أنه قال هذا الكلام، على الرغم من أنه مازال موجودًا على اليوتيوب، لكنه يقول في إيرلندا: “يزعمون أنني قلت إنني سأرسل إرهابيين الى أوروبا لقتلهم. لا أعلم لماذا يكذبون في ترجماتهم، أنا دعوت فقط إلى عدم قصف سورية أو لبنان. قلت: إذا اشتعلت النار في سورية أو لبنان فان هناك خلايا نائمة في العالم ستستيقظ، مؤكدًا أنه يخاف على أوروبا”.

حين يقول المفتي أنه لا يرى مانعًا من أن يكون رئيس الحكومة مسيحيًا أو ملحدًا، يعني هذا أن النظام هو الذي يقول، لكن كيف يستقيم هذا الموقف مع وصف حسون  النظام في وقت سابق بأنه ليس علمانيًا، حيث قال في مقابلة مع العربية قبل الثورة السورية:  “ليست سورية دولة علمانية، وفق المعنى الفرنسي لكلمة العلمانية، فأنا عندما كنت أرى الرئيس الراحل حافظ الأسد يدخل ويصلي مع الناس، ويصوم رمضان، وحينما أرى الآن الرئيس بشار الأسد يقسم أمام مجلس الشعب بالله العظيم، والعلماني لا يقسم بالله العظيم، وإنما يقول أقسم بشرفي ومعتقدي، القسم الذي كان موجودًا في السابق، ولكنه ألغي، فأي دولة علمانية هذه، والقرآن يطبع فيها باسم رئيس الجمهورية، وله صورة يمسك فيها بالقرآن يقبله ويضعه على جبينه.

نظام عائلي مافيوي

إنه الدخول -إذن- في لعبة النظام الذي يطلب منه ما يرغب تسويقه، بحسب اللحظة والتطورات، فتارة هو علماني بكسر العين، وتارة بفتحها، ومرة ديني وأخرى إنساني، وما إلى ذلك من الصفات التي يختارها من قاموس مصالحه التي تضعه في مكان لا صفة له من أي من تلك الصفات، بل هو عائلي، وليس علمانيًا، بل “مافيويًا”، فالعلمانية -بالأساس- هي فصل الدين عن الدولة، لكنه في الوقت نفسه يستخدم الطوائف وسيلة للصراع والاحتماء بها وتسخيرها لخدمة مصالحه، وما المفتي حسون إلا أحد هذه الأدوات المستخدمة بإتقان وإحكام، من خلال صوغه مؤسسةً بذاتها، تُعنى بالتسويق والتحريض والدفاع عنه،  وهي جزء أساسي من النظام.

الأديان والطوائف التي سعى النظام إلى إخراجها من إطارها الروحي والاجتماعي الأخلاقي طوال العقود الماضية، أراد جعلها مؤسسات منظمة قائمة بذاتها، من خلال زعاماتها، بحيث باتت إحدى الركائز الداعمة له، وتؤدي دورًا وظيفيًا، وتضم رؤساء الطوائف المختلفة، الذين ارتبطوا بعلاقات سياسية واقتصادية مع الأجهزة الأمنية، خاصة “الطائفة السنية” التي جرى التركيز عليها في أعقاب القمع في الثمانينيات. ويقدم النظام الفاعليات الدينية، بوصفها جهة فاعلة في المجتمع المدني السوري أمام الوفود الأجنبية التي تزور البلاد، كما يوفدها في مهمات خارجية.

في الداخل جرت صناعة مثل هؤلاء الأشخاص، ضمن مفهوم الدولة القمعية التي تصنع ترهيبًا دينيًا، إلى جانب الترهيب السياسي والأمني الذي يصنف كل من يقف في وجهها بالخائن أو الإرهابي، فالمفتي حسون لطالما دعا أهالي حلب، المدينة التي ينتمي إليها، إلى إخلائها واصفًا الثوار بأنهم ارهابيون، وهو الذي ارتبط اسمه بالبراميل لدعوته العام الماضي إلى إبادة حلب بالبراميل المتفجرة؛ لإعادتها إلى بيت الطاعة.

ويرتبط المفتي الذي عيّنه النظام في هذا المركز الديني – السياسي، بعلاقات تجارية وأمنية مع أجهزة النظام المختلفة، من خلال وكالات اقتصادية، منها وكالته الحصرية لمكتب “آل البيت” في سورية، وهو معتمد الخط الائتماني الإيراني لـ “بنك صادرات” في الأدوية والمواد الطبية، كما يبرز إلى جانبه أحد أبنائه شريكًا للمهندس فارس الشهابي، رئيس مجلس إدارة “شركة إلفا” و”غرفة صناعة حلب”.

أما أمنيًا؛ فقد كان له دور كبير في إدارة الوضع الأمني في حلب، بحسب أحد مرافقيه الذي انشق عن النظام، حيث قال: إن التوجيهات تأتيه لمعالجة أي ثغرة في حلب، فكان عليه إسكاتها، وإغلاقها، ومعالجتها بوسائل أمنية أو مادية شتى، وكان يعطي أوامره للتابعين له؛ لقمع المظاهرات، وأخيرًا حظي بتكريم من ميليشيا “النجباء” العراقية، وهي إحدى الميليشيات التي جاءت بها إيران لقتل الشعب السوري، وقد منحته هذه الميليشيا درع العباس، نظرًا للجهد الذي يبذله للمحافظة على الإسلام! بحسب قولها.

الزيارة المريبة

قبل زيارة حسون إلى إيرلندا، جال في بعض الدول العربية بتكليف من النظام، شملت الجزائر والعراق، كان الهدف منها تسويق وترويج  خطاب النظام “الممانع المقاوم الذي يتعرض للإرهاب”، لكنها لم تحظ إلا بالفشل؛ نتيجة الغضب الشعبي الذي قوبلت به، حيث تعرض خلال زيارته إلى الجزائر، وفي أثناء إلقاء محاضرة له للإهانة، وصلت إلى حد ضربه من شبان جزائريين غاضبين على القمع الذي يمارسه النظام بحق السوريين، أما زيارته إلى العراق، فقد رفض أعضاء المجمع الفقهي العراقي الذي يضم كبار رجال الدين السنة في بغداد لقاءه، حيث لا يحظى بأي قبول في الأوساط العراقية، وخاصة في المناطق الساخنة التي تعرّضت لكثير من الأذى والظلم على يد الحكومة الطائفية المتحالفة مع نظام بشار الأسد.

وعلى الرغم من أن زيارة حسون إلى ايرلندا قوبلت باستنكار من بعض الفاعليات، كحركة التضامن الإيرلندي مع سورية، التي دعت إلى اعتقال حسون، غير أنه من المستغرب أن تدعو دولة ديمقراطية شخصيات كهذه لزيارتها، في وقت يشترك فيه حسون في سفك الدم السوري، وتدمير البلاد وتهجير أهلها.

ألم يدرك الغرب -بعد- أن النظام من خلال هذه الشخصيات يحاول تعويم ذاته، ومن خلالها يسعى إلى ذر الرماد في العيون والتعمية على ممارساته القمعية وجرائمه التي يرتكبها بحق الشعب السوري، أم أن هذا الغرب يتماهى -الآن- مع إخراج النظام من غرفة الإنعاش؟

[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]