انخفاض الأسعار العالمية للنفط فرصة لإصلاح اقتصادي في الجزائر

3 يناير، 2017

عصف انهيار أسعار النفط والغاز الطبيعي في العالم بالاقتصاد الجزائري، فيما تشهد الأوضاع الأمنية في شمال أفريقيا حالاً من التدهور، ما أثار المخاوف في شأن قدرة الجزائر العضو في منظمة «أوبك» على الصمود في وجه الصدمات الاقتصادية والسياسية والأمنية الناتجة من ذلك، وبدأت المقارنات بين الوضع الراهن والأحداث الكارثية التي مرّت بها البلاد خلال فترة انهيار أسعار النفط (1986 – 1988) وما تلاها.

ووفق بحث أصدرته جامعة كولومبيا في نيويورك، «يؤدي أمن الجزائر ومستقبلها في مجال الطاقة دوراً حاسماً بحكم موقعها الاستراتيجي في غرب البحر المتوسط، وكونها ثاني بلدين في شمال أفريقيا حافظا على استقرارهما خلال «الربيع العربي» والسنوات التي تلته (إلى جانب المغرب). وتُعدّ الجزائر أكبر منتج للغاز الطبيعي في أفريقيا وأحد أهم مصدّري الغاز الطبيعي المسيل وثاني أكبر مصدّري الغاز الطبيعي إلى أوروبا وموّرداً رئيسياً للنفط إلى دول البحر المتوسط المجاورة».

وأضاف البحث الذي أعده غونزالو إسكريبانو، مدير برنامج الطاقة في المعهد الملكي الإسباني (إلكانو) وأستاذ الاقتصاد التطبيقي في الجامعة الإسبانية المفتوحة (يونيد) أن «ثمة أوجه تشابه واضحة واختلافات رئيسية بين ما تمرّ به الجزائر اليوم وسلسلة الأحداث التي أدت بها إلى حرب أهلية دموية خلال التسعينات. ففي المجمل، وعلى رغم أن بعض المؤشرات الاقتصادية انزلقت إلى مستويات مقلقة، تُعتبَر الجزائر أكثر جاهزية اليوم لمواجهة تراجع السوق، مما كانت عليه قبل 30 سنة».

وزاد البحث، وهو من إصدار مركز سياسات الطاقة العالمية التابع لمدرسة الشؤون الدولية والعامة في جامعة كولومبيا بنيويورك: «بناءً على طول فترة انخفاض أسعار النفط التي نعيشها حالياً، فإنّ من شأن الاختلافات المذكورة التخفيف من أخطار تكرار صدمة منتصف الثمانينات النفطية التي أغرقت البلاد في أزمة اقتصادية وتسببت في دوامة من الثورات، وانتصارات انتخابية للأحزاب الإسلامية، ما انتهى إلى حدوث انقلاب عسكري، وممارسات قمعية وحرب أهلية. ففي حين أن أرصدة الحسابات المالية والجارية للجزائر نقصت بوضوح، إلا أن احتياط العملات الأجنبية لا يزال كبيراً وإن كانت وتيرة انخفاضه سريعة، فيما الديون الخارجية لا تكاد تذكر. وهذا نقيض ما كانت عليه الأحوال أواخر الثمانينات، حين عانت البلاد من احتياط منعدم للعملات الأجنبية وديون خارجية ثقيلة، وهما عاملان رئيسيان أجبرا الحكومة على اعتماد نهج العلاج بالصدمة لتحقيق الاستقرار».

ووفق البحث، وهو من ترجمة المعهد العالي العربي للترجمة، الهيئة التعليمية والعلمية التابعة للأمانة العامة لجامعة الدول العربية التي تتخذ من الجزائر مقراً، «واصل الاقتصاد الجزائري نموّه في بيئة انخفاض أسعار النفط الحالية على رغم تراجع عائدات النفط والغاز، ما مكّنه من تجنب ركود اقتصادي شبيه بذلك الذي شهده في فترة 1986 – 1988، وأفسح للبلاد مجالاً أوسع في المدى القصير للتحكم بوتيرة تدابير التقشف والإصلاح وعمقها. وقد تساهم ذكريات الحرب الأهلية الدموية، ونتائج الثورات العربية عام 2011، والتدهور العام للأمن الإقليمي في تخفيف حدة ردود فعل الشعب الجزائري تجاه إجراءات التقشف. والأهم من ذلك، أن تدريب قوات الأمن وتجهيزاتها هي أحسن مما كانت عليه في الماضي كما هي حال شبكة استخباراتها، وأن الاقتطاعات لم تمس موازنتي الدفاع والأمن.

ويمضي البحث ليدرس إلى أي مدى يمكن انخفاض أسعار النفط أن يحفز على تخصيب بيئة للإصلاحات الاقتصادية والسياسية، والمنافع التي قد تعود على المجتمع الدولي، وتحديداً أوروبا، إن أحسِن استغلال هذه اللحظة للضغط من أجل سياسات طاقوية جديدة. ويمثل التصديق على موازنة تقشفية وإصلاحية إلى حد ما، في محاولة لمواجهة تراجع عائدات النفط والغاز، إشارة إلى أن الصعوبات الاقتصادية الحالية – الآن على الأقل – غيرت ميزان القوى في الجزائر لمصلحة الإصلاحيين على حساب المحافظين. ويبدو مع ذلك، أن من المرجح أن تكون الإصلاحات الاقتصادية والسياسية التي يمكن تحقيقها محدودة، حتى التوصل إلى توافق في الآراء في شأن خليفة الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة.

وأوصت الورقة البحثية الاتحاد الأوروبي بالبحث في سبل للتعامل مع الجزائر، «ليس فقط لتعزيز أمن الطاقة المتبادل بينهما، بل لمنع مزيد من الاضطرابات في المنطقة». وتشكل الطاقة الدافع الوحيد المتاح أمام الاتحاد الأوروبي «لحفز الإصلاحات الاقتصادية الجزائرية التي من شأنها زيادة ازدهار البلاد وتعزيز الاستقرار فيها. وقد يؤدي التوازن إلى رفع حصة الجزائر في سوق الغاز بالاتحاد الأوروبي في مقابل تحسين إدارة سياسة الطاقة في البلاد». وخلصت إلى أن انخفاض أسعار النفط «فتح شهية الجزائر لإصلاح قطاعي، بما في ذلك قطاع الطاقة، كما قد يكون احتمال منافسة الولايات المتحدة بصادراتها من الغاز الطبيعي المسال محركاً إضافياً للتغيير».

[sociallocker] صدى الشام
[/sociallocker]