التناقض الإيراني – الروسي يتعمق في سوريا

15 ديسمبر، 2016

 

اندفعت إيران ومنذ اليوم الأول لإعلان النظام السوري لحربه على الشعب لدعمه ماليًّا ومن ثم عسكريًّا عن طريق إرسال المليشيات اللبنانية والعراقية وفي مرحلة لاحقة الانخراط الكامل للجيش الإيراني في سوريا بما في ذلك الحرس الثوري وفرقة الوحدات الخاصة، في حين تمثل الدعم الروسي للنظام بغطاء سياسي وبعد ذلك غطاء جوي كثيف حيث أعلن الروس في أواخر شهر أيلول من عام 2015 التدخل العسكري الرسمي في سوريا وإرسال مقاتلات حربية، وبات النظام يتمتع بدعم ميداني عبر المليشيات الإيرانية ودعم جوي من قِبل روسيا.

ويمكن رصد اختلاف السياسة الإعلامية لإيران منذ إعلان التدخل الروسي، فقد أصبحت وعلى غير عادتها القائمة على التكتم عن خسائرها تصرح في كل مرة وفي كل معركة عن خسائرها من الضباط والمستشارين العسكريين.

” نقلت وكالة تسنيم الإيرانية عن رئيس مؤسسة الشهداء والمحاربين القدامى في إيران محمد علي شهيد محلاتي تصريحات قبل شهر من الآن  بأن قتلى الإيرانيين في سوريا تجاوزوا الألف”.

 

تباين المصالح الروسية – الإيرانية  

استقبلت إيران خبر التدخل الروسي في سوريا بتصريحات للدبلوماسي والمدير العامّ السابق لشؤون الشرق الأوسط في الخارجية الإيرانية، جاويد قربان أوغلي، حيث قال: “السياسة الروسية براغماتية مطلقة تبحث عن مصالحها وقد تنقلب على حلفائها في طهران ودمشق”، وذلك كان مؤشرًا واضحًا على أن هذا الحلف لن يكون متماسكًا صلبًا حتى النهاية وأن المصالح متباينة بين الأطراف.

إيران أكدت في أكثر من مناسبة أن روسيا تركز على مصالحها أكثر من فكرة بقاء الأسد، على عكس الإيرانيين، وإن لم تفصح إيران ماذا قصدته بعبارة “مصالح الروس” إلا أن أحد أهم ملفات التنافس بين البلدين يتمثل في تصدير الغاز الطبيعي لأوروبا، حيث يبلغ احتياطي الغاز الطبيعي في روسيا 49 مليار متر مكعب، وتأتي في المرتبة الأولى عالميًّا على قائمة الدول المصدرة، ويصل الاحتياطي الإيراني إلى 27 مليار متر مكعب وتأتي رابعةً عالميًّا في تصدير الغاز، وتعتبر سوريا والغاز المكتشف في حوض البحر المتوسط من أبرز محطات التنافس بين هذه الدول على الرغم من علاقة التحالف والتنسيق التي تجمعها خاصة في ميادين المناكفة مع الغرب، فقد أبرمت إيران اتفاقيات مع نظام الأسد لتمرير الغاز من أراضيها إلى سوريا عبر العراق ثم إلى أوروبا كنوع من الالتفاف على الحصار المفروض عليها، في حين أن روسيا سارعت في بناء قاعدة جوية وبحرية في اللاذقية بالقرب من سواحل المتوسط وأبرمت عدة اتفاقيات مع النظام السوري للتنقيب عن الثروات، ولا ننسى أن التدخل الروسي جاء بُعيد إعلان الولايات المتحدة للاتفاق النووي مع إيران، الأمر الذي سيفتح لإيران المجال للمنافسة على سوق التصدير واستقطاب المشاريع الغربية بشكل قانوني.

وعلى صعيد آخر فقد افتتحت روسيا حملتها في سوريا بزيارات مكوكية لكل من الأردن وإسرائيل ودول الخليج، وقطعت التزامات لتلك الدول بالحد من النفوذ الإيراني الذي يقلقها، والحفاظ على مؤسسات الدولة مع ترك مؤشرات روسية بأنها لا تمانع في نقاش الانتقال السياسي، الأمر الذي دفع إيران لإطلاق المزيد من التصريحات حول اختلاف رؤيتها مع الروس في سوريا.

وبالنظر إلى استراتيجية البلدين في سوريا فنجد أن إيران اعتمدت على مليشيات تعمل بشكل منفرد وبعيد عن قيادة قوات النظام، ولعب لواء أبو الفضل العباس، ولواء فاطميون وحركة النجباء العراقية وحزب الله اللبناني والحرس الثوري الإيراني وقوات الباسيج دورًا قويًّا كأدوات إيرانية، وانتشروا على مساحات واسعة من ريف درعا وريف دمشق وحلب، إلا أن الروس اتبعوا استراتيجية تشكيل ألوية ووحدات تحت قيادة قوات النظام في مسعى للحد من عمل المليشيات الإيرانية، ولعل أبرز الوحدات التي دعمها الطيران الروسي خلال عملياتها “صقور الصحراء، قوات النمر بقيادة سهيل الحسن، لواء القدس”، وتشير التصريحات الرسمية إلى أن الجيش الشيشاني سيرسل كتائب برية إلى سورية ويقدر عددها بـ 5000 مقاتل مما يعني أن الروس يفكرون فعلًا في الحدّ من سطوة المليشيات المدعومة إيرانيًّا.

إيران في أكثر من مناسبة حرصت على تذكير الدول والنظام  أنها الممسك بالأرض وأبرز هذه المناسبات تصريحات مساعد وزير الخارجية الإيراني لشؤون إفريقيا والشرق الأوسط حسین أمیر عبداللهیان والتي قال فيها: “الجيش السوري منهك بعد سنوات من الحرب، وإن الهدنة فرصة له لكي يعمل على إعادة هيكلته”.

 

مؤشرات زيادة التناقض الروسي – الإيراني

أعلنت وزارة الدفاع الروسية بالتزامن مع محاولة جيش الفتح التقدم وفك الحصار للمرة الثانية عن أحياء حلب الشرقية المحاصرة أنها أوقفت بأمر من الرئيس الروسي فلادمير بوتين الغارات الجوية على محافظة حلب، في حين أشارت معلومات متطابقة من غرفة عمليات فتح حلب أن طائرات سوخوي من طراز 24 و 22 وطائرات ميغ 25 والطيران المروحي وطائرات استطلاع إيرانية هي من أمنت الغطاء الجوي للمليشيات الإيرانية أثناء صد الهجوم على مشروع 3000 واستعادة مشروع 1070 وضاحية الأسد غرب حلب، ولقد وصلت الأمور ذروتها حينما أعلن مراسل قناة الميادين اللبنانية المقربة من إيران “رضا باشا” أن المليشيات المدعومة روسيًّا “صقور الصحراء وقوات النمر” بقيت في الخطوط الخلفية ولم تشارك في استعادة المواقع غربي حلب، وانشغلت بنهب وسلب الممتلكات في أحياء 3000 شقة وحلب الجديدة والحمدانية.

وفي تطوُّر مفاجئ شهدت مواقع حزب الله اللبناني في بلدة نبل بريف حلب الشمالي وقاعدة الحرس الثوري الإيراني في جبل عزان بريف حلب الجنوبي عددًا من الغارات الجوية الروسية قالت وسائل إعلامية موالية لنظام الأسد: إنها تمت بشكل خاطئ.

هذه الغارات جاءت بعد أيام قليلة فقط من تعرض القوات التركية التي وصلت طلائعها إلى محيط مدينة الباب بريف حلب في إطار عملية درع الفرات لقصف جوي قُتل خلاله 3 جنود أتراك، إلا أن روسيا نفت وبشكل فوري علمها بتلك الهجمات مما يدل على حرص كبير على عدم إفساد تقاربها الحديث العهد مع تركيا ومحاولة ترجمة هذا التقارب إلى عمل مشترك في سوريا، الأمر الذي -على ما يبدو- أقلق الإيرانيين وسعوا إلى تخريبه بحسب ما ذهب إليه عدد كبير من المحللين الأتراك.

أعلنت صحيفة “حرييت التركية” قبل عدة أيام أنها حصلت على تصريحات من مسؤول بارز في الجيش التركي – لم تسمه – أن الطائرة التي نفذت الهجمات على الجيش التركي طائرة إيرانية بدون طيار، بعد أيام قليلة من تصريحات لقائد القوات التركية الخاصة السابق أكد فيها أن ضباطًا إيرانيين أشرفوا على تلك الهجمات .

وفي وقت زاد فيه التقارب الروسي – التركي من جهة، ارتفع فيه حدة التباعد الروسي – الإيراني، حيث أصر الإيرانيون على المضي قدمًا في اقتحام أحياء حلب الشرقية ضاربين بعرض الحائط المفاوضات الجارية في أنقرة بين روسيا وفصائل المقاومة السورية برعاية تركية حيث تشير مصادر مطلعة إلى أن تركيا قبلت بطرح إخراج جبهة فتح الشام من حلب وهو طرح روسي مقابل وقف إطلاق النار وإدخال المساعدات إلا أن إيران حسمت أمرها بالمضي في الحل العسكري، ليعبر فيما بعد الموقف الإيراني الرافض للسماح للمُحاصَرين بالخروج من حلب على الرغم من توقيع روسيا على الاتفاقية، ليعلن الروس فيما بعد أنهم غير قادرين على حماية المدنيين وسط إصرار إيراني على إقحام ملف الفوعة وكفريا والضغط لإخراج 4000 شخص مصاب ومريض من أهالي تلك البلدتين الشيعيتين مقابل السماح للمحاصرين بالخروج من حلب.

أما في تدمر فقد رجحت مصادر استخباراتية تركية أن الانهيار السريع لقوات الأسد أمام تقدم تنظيم الدولة في المدينة يعبر عن رغبة مشتركة إيرانية في حرمان روسيا من قاعدتها العسكرية في تدمر حيث أُجبر المستشارون الروس على إخلاء قاعدة تدمر بالتزامن مع تقدم التنظيم، ورغبة النظام السوري في حصول تنظيم الدولة على سلاح نوعي يستطيع من خلاله مقاومة عملية درع الفرات التي باتت على مشارف مدينة الباب الاستراتيجية وبوابة الشرق السوري، باعتبار أن روسيا لا ترغب بتقديم غطاء ناري للنظام من أجل إتمام تقدمه للمدينة التي يبعد عنها 8 كم فقط بسبب التفاهمات الروسية التركية.

وأكدت الاستخبارات التركية أن النظام السوري تعمد ترك مضادات طيران ودروع لتنظيم الدولة بعد انسحابه من تدمر على عكس ما يفعله عندما يضطر للانسحاب من مواقعه أمام فصائل المقاومة السورية حيث يخلي مستودعاته قبل فترة أو يدمرها.

الرواية التركية أيدها الجنرال  الأمريكي ستيفن تاونسند أحد المتحدثين باسم وزارة الدفاع الأمريكية (بنتاغون) حيث أكد أن الأسلحة التي وقعت بيد تنظيم الدولة تشمل مدرعات وأسلحة دفاع جوي.

خلاصة

إن الحديث عن التناقض بين روسيا وإيران في سوريا وتصاعد خلافاتهما لا يعني بطبيعة الحال أن الصراع بلغ ذروته، وأن أيًّا من البلدين مستعد أن يصل إلى القطيعة مع الطرف الآخر خاصة في ظل حاجة الروس للعنصر البشري الذي توفره إيران وحاجة الإيرانيين للغطاء السياسي والجوي الذي توفره روسيا للنظام السوري لمنع سقوطه، وكان آخِره الفيتو المشترك مع الصين في مجلس الأمن لصالح النظام، إلا أن هذا التناقض وظهور عدم قدرة روسيا على فرض سيطرتها على الأرض سينزع منها كارتًا قويًّا جدًّا استخدمته أمام المجتمع الدولي والدول الإقليمية بما فيها الحليفة للثورة السورية، وهو اللعب على وتر الحفاظ على مؤسسات الدولة من الفوضى وكف يد المليشيات الإيرانية، فبقدر ما تظهر إيران تمردها سيقل حماس الدول الإقليمية والحديث هنا عن دول الخليج وتركيا تحديدًا للاعتماد على الموقف الروسي في الحد من النفوذ الإيراني مما يعني أن تلك الدول لن تجد أمامها خيارًا آخر سوى الاعتماد على فصائل الثورة السورية لمواجهة المد الفارسي، خاصة في ظل موقف أمريكي متراخٍ جدًّا تجاه هذا النفوذ المتنامي، مما دفع الحلفاء التقليديين لواشنطن للبحث عن بدائل أخرى اعتمدت بشكل أساسي على التنسيق الميداني مع الروس.