اغتيال حلب يقرع طبول الحرب على العرب
16 ديسمبر، 2016
جيرون
“الأسد أو نحرق البلد” هي المعادلة التي يجري تطبيقها الآن في حلب، ويُنفذها الروس والإيرانيون، فالهُدن أو الحل السياسي، أو بيانات جنيف أو القرار الأخير للجمعية العامة للأمم المتحدة، هي مجرد مسلسل من النفاق والخداع شارك فيه بوتين، و”الخمينية الفارسية” برضا أميركي.
كانت حلب، بشرقها وريفها، مركز توازنٍ للثورة السورية، لكن رغبة بوتين وعلي خامنئي في كسر إرادة الشعب السوري، دفعتهما لتدمير المدينة فوق رؤوس سُكّان أحيائها الشرقية، وترافق التدمير مع تواطئ دولي وإقليمي، لم يحدث أن تعرّضت له ثورة في التاريخ.
الديكتاتور الصغير، بشار الأسد، هيأ لهذا التآمر انتقامًا من الشعب الذي ثار على استبداده، وقدّم البلاد بشعبها وتاريخها وحضارتها وإمكانياتها لروسيا وإيران، وجعلَ من البلاد ساحةً رخيصة لقتال من يصفهم بـ”المتشددين الإسلاميين” الذين تدفقوا إلى سورية تحت سمع وبصر الدول الغربية وروسيا.
دأبت الإدارة الأميركية، وعبر مبعوثها مايكل راتني، على وضع عراقيل تمنع قوات المعارضة السورية، من السيطرة على كامل مدينة حلب، وعلى هذه الثوابت بنى الأميركيون رفضهم تقديم السلاح النوعي لفصائل المعارضة، وعليها ايضًا منعوا السعودية وقطر من القيام بذلك، وتصاعد بعدها الضغط على قوات المعارضة للنأي بنفسها عن “الإرهابيين”، ودخلت تركيا إلى قائمة الدول المُطالبة بالفرز، مقابل السماح لها استكمال المنطقة الآمنة، التي ترسم حدودها عبر عملية “درع الفرات” في الشمال السوري.
كل ذلك ترافق مع تصعيد القصف الروسي على أحياء حلب المحاصرة، ما وفّر لميليشيا إيران إمكانية التقدم في بعض أحيائها.
لعبة تآمر دولي قادت إلى “اغتيال حلب”، وكانت صفقة الكيماوي أبرز عناوينها، تبعها دخول “داعش” لتعقيد المشهد، وأخيرًا الإطباق على حلب، بقرار وسلاح روسيين، بعد عدة سنوات من فشل النظام وإيران التقدم فيها ولو لبضعة أمتار.
يُظهر قرار الإطباق على حلب، الذي جاء بعد اتصال بين بوتين والرئيس الأميركي الجديد دونالد ترمب، مدى ترابط المصالح بين الجانبين في إطار رؤية الولايات المتحدة الاستراتيجية للمنطقة، وقد بلور وزيرا خارجية البلدين، سيرغي لافروف وجون كيري عناوينها العملية باتفاق أعطى روسيا وصاية كاملة على سورية، تحت الرعاية الأميركية، ولأجل تنفيذ الاتفاق حشدت روسيا ترسانة عسكرية ضخمة في سورية.
اغتيال حلب، هو النموذج المفترض، لما ستؤول عليه حال كل الدول العربية، فقد بدأ بشار الأسد ومعه علي خامنئي وفلاديمير بوتين، بالترويج والتسويق لهزيمة العرب، وما مشهد الميليشيات الإيرانية في حلب، والشعارات الطائفية التي رددتها بعد دخولها الأحياء المحاصرة، والتشفي وقتل السوريين من أهل السنّة، إلا تجليات لرغبة الهيمنة تلك.
قد تبدو هذه الصورة قاتمةً في اللحظة الراهنة بالنسبة للسوريين، لكن الأكثر قتامةً، هو مكابرة الحكام العرب على أن تداعيات حلب لن تصلهم، في الوقت الذي تسارع فيه روسيا وإيران والغرب عمومًا لتحقيق مصالحها الاستراتيجية في الدول العربية من خلال تفتيتها، بعد أن في تنحية واستيعاب أكبر الداعمين الإقليميين، تركيا، عبر حزمة تفاهمات اقتصادية وسياسية مع روسيا وإيران.
الحرب المقبلة للرئيس الأميركي الجديد، دونالد ترمب، ستكون ضد الإسلام، أي العرب بحسب تحليل صحيفة “الواشنطن بوست” التي ترى أن: “ترمب سيتبنى نهجًا قوامه الصراع الحضاري، وغايته عزل وإخضاع الشرق الأوسط وعقيدته التي يدين بها، وسيُدخل الغرب في المرحلة الثالثة بعد مرحلتي بوش وأوباما، وهي المرحلة الأشد حلكة من مراحل سعيه المستمر منذ 15 عامًا لإبطال مفعول خطر ما يسميه التطرف الإسلامي، وهذا طبيعي في سياق السياسة الأميركية، المستمرة في النهج نفسه وإن اختلف التكتيك منذ أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر عام.
التطورات على الساحة السورية، ودور إيران الذي تدحرج ككرة ثلج فيها تؤكد هذه الرؤية، وخصوصًا بعد الاتفاق النووي، فهي بنظر الغرب النقيض العقائدي للإسلام “الراديكالي”.
لا تخشى إسرائيل من إيران، فهذه الاخيرة تحصر تدخلاتها ضد العرب فقط، وبضمانة روسيا وواشنطن التي لا ترى في “حزب الله” عدوًا، بل في الإسلام الراديكالي، وهو ما عبّر عنه وزير الخارجية جون كيري، في التسريبات الشهيرة.
يُضحّي السوريون، وهم خط الدفاع الأول عن العروبة، بالغالي والنفيس من أجل كرامتهم وحريتهم، والثورة السورية هي الوحيدة، من بين الثورات العربية، التي لم تسقط البعد العروبي عنها، بعد أن انكفئت مصر السيسي ونأت تونس عن التوجه العربي في عهدها الجديد.
يعرف السوريون كيف يتقبلون الخسارة في حلب ويدركون معانيها، لكن على العرب أن يتوقعوا هزيمتهم، في حال لم يقفوا وبقوة، إلى جانب الشعب السوري وثورته.
يمكن للدول العربية، رسميًا، قطع العلاقات الدبلوماسية مع روسيا وإيران وعدم مهادنة الولايات المتحدة. وشعبيًا من خلال مظاهرات استنكار عدوان هاتين الدولتين المجرمتين، ودعم صمود الأهالي بكل الإمكانيات المتاحة، فحلب باتت عاصمة العرب.
[sociallocker] [/sociallocker]