ما العوامل التي أدت لتراجع الولادات في سوريا حتى النصف؟

22 ديسمبر، 2016

 

“كل 1000 امرأة متزوجة في سن الإخصاب في سوريا تنجب 23 طفلاً فقط” هذا ما كشفه إحصاء “يتيم” للبنك الدولي في نهاية عام 2014 حول تراجع معدلات الإنجاب في سوريا. وتشير الإحصائية إلى أن سوريا تشهد تراجعاً مضطرداً لعدد الولادات الجديدة نسبةً لعدد الأمهات.

وتضاءلت نسبة الولادات في سوريا بشكلٍ ملحوظ بعد أن كانت من الدول كثيرة الإنجاب، وذلك نتيجة مجموعة أسباب تتعلق بالظروف التي مرت بها البلاد خلال السنوات الماضية.

 

 

تراجع بنسبة 60%

الإحصائية التي خرج بها البنك الدولي جاء ما يؤكدها بعد أن نقلت صحيفة “الوطن” المقربة من نظام الأسد عن عميد كلية الطب البشري في دمشق صلاح الشيخة قوله: “إن نسبة الولادات تراجعت بنسبة 60% عما كانت عليه” لافتاً إلى أنها انخفضت إلى حوالي 200 ألف مولود سنوياً، مقارنة بنصف مليون مولود قبل نحو خمسة سنوات.

وتشكل ظروف الحمل والولادة  السيئة في المخيمات والمناطق المحاصرة، عاملاً إضافياً في تراجع الكثير من النساء عن فكرة الإنجاب، إذ بات موعد الولادة كابوساً يؤرق الكثيرات اللواتي بتن يفضلن الولادات القيصرية في المشافي على الولادات الطبيعية خوفاً من موعد الولادة المباغت والذي قد يتزامن مع أوقات القصف.

بلا عرسان

يعتبر إقلاع عدد كبير من الشباب عن فكرة الزواج أحد أهم الأسباب التي تؤدي لنقص عدد الولادات، في ظل التكاليف المادية الكبيرة، إضافة للخوف على مستقبل العائلة. فالشاب “علاء” وصل إلى سن 33 عاماً ولم يتزوج حتى الآن، رافضاً الفكرة من أساسها.

يقول علاء، وهو من سكّان العاصمة دمشق لـ”صدى الشام”: “لم أجد أي دافع يشدني إلى فكرة الزواج، فالعملية قد تكلّفني ما لا يقل عن مليون ليرة لتأمين متطلباتها الأساسية، وأنا لا أستطيع ضمان تلبية احتياجات أسرتي من الناحية الاقتصادية لاحقاً” مشيراً إلى أن انخفاض قيمة الليرة من جهة وغلاء الأسعار من جهة أخرى تجعل مجرد التفكير بالزواج أمراً صعباً للغاية. وأردف علاء: “أخاف على مصير الأسرة في هذه الظروف فلا يوجد استقرار نفسي أو أمني أو مادي في سوريا يدفع للزواج.

مخاوف اقتصادية

بالنسبة للشباب الذين أقدموا على هذه الزواج فقد ظهر تراجعهم بشكلٍ واضح عن فكرة إنجاب الأطفال، والسبب الأبرز يتمثّل في التكلفة المادية الكبيرة التي يحمّلها رب الأسرة مع استقبال المولود الجديد، إضافة إلى التكاليف اللاحقة.

وكانت “صدى الشام قد نشرت تقريراً مطولاً خلص إلى أن التكاليف الأولية للمولود لا تقل عن 250 ألف ليرة، وهو رقم يعادل راتب الموظف العادي في سوريا لمدة عشرة أشهر.

تزوجت “أمل” في أواخر عام 2015، أي قبل نحو عام، لكنها اتفقت وزوجها على تأجيل الإنجاب خلال هذه الفترة.

 

 تقول الشابة العشرينية لـ “صدى الشام”: “وقع على كاهل زوجي حوالي مليون ونصف المليون ليرة نتيجة تكاليف الزواج، وهو يعمل حالياً لساعاتٍ إضافية لمحاولة إيفائها دون جدوى، بسبب الغلاء الكبير في تكاليف المعيشة.

زوج أمل لديه شهادة جامعية في الهندسة المكيانيكية أهّلته للعمل كموظف في إحدى المؤسسات الرسمية بريف دمشق، غير أنه يمتلك بقالية صغيرة في كراجات العباسيين يعمل فيها بعد وظيفته.

 

 الحرب والحصار

بعد خروج أهالي داريا من الحصار، والانتقال إلى محافظة إدلب شمالي سوريا، سُجّلت حوالي 30 حالة زواج فيما بينهم بعد فترة قصيرة من الخروج من الحصار، وفق ما ذكرت تقارير صحافية.

ويُعتبر عامل الحصار وما يخلّفه من ضيقٍ في العيش واحداً من الأسباب التي تؤثر على فكرة الإنجاب.

وكان الوكيل العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ستيفن أوبراين كشف في أواخر شهر تشرين الثاني الماضي، أن عدد المحاصرين في كل أنحاء سوريا وصل إلى مليون شخص في مناطق مختلفة من سوريا.

 

اللجوء والنزوح

بعد ست سنوات من المواجهات في سوريا، وتدمير آلة نظام الأسد العسكرية مدناً بأكملها، وجد الكثير من السوريين أن الهجرة هي الحل الوحيد، وبحسب آخر إحصاءات صدرت عن “المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين” فإن أكثر من 11 مليون سوري اجتازوا الحدود السورية لاجئين، أو غادروا أماكن تواجدهم الأصلية إلى مناطق أخرى داخل سوريا كنازحين، حيث أدى النزوح بدوره إلى غياب حالة الاستقرار في السكن والمعيشة، إضافةً إلى الأوضاع الاقتصادية السيئة، وبالتالي أصبحت الولادات الجديدة خارج سوريا.

“عبدالله فياض” رفض بشكلٍ قاطع فكرة إنجاب طفلٍ وهو يعيش في مركز إقامة مؤقّت تم إعداده بريف دمشق منذ سنوات.

يقول فياض لـ “صدى الشام”: “عندما أشاهد الأطفال الذين أنجبهم أقراني النازحون من مناطق أخرى وطريقة عيشهم أتراجع مباشرةً عن فكرة الإنجاب “، معتبراً أن الظروف التي يعيشها النازحون غير مواتية إطلاقاً لذلك.

بلا وثائق

في أواخر شهر تشرين الثاني الماضي، قالت ساندي مارون المتحدثة باسم “جمعية إنقاذ الطفل” إن ما أسمته الأزمة السورية “تهدّد جيلاً بأكمله إن لم توجد حلول سريعة وفعّالة” لافتةً إلى أن لبنان يضمّ على 600 ألف طفل، و70% من الأطفال المولودين في لبنان لا يمتلكون سجلّات ولادة، أي أنهم لا يملكون أي شهادة إثبات أو وثيقة تعريف.

ويكاد ينطبق الأمر على معظم الأطفال الذين ولدوا في دول الجوار ولا سيما تركيا والأردن إضافةً إلى لبنان.

غير أن الأمر لم يكن أفضل حالاً بالنسبة للنازحين أو السكان الذين يعيشون في مناطق خرجت عن سيطرة نظام الأسد، حيث يعاني هؤلاء من المشكلة ذاتها بسبب صعوبة التوجه إلى مناطق النظام لتسجيل الطفل، ومن جهة أخرى فإن مؤسسات المعارضة فشلت حتى هذه اللحظة بإيجاد مؤسسة أو آلية متكاملة لتسجيل الأطفال المولودين حديثاً أو تأمين وثائق معترفة بها لهم، وهو ما يؤدي إلى تخوّف عدد كبير من الأهالي في هذه المناطق من إنجاب الكثير من الأطفال، أو إلغاء الفكرة من أساسها على أقل تقدير.

 

[sociallocker] صدى الشام
[/sociallocker]