حلب… تحوّلٌ في الثورة أم نهايتها؟
17 ديسمبر، 2016
محمد العويد
ما حدث في حلب أكبر مما يُقال، وربما يحتاج بعض الزمن لتُكشف فصوله وأوراقه، وحتى ذلك الحين، تركتنا العاصفة القائمة في مهب الريح، لا نعرف وجهتنا، وقد أصابنا الذهول والفجيعة من هول المصاب.
حسنًا، ماذا بعد حلب، وقد طمرنا رؤوسنا بالرمال، وبدت خياراتنا بين قبول موت الحلبيين، بنيران الروسي والإيراني، أو قبول التهجير، بما حمله من آلام وأوجاع، وموت كثيرين وهم في رحلة التهجير.
سياسيًا؛ يُمكن الحديث عما عُدّ -قبل حلب- بقايا “الضمير الدولي”، بحسبان ما قبلها أقل وحشية، فكشف الهشاشة، وربما التواطؤ، وغابت الادعاءات بالمحاسبة على الجرائم ضد الإنسانية، وعرّت خمول الرأي العام العربي والعالمي، على حد سواء، ولم يعد يحق لأحد التظاهر بالتمسك بأدنى متطلبات القواعد الإنسانية، وقد تكون ضمنيًا كشفت استساغة تمهيدية لقبول إجرام دولي عابر للقارات، كما نقلته صور حلب.
تمهيديًا، تسير الخطا -بعد حلب- نحو بلورة غير معلنة لقوى بعيدة عن المحاسبة، وقبول توحشها، وربما مكافأتها، بحسب ما ورد من بعض التسريبات، التي تناولت إعادة الإعمار وتقاسم الحصص، وقد تترجم قريبًا في مشروعات تحمل توافقات نهائية على مسار الثورة السورية، وبعضُ الوقت قد يُخرج الصورة النهائية باقتراب تولي ترامب مقاليد الرئاسة الأميركية، وجولات التفاوض مع بوتين.
في سياق المشهد السوري – السوري، كشفت حلب، أن لا صوت سوري موحد ومؤثر في السياقات الكبرى، أمام كل هذا التوحش على حلب، ليلًا نهارًا، موتًا وحرقًا وقتلًا وتدميرًا، وُضعنا على مصير محفوف بالمخاطر الجسيمة، يبدأ من العناوين الفردية للسوريين وشتاتهم، وعدم قدرتهم على أن يُمثلوا صوتًا واحدًا في أهم المنعطفات السياسية الجارية، على ساحة وطنهم الأم، وصولًا إلى الاعتراف، وإن بدا متأخرًا، بأن لا طاقة لنا على مواجهة مغول العصر، بأدوات مواجهة لا “تثمر ولا تسمن من جوع”، وبهياكل سياسية تحتاج لمراجعة نقدية، وتحميلها مسؤولية كثير من المنعطفات السابقة، وصولًا إلى حلب وما بعدها، قراءة وتفحصًا ومراجعة، فالرحمة بسورية والسوريين، ألا نقتلهم على مدار الساعة، بقناعات ثابتة في ما العالم مُتبدل، ومُتغير ومتحالف، ولا ثوابت له حتى مع الدماء، وحلب ليست الأخيرة.
طرحت محرقة حلب وأوجاعها أملًا جديدًا عند السوريين، واستثمروا المتاح بين أيديهم من وسائل تواصل اجتماعي، وتقاسم رواد هذه المواقع، صورًا وفيديوهات عديدة، واستخدم ملايين المغردين وسم “حلب تباد”.
فيما وجدت أيضا دعوات لتغيير “قواعد الاشتباك”، وصولًا إلى حركة تحرير شعبية، طريقها ومشجعوها، مرورًا بدعوات لمحاسبة المعارضة السياسية.
لكن الاتجاه الأقوى حضورًا بدا بحضور الاعتصامات والتظاهرات في الدول الإقليمية، وعواصم اللجوء، ويمكن أن نلحظ تجمعات تتكرر حتى على مدار اليوم الواحد، وإن بدا أن ثمة رؤى متشائمة لا تجد في كل هذا الحراك أملًا بالخروج من التدهور.
يشير الصحافي محمد الحمادي من باريس، إلى أننا “تظاهرنا لسنوات، وكان الرأي العام الغربي في بداية تشكيل قوة ضاغطة على قرارات حكوماته، نجحنا حينئذ مع صور الشارع السلمي والقتل الأعمى من النظام. اليوم مشهد القتل تضاعف، لكن حلفاء النظام وقوى التطرف خرّبت كل ما سبق انجازه، وعلى الرغم من ذلك، سيستمر التظاهر، بوصفه صوتًا للسوريين والمتعاطفين مع قضيتهم من الشارع الغربي، هذا ما يُمكننا فعله”.
المشهد حلبيًا، سيترك تأثيره على مقبل الأيام، سواء لجهة تحولاته المتسارعة، أم تغيراته المفاجئة للسوريين، ولا سيما أن الأسد يمضي في قتله السوريين مجددًا، ولكن هذه المرة بالرقص فرحًا لانتصاراته المزعومة، وبالصور الواردة من المخيمات الجديدة وأوجاعها، وروايات من حوصروا وقُتل ذووهم. وهو أيضًا، ما سيسهم في إشعال الثورة مُجددًا، أو نكوصها وتراجعها
[sociallocker] [/sociallocker]