إتفاق وقف النار يترنح .. وألغام في طريق الأستانة
4 يناير، 2017
طوى العام 2016 أيامه بتوقيع إتفاق لوقف إطلاق النار- برعاية روسية تركية مشتركة- يشمل كل أنحاء سوريا على أن تتبعه مفاوضات سياسية في أستانة عاصمة كازخستان يرسي لحل شامل في البلاد.
ومنذ الساعات الأولى لبدء سريانه، بدا الاتفاق هشاً ومعرضاً للانهيار بسبب الخروقات الكثيرة له من جانب قوات النظام والميليشيات المتحالفة معها، ومن جانب الطائرات الروسية نفسها، وسط تأكيدات من جانب فصائل المعارضة الموقِعة للاتفاق بأنه يشمل جميع المناطق وجميع الفصائل بلا استثناء، بينما يدعي حلف النظام أنه لا يشمل جبهة فتح الشام، ما يبرر لهم مواصلة قصف واقتحام مناطق عدة بحجة محاربة التنظيمات المتطرفة، بينما يسعى في الحقيقة إلى استكمال مخططات التهجير في ريف دمشق، وتوسيع سيطرته في مناطق الجنوب السوري .
ورغم أن خروقات وقف إطلاق النار شملت جميع المناطق من ريف حلب إلى إدلب وحماة وحمص وريف دمشق وصولاً الى درعا والقنيطرة، والتي بلغت أكثر من خمسين خرقاً حتى نهاية اليوم الثالث من بدء سريان الاتفاق، إلا أن قوات النظام ركزت جهدها في منطقة وادي بردى بريف دمشق حيث واصلت حملتها البرية والجوية هناك بالتعاون مع ميليشيا حزب الله بغية السيطرة على قرى الوادي، وخاصة قرية عين الفيجة التي تضم نبع عين الفيجة وقرية بسيمة المجاورة لها والتي تريد قوات النظام السيطرة عليها لتسهيل وصولها الى قرية عين الفيجة.
وقد أصدرت الفصائل المقاتلة بمنطقة وادي بردى في ريف دمشق الغربي بياناً أكدت فيه أن قوات النظام وميليشيا حزب الله اللبناني تشن حملة عسكرية عنيفة لليوم 11 على التوالي في محاولة للسيطرة على نبع الفيجة الشريان الوحيد لـ6 ملايين سوري في دمشق وريفها، بينما تلتزم الفصائل باتفاق وقف النار حرصاً على حياة 100 ألف مدني محاصر في المنطقة .
وطالبت الفصائل الدول الراعية للاتفاق بالضغط على النظام والميليشيات لوقف خروقاتهم للاتفاق، والتدخل لإدخال ورشات صيانة مؤسسة مياه عين الفيجة مع ضمانة سلامتها من قبل الفصائل الموجودة ضمن المنطقة.
وكان القصف من جانب طائرات النظام على المنطقة أدى إلى تضرر منشآت نبع الفيجة وإخراج النبع عن الخدمة ما تسبب بانقطاع المياه عن مدينة دمشق وريفها، حيث يؤمن النبع نحو 60 بالمئة من احتياجات العاصمة من المياه.
وطالبت فصائل وادي بردى جميع الفصائل العسكرية في الداخل السوري بنقض الإتفاق وإشعال الجبهات دفاعاً عن منطقة وادي بردى، مشيرة الى أن نظام الأسد اتخذ ذريعة كاذبة لتبرير قصفه للمنطقة بوجود عناصر ومقرات تابعة لما يسميه منظمات ارهابية، وأكدت أنه ليس هناك أي وجود لجبهة فتح الشام أو تنظيم الدولة ضمن المنطقة، وأن كل المقاتلين فيها ينتمون لفصائل عسكرية تابعة للقيادة الموحدة للجيش السوري الحر، أو هم من أبناء المنطقة.
وقالت الهيئة الإعلامية في وادي بردى إن الميليشيات تحاول اقتحام المنطقة عبر شن هجمات على محوري الحسينية وبسيمة، بالتزامن مع شن الطائرات الحربية غارات على بلدة عين الفيجة ما تسبب بسقوط جرحى، نافيةً وجود نزوح من المنطقة باتجاه مناطق سيطرة قوات النظام.
ومن جانبه، دعا المجلس المحلي في منطقة المرج بغوطة دمشق الشرقية الدول الراعية لاتفاق وقف إطلاق النار إلى وقف الخروقات التي تقوم بها قوات النظام وميليشياتها وإرسال مراقبين دوليين لضبط وقف إطلاق النار في سوريا عموماً وفي الغوطة الشرقية ووادي بردى خصوصاً مشيراً الى أن النظام و حلفاءه حققوا تقدماً كبيراً في الغوطة الشرقية خلال الأيام الأخيرة مستغلين التزام فصائل المعارضة باتفاق الهدنة.
لغط حول وجود نسختين
وبينما يبرر معسكر قوات النظام خروقاته في العديد من المناطق بأن الاتفاق لا يشمل جبهة فتح الشام، تقول الفصائل الموقعة على الاتفاق أن النسخة التي وقعت عليها لا تستثني أي منطقة او فصيل، مشيرةً إلى وجود اختلافات جوهرية بين نسخة الإتفاق التي وقعت عليها المعارضة والنسخة التي وقع عليها النظام السوري.
وتؤكد الفصائل أنه تم حذف عدة نقاط رئيسية وغير قابلة للتفاوض من نص اتفاق وقف إطلاق النار الذي وقعت عليه مع الحكومة الروسية. وحذرت في بيان لها وقعت عليه كل من (جبهة أهل الشام، صقور الشام، فيلق الرحمن، الفرقة الأولى الساحلية، جيش إدلب الحر، جيش الإسلام، جيش النصر، تجمع فاستقم كما أمرت، الجبهة الشامية، لواء شهداء الإسلام، جيش العزة) من أن استمرار الخروق والقصف من قبل النظام ومحاولات اقتحامه المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش الحر تجعل الاتفاق لاغياً.
والنقطة الأكثر إثارة للجدل هي ما إذا كان وقف إطلاق النار يستثني جبهة فتح الشام، وهو أمر تنفيه المعارضة بينما تؤكد عليه مصادر النظام وروسيا، وحتى تركيا.
وكانت الخارجية التركية قالت منذ اليوم الأول لتوقيع الإتفاق أنه لن يشمل المنظمات التي يصنفها مجلس الأمن كتنظيمات ارهابية، والتي تشمل تنظيم الدولة وجبهة فتح الشام( النصرة سابقاً).
وقد استبعد الصحفي التركي اوكتاي يلماظ في تصريح لـ”صدى الشام” وجود نسختين لاتفاق وقف إطلاق النار، وقال إن تركيا لا يمكن أن توقع على نسختين مختلفتين.
وأشار يلماظ الى أنه تم الإعلان منذ البداية بأن الاتفاق لن يشمل تنظيم الدولة وجبهة فتح الشام باعتبار أن مجلس الأمن قد صنفهما كتنظيمين ارهابيين. واستدرك بالقول أن هناك ربما تفاهم بين تركيا وروسيا على عدم استهداف المناطق المختلطة، أي التي يوجد فيها انتشار لمقاتلي الجبهة والجيش الحر بشكل مختلط مثل محافظة إدلب.
وحول استهداف منطقة وادي بردى التي لا وجود فيها لجبهة فتح الشام، قال يلماظ إن ذلك يأتي في إطار خرق الإتفاق من جانب النظام السوري والميليشيات التي تقاتل معه .
ومن بين الفروق التي تحدثت عنها المعارضة بين النسختين ما يتعلق بتشكيل الوفود المشاركة في مفاوضات الحل السياسي، إذ تشير الوثيقة التي وقع عليها النظام إلى أن الحل السياسي يعتمد على قرارات مجلس الأمن دون ذكر لإعلان جنيف، في حين تتحدث الوثيقة التي وقعت عليها المعارضة عن إعلان جنيف باعتباره مرجعية للمفاوضات إلى جانب قرارات مجلس الأمن.
ورأى السفير المنشق عن النظام بسام العمادي أن روسيا خدعت فصائل المعارضة خلال الاتفاق حيث تشير الورقة التي وقعها النظام الى أنه إعلان لوقف اطلاق النار وليس اتفاق، بما يعني أن نظام بشار هو الطرف الأساس والمبادر بوقف إطلاق النار، وأن الفصائل الثورية انضمت إليه كتابع.
وأضاف العمادي أن الورقة تذكر: “حكومة الجمهورية العربية السورية”، مما يعطي نظام بشار الشرعية كحكومة، ويجعل الطرف الآخر معارضة وليس ثورة. لأن الثورة تنزع الشرعية عن الحكم القائم”. كما تقول الورقة أن “الحكومة ستشكل وفداً وأن هذا الوفد سيبدأ بالعمل المشترك مع الطرف المعارض” والعمل المشترك هنا لا يعني تفاوض بل تعاون مع “وفد الحكومة لوضع خارطة طريق من أجل تسوية الأزمة السياسية الداخلية في سورية”. أي أن ما يجري استناداً إلى الورقة هو أزمة سياسية داخلية وليس ثورة تستلزم تغييراً شاملاً للنظام.
ورأى العمادي أن الورقة مليئة بالأفخاخ والعبارات الخاطئة وغير المقبولة، ما يشير الى ” الخداع والاستهتار الروسي بالثورة والثوار”. وقال إنه لا يلوم الفصائل على نيتها الطيبة للوصول إلى وقف إطلاق النار، بل يلومها على عدم الاستعانة بفريق مختص من جميع الاختصاصات القانونية والدبلوماسية واللغوية لتجنب الوقوع في مثل هذا الفخ، إذ لا يقبل أي مهني توقيع اتفاق على ورقتين منفصلتين لأن جميع الاتفاقات يوقع فيها الطرفان على كلا النسختين الأصليتين.
الطريق الى أستانة
ويتضمن اتفاق وقف إطلاق النار الذي بدأ سريانه في الساعة الأولى من يوم 30-12 – 2016 جوانب تتعلق بالاتفاق وآليات المراقبة ومفاوضات الأستانة التي تشمل خمسة بنود منها: الالتزام بتشكيل وفد المعارضة للمفاوضات حتى موعد أقصاه 16 كانون الثاني الجاري، وبدء “العمل المشترك” لوفد المعارضة مع وفد النظام ابتداء من 23 كانون الثاني/يناير 2017 عبر مؤتمر أستانة في كازاخستان”.
أما البند الثالث فيؤكد على أن وفدي المعارضة والنظام سيقومان بـ”إعداد خارطة طريق من أجل حل الأزمة السورية في أقصر وقت”.
وبحسب الوثيقة فإن 12 فصيلاً عسكرياً وافقت على الذهاب للمفاوضات في الأستانة وهي (فيلق الشام، وجبهة أهل الشام، وفرقة السلطان مراد، وجيش إدلب الحر، وصقور الشام، وفيلق الرحمن، والجبهة الشامية، وتجمع فاستقم، وجيش العزة، وجيش النصر، والفرقة الساحلية الأولى، جيش الإسلام، ولواء شهداء الإسلام) مع ملاحظة غياب ذكر حركة أحرار الشام التي وافقت على اتفاق وقف النار لكنها قالت أن لديها تحفظات على الشق السياسي في الاتفاق.
وقال وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو أن فصائل المعارضة المسلحة التي انضمت إلى الهدنة في سوريا تضم أكثر من 60 ألف مقاتل بينها سبعة من التشكيلات الأكثر نفوذاً، والتي تسيطر على الجزء الأكبر من المناطق الخارجة عن سلطة النظام في وسط وشمال سوريا.
وقد تبنى مجلس الأمن مشروع قرار روسي يدعم اتفاق وقف النار، بعد إجراء تعديلات عليه من جانب الدول الغربية وإدخال بنود تقضي السماح بدخول سريع للمساعدات الإنسانية لمختلف المناطق في سوريا، وأن المحادثات المقررة في كازاخستان ستكون برعاية الأمم المتحدة.
ورغم تواصل خروقات حلف النظام للاتفاق، تستمر التحضيرات للذهاب الى مفاوضات أستانة عاصمة كازخستان. وأعلنت المعارضة السورية بلسان أكثر من متحدث باسمها عن ترحيبها بمفاوضات الأستانة واستعدادها للمشاركة فيها، وإن كانت الهيئة العليا للمفاوضات قالت أنها لم تتلقَّ دعوة لحضورها، وذلك وسط تسريبات بأن روسيا لا تحبذ دعوة الهيئة أو الائتلاف المعارض بصفتهما الاعتبارية، وأنها قد تدعو شخصيات منهما بصفتهم الشخصية.
ولم تتضح بعد هوية المشاركين في محادثات أستانة في ظل رفض تركي لحضور ممثلين من حزب “الاتحاد الديمقراطي” الكردي المتهم بالتنسيق مع النظام. كما تتحفظ المعارضة السورية على حضور ما يُسمّى بمنصات القاهرة، وموسكو، وحميميم، وتعتبرها أقرب للنظام منها للمعارضة ومتماهية مع المشروع الروسي الإيراني في سورية الهادف إلى إعادة إنتاج النظام.
ورأى عضو الهيئة السياسية في الائتلاف المعارض يحيى مكتبي ” أن أي “محاولة لإعادة تأهيل نظام الأسد وباقي رموز حكمه هي تأهيل لتنظيم “داعش”، وتأهيل للتطرف والإرهاب” مؤكداً أن التخلّص من الأسد “يتعلّق بالأمن والاستقرار الدوليين، ولا يمكن محاربة داعش حتى النهاية إلا من خلال التخلص من الأسد “.
يبقى أن نشير إلى أن الإتفاق التركي الروسي أثار انطباعات حول تقاسم الدول الراعية للإتفاق النفوذ في سوريا ما يهدد بإمكانية تقسيم البلاد على أساس هذه المناطق بحيث يكون الشمال السوري من حصة تركيا والساحل من حصة روسيا، ودمشق ومحيطها من حصة إيران وميليشياتها، وهي ملاحظة تحدثت عنها وسائل إعلام دولية عدة.
[sociallocker] صدى الشام
[/sociallocker]